( بقلم : ليث السلامي )
الحيادية , والصدق , والانصاف , صفات من الصعب التحلي بها في العمل السياسي , فهذه الصفات تندرج في باب الصعب المستصعب , التي لايمتلكها , ولاتتأتّى إلاّ لإصحاب القلوب الطاهرة, والضمائر الحية , والبطون الخالية من الحرام والسحت . وهذا بالضبط مايفتقده الساسة العرب , وخصوصا المتعاطين منهم بالشأن العراقي . كيف لا وأن بطونهم قد ملئت سحتا من اموال الشعب العراقي التي كان يغدقها عليهم الطاغية المقبور صدام , كوبونات النفط والرشى , وحقائب الدولارات, ليست سوى شيء بسيط مما انفقه النظام الصدامي على شراء الذمم والضمائر , علما انهم لايمتلكون ذمم ولاضمائر من الاصل .
وهذه هي بالضبط خلفية من يأتون مبعوثين من الجامعة العربية او اي جهات عربية سياسية , حيث ان اغلبهم لهم علاقات سابقة مع نظام الطاغية المقبور, وهم بذلك يتحركون في تعاملهم وحركتهم في الواقع العراقي وفق المنظور والرؤية الصدامية البعثية ,لاسباب نذكر من اهمها
اولا - ان خيرات صدام التي كانوا ومازالوا يتنعمون بها لايمكن لهم ان يتناسوها , خصوصا ان ابنة الطاغية رغد مازالت تحتفظ بجزء كبير من ثروة العراق التي نهبها ابوها المقبور من خيرات العراق , وعيونهم مازالت تشخص على رغد لان الخير لديها وفير .
ثانيا – ان العقد الطائفية تلعب برؤوسهم ولاينظرون الى الواقع في العراق إلاّ من هذا المنظور , فتراهم يتحركون ويعملون من منظار طائفي , همهم هو حماية وتقوية الطائفة المختارة التي حكمت العراق على مدى تللك العهود الطويلة بالظلم والطغيان . بهذه العقلية يتعامل كل المبعوثين العرب مع العراق , وأما الضمير الحي , والقلب الطاهر , وبالتالي الانصاف في التعامل فهي ابعد ماتكون عن اخلاقهم وسلوكياتهم وصفاتهم . ولايشذ عن هؤلاء مبعوث الجامعة العربية الى العراق مختار لماني , الذي تحدث اخيرا واصفا الوضع في العراق وفق منظوره ورؤيته , وكان حديثه لصحيفة الشرق الاوسط السعودية , وهي المعروفة بالانحياز الطائفي والتي تنفذ ارادة واجندة السعودية التي لايختلف اثنان على انها هي المحرك الاكبر للفوضى والاحتقان الطائفي والتوتر في العراق . في هذه المقابلة قام السيد مختار لماني بتوصيف الوضع في العراق وفق النظرة ( الطائفية والنفعية ) حيث انه وصف الوضع في العراق في عدة نقاط نذكر منها .
1 وصف مايجري في العراق على انه حرب اهلية بين الشيعة والسنة , وقد اصاب في التشخيص الاول وهو وصفه انه هناك حرب اهلية , ولكنه كذب وافترى في وصفه الثاني انها حرب بين الشيعة والسنة لان العالم كله يعلم ان مايدور في العراق انما هي حرب ابادة للشيعة كانت تجري ايام الطاغية المقبور خلف عدسات التصوير , والان اصبحت تدور امام عدسات التصوير بعد ان اعلنت رسميا , وهذه الحقيقة يخفيها السيد لماني .
2 وفي سؤاله عن وجود مقاومة في العراق , أجاب بنعم انه هناك مقاومة , ولكنه لم يبين لنا ماهي هذه المقاومة , هل هي التي تفجر المدارس ؟ أم الاسواق ؟ ام المكتبات ؟ ام تقتل وتفجر طلبة العلم في الجامعات ؟ ام مقاومة قتل العمال البسطاء في مساطرهم ؟ ام اهي مقاومة تفجير وتخريب شبكات الكهرباء لتزرع الظلام في العراق ؟ ام انها مقاومة قتل زوار الحسين ؟ ام انها مقاومة تفجير المصلين في مساجدهم وحسينياتهم ؟ ام انها مقاومة قصف وتفجير المراقد المقدسة لعظماء الاسلام من آل البيت ؟ ام انها مقاومة قطع الطرقات وتسليب الناس وقتلهم على الهوية ؟ ام انها مقاومة الذبح بالسكاكين وتصويرها وعرضها على الفضائيات والمنتديات الارهابية الطائقية على مواقع الانترنت ؟ كل هذه الاصناف من المقاومة موجودة في العراق فأي منها كان السيد لماني يقصد ؟ ولكنه لم يوضح لنا , ربما يعنيها جميعا .
3 وفي معرض جوابه عن الدور الايراني اسهب في شرح الدور الايراني وتدخله وتغلغله في العراق , وقال انه التقى عشائر عربية من الوسط والجنوب شكوا له التدخل الايراني , ولكنه لم يحثنا عن التدخل السعودي و الاردني و المصري والاماراتي والقطري في العراق , لم يشرح للقرّاء عن الدور التخريبي والتحريضي للسعودية ولعلماء الارهاب التكفيريين في اشعال الفتنة في العراق , ولم يتحدث لنا عن الدور القطري في فضائية الجزيرة التي تبث سمومها على مدى الساعة , ولا عن دور الامارات في جمع شمل البعثيين وكل الخارجين عن القانون في العراق ودعمهم للانقلابات السياسية وحتى العسكرية واحتضانهم لكل تلك الاجتماعات , التي تهدف الى الانقلاب على الديمقراطية والانتخابات , والدور الاردني والمصري وكل واحدة من هذه الدول التي لايمكن شرح كل ابعاد تدخلاتها ودفعها للاوضاع في العراق نحو الهاوية , لانها تحتاج الى مجلدات وليست الى مقالة واحدة .
خلاصة القول ان هؤلاء الذين ترسلهم الجامعة العربية او الدول العربية, لن يكونوا في اي حال من الاحوال منصفين ولا مخلصين ولا حياديين , ولن ينقلوا الحقيقة ولن يتصرفوا بحيادية ولايهمهم مصلحة العراق إلاّ بقدر ماتمثله مصالحهم الشخصية ومصالح فئة صغيرة من الشعب العراقي التي اعتادوا التعاطي معها واستفادوا منها طيلة العهود التي حكموا فيها البلد , وأما الجماهير المليونية المظلومة فهذه لاتعنيهم بشيء .
ليث السلامي
https://telegram.me/buratha