علي الشيخ حبيب
تعد الجرائم التي تمس حياة شخص أو مجموعة من الأشخاص أو الانتقاص من حريتهم أو حقوقهم أو آدميتهم من اشد الجرائم خطورة،
ويطلق على تلك الجرائم "بالجرائم ضد الإنسانية"، وترى الجمعية العامة للأمم المتحدة، بقرارها 96 (د-1) المؤرخ في 11 كانون الأول/ديسمبر 1946،" أن الإبادة الجماعية جريمة بمقتضى القانون الدولي، تتعارض مع روح الأمم المتحدة وأهدافها ويدينها العالم المتمدن".
فبعد الحرب العالمية الثانية، نصّ المبدأ السادس من مبادئ محاكمات نورمبرج، والذي حدد الجرائم ضد الانسانية على انها " جرائم القتل، او الإبادة، والاسترقاق والإبعاد، وكل فعل آخر غير إنساني يرتكب ضد المدنيين ، وكذلك أفعال الاضطهاد المبنية على أسباب سياسية أو عرقية أو دينية" انتهى.
إن الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان في العراق التي ارتكبها النظام البعثي البائد منذ تولية السلطة مابين (1968-2003م) هي من ابشع الجرائم واكثرها وحشية ودموية في التاريخ الإنساني، حيث لم يتعرض شعب من شعوب المعمورة الى التنكيل والابادة مثل ماتعرض له الشعب العراقي طيلة أكثر من ثلاثة عقود حكمت فية زمر الاجرام البعثي العراق بسطوة السلاح وأرهاب الدولة، حيث كانت ممارسات الأجهزة الأمنية والعسكرية بحق الشعب العراقي أسوأ مما يتخيل ، حيث كان منتسبين الاجهزة القمعية يتفننون في طرق التعذيب كالضرب بالسياط المختلفة الأحجام، والأعمدة الحديدية، وقلع الأظافر والكي بالمكواة الكهربائية، والتعليق من باليدين من الخلف، ورمي الأشخاص عراة على خشبة مليئة بالمسامير، كل هذه الوسائل وغيرها كانت تمارس بشكل يومي ضد كل من يتفوة او يفكر او حتى يتخيل ان يمس رأس النظام العفلقي المجرم.
وكانت التهم تنسب الى العراقيين كيفما يشاء المحققين في مديريات الامن في المحافظات او محكمة الثورة سيئة الصيت ، او الشعبة الخامسة، او سجون الرضوانية او ابو غريب ، وسائر الاجهزة القمعية التي اقامها النظام المقبور والتي لا يتسع المقام لذكرها جميعا، وقد نالت المعارضة الشيعية العراقية القسط الاكبر من قتل وتهجير وتشريد ومصادرة الأموال وكان مجرد الاتهام بالانتماء إلى حزب أخر غير حزب البعث يؤدي بالشخص إلى القتل ، والذي يسلم من الموت منهم يلقى في السجن المؤبد، وأي رابط عائلي أو قومي أو ديني يربط بين مواطن عراقي وأخر متهم بمعارضة النظام يعد دليلا كافيا على وضع الأول في دائرة الشك التي تعني تعرضه لممارسات تنتهك حقوق الإنسان طوال حياته.
وفي خضم هذا الموروث الاجرامي الذي تناقلتة اجيال الاجهزة الامنية القمعية التي تربت على عقيدة القتل والتغييب في السجون ومصادرة الاموال والتنكيل بالاهل والاقارب وزرع الخوف وترويع الناس في نظام بوليسي فريد من نوعة في العالم بحجم اجرامه وتمادية في القتل، قامت الانتفاضة الشعبانية المباركة في اغلب محافظات العراق ، وبعد ذلك حصل نظام البعث على الضوء الاخضر من الولايات المتحدة بقمع الانتفاضة عسكريا ، وبمباركة دول الخليج التي كانت تخشى من قيام كيان يحكمة الشيعة بحكم الاغلبية السكانية، وتحت مراى ومسمع القوات المتحالفحة التي ساهمت بتحرير الكويت بقيادة امريكا والغرب، ملئت ارض العراق بالمقابر الجماعية في قتل عشوائي طال محافظات الجنوب والوسط العراقي فدفن مئات الالوف من ابناء الجنوب والوسط بعد قتلهم، او وهم احياء في مقابر يطلق عليها اليوم بالمقاير الجماعية في التعبير العراقي ،والتي عرفها قانون حماية المقابر الجماعية رقم 5 على انها" المقبرة الجماعية-الأرض أو المكان الذي يضم رفات أكثر من شهيد تم دفنهم أو إخفائهم على نحو ثابت دون إتباع الإحكام الشرعية والقيم الإنسانية الواجب مراعاتها عند دفن الموتى وبطريقة يكون القصد منها إخفاء معالم جريمة إبادة جماعية يقوم بها فرد أو جماعة أو هيئة وتشكيل انتهاكاً لحقوق الإنسان" انتهى .
وتتميزالمقابر الجماعية بأنها مواقع مخفية لا تحمل علامات مميزة او اثار تدل عليها ، ويمكن تحديدها ببعض أكوام التراب مكدسة فوق سطح الأرض أو في حفر عميقة يصعب تميزها.
فقد قرر مجلس الرئاسة بجلسته المنعقدة بتاريخ 12 /3 /2006 إصدار القانون الأتي:-
باسم الشعب
مجلس الرئاسة بناء على ما أقرته الجمعية الوطنية العراقية طبقاً للفقرتين (أ- ب) من المادة الثالثة والثلاثين من قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية واستناداً إلى المادة السابعة والثلاثين من قانون إدارة الدولة
الفصل الاول
الاهداف والوسائل
المادة 1
أولاً : يهدف هذا القانون إلى:-
اْ- حماية المقابر الجماعية من العبث والنبش العشوائي أو فتحها دون موافقة رسمية من وزارة حقوق الإنسان.
ب- تنظيم عملية فتح المقابر الجماعية وفقاً للإحكام الشرعية والقيم الإنسانية بقصد التعرف عـلى هويات الضحايا وما يتبع ذلك من أثار شرعية وقانونية في حدود أحكام هذا القانون.
ج- حفظ وحماية الأدلة التي يمكن الاستدلال بها على هوية الضحايا.
د- تحديد هويات الجناة والمساعدة في جمع الأدلة ضدهم لثبات مسؤوليتهم الجنائية عن الجرائم المرتكبة ضد الضحايا وتقديمهم إلى القضاء.
ثانياً: تتولى وزارة حقوق الإنسان الدور الرئيس في عملية فتح المقابر الجماعية وحصر أعدادها وتوثيق محتوياتها.
ثانياً: تتولى اللجنة ما يأتي:-
أ- فتح المقبرة الجماعية و إجراء الكشف عليها للتعرف هويات الرفات التي تضمنها وتنظيم محضر أصولي يتضمن معالم وتفاصيل المقبرة الجماعية موثقة بالأفلام والأقراص المدمجة.
ب- تسليم الرفات لذوي الضحية وإعادة دفن رفات الشهداء وفق مراسيم تليق بهم وتتكفل الدولة النفقات المالية لهذا الغرض.
جـ- إصدار وثيقة تحقيق هوية لكل رفات يتم العثور عليها في ضوء التحقيقات والفحوص الطيبة و المختبرية اللازمة.
المادة 7
ثانياً: لورثة الضحية حق الطعن في قرار اللجنة حول تحقيق هوية الضحية لدى محكمة الأحوال الشخصية التي يقع موقع المقبرة الجماعية ضمن اختصاصها المكاني خلال (10) عشرة أيام من تاريخ التبليغ بالقرار، يكون الحكم الصادر من المحكمة قابلاً للطعن فيه لدى محكمة المنطقة الاستئنافية بصفتها التمييزية خلال(15) خمسة عشرة يوماً من تاريخ التبليغ به.
المادة 8
ثانياً: يتولى مكتب الاستعلامات ما يأتي
أ- تزويد مكتب المفقودين في الوزارة وغيرها من الجهات المختصة بنسخة من قرارات تحقيق هوية الضحية وجميع المعلومات المطلوبة والوثائق الأخرى.
ب- تزويد ورثة الضحية بنسخة من الوثائق والمستندات المنصوص عليها في البند (أولاً) من هذا المادة والفقرة (أ) من هذا البند مع النقود والأشياء التي تعود إلى الضحية.
ج- إرسال وثيقة تحقيق هوية الضحية وجميع المعلومات المطلوبة والوثائق الأخرى إلى محكمة الأحوال الشخصية أو محكمة المواد الشخصية حسب الاختصاص عند الطلب لغرض إصدار حجة وفاة للرفات التي تم العثور عليها في المقبرة الجماعية وفقاً للقانون.
د-اتخاذ الإجراءات اللازمة لغرض إصدار هوية الأحوال المدنية لورثة الضحايا.
بعد تلك المقدمة عن المقابر الجماعية فقد اطلعت على الخبر الوارد في صحيفة الاتحاد الامارتية:-
(( تستعد وزارة حقوق الإنسان العراقية بالتعاون مع معهد الطب العدلي في وزارة الصحة ومؤسسة الشهداء لإطلاق حملة وطنية شاملة في عموم البلاد لتأسيس قاعدة معلوماتية عن ضحايا المقابر الجماعية. وقال مصدر مسؤول في الوزارة، إنه سيتم أخذ عينات الدم من ذويهم لغرض مطابقتها مع العينة (DNA) المأخوذة من عظام الضحايا التي استخرجت من المقابر التي سبق فتحها من قبل قسم المقابر الجماعية بالوزارة. وقال المصدر إنه تم فتح 6 مقابر جماعية على مرحلتين رفع خلالها 724 حالة ، وسلمت جميعها إلى دائرة الطب العدلي بمحافظة النجف لتسليمها إلى إقليم كردستان)) انتهى.
وفي الاسبوع الماضي بثت قناة العراقية الفضائية، تقريرا اعدته وزارة حقوق الانسان بالتعاون مع مؤسسة الشهداء وقد ورد ضمن طيات هذا البرنامج نية الوزارة ومؤسسة الشهداء على فتح المقابر الجماعية ، للتعرف على هوية الشهداء فيها وذالك بمقارنة الحامض النووي لرفاة الشهيد مع الحمض النووي لذويهم .
وقد نبه السيد محمد شياع السوداني وزير حقوق الإنسان، إن عدد المقابر الجماعية المكتشفة، بلغ 166 مقبرة، تم فتح خمس وعشرين منها، بينما نقل عن وزارة شؤؤن الشهداء، إن عددها في جميع محافظات العراق بلغ 346 مقبرة ، تم فتح تسع واربعين منها.
وأدعوا وزارة حقوق الانسان، والحكومة العراقية، ومؤسسة الشهداء، والحوزة الدينية، ومنظمات المجتمع المدني العراقية، ان تراعي الاتي:-
1- على وزارة حقوق الانسان ومؤسسة الشهداء ان تضع نصب اعينها ان رفات الشهداء ، والتي هي عبارة عن اكوام من العظام ،ان لاتسلم الى ذوي الشهداء بل تدفن في نفس المقابرة الجماعية التي دفنوا فيها، وفي بناء يليق بتضحيات هؤلاء الابطال ، وجعل تلك الاماكن من الاماكن التاريخية التي تشهد على جرائم البعث الصدامي ، وحجم تضحيات الشعب العراقي على مدى سنين حكمهم المظلم.
2- عدم التهاون في نقل رفات الشهداء الى مقبرة النجف او الى مقبرة اخرى ، لان هذا هو تاريخ العراق الحقيقي الذي بجب ان لانتهاون فية او نساوم علية.
3- بعد التعرف على اسماء الشهداء على وزارة حقوق الانسان ومؤسسة الشهداء تبويب قاعدة بيانات للشهداء الذين تم التعرف عليهم، مع تشيد قبور لائقة بهم مع ما متوفر لدى ذويهم من صور شخصية ، وبمظهر حضاري مع نصب تذكاري كبير يشير الى مواقع المقابر الجماعية.
4- عقد مؤتمرات عالمية دورية مع تغطية اعلامية كبيرة، لتذكير العالم بما ارتكبه النظام البعثي من جرائم، ومواجهة أي محاولة لإنكارها أو التقليل من فظاعتها ، ولجم الأصوات النشاز التي تقول ان من الأفضل نسيان الماضي،والمساواة بين الجلاد والضحية.
5- جعل ذكرى خاصة للمقابر الجماعية لإيقاظ الضمائر الحية باستذكار تضخيات هؤلاء الابطال، وجعلها ركيزة للإنتقال من دائرة الصبر على البلاء والمحن ، الى دائرة المبادرة الى كل ما من شأنه إبقاء العراق حيا وعصيا على الظلم والظالمين، والإحتجاج على المفسدين والمتاجرين بمعاناة الشعب، والناكرين لحقه في حكم نفسة بنفسة.
6- إن جهود وزارة حقوق الانسان ومؤسسة الشهداء في هذا المجال أمر يستحق التقدير، وأمل أن يحظى ذوي الشهداء بالإحترام والرعاية، وهذا هو أفضل ما يمكن تقديمه لعوائل ضحايا المقابر الجماعية تقديرا لتضحياتهم الكبيرة.
7- التعجيل في الملاحقات القضائية ضد بقايا البعث التي تستقر بأموالها ونفوذها في الدول العربية، وخصوصا في الاردن وسوريا وقطر والبحرين والامارات، وتحاول استغلال تعثر العملية السياسية وتفشي الفساد، لإقناع الأوساط السياسية العربية بعدم جدوى الإنفتاح على العراق، كما توظف النزعات الطائفية للإساءة الى الحكومة العراقية.
8- رفع جميع الاخفاقات التي كانت ولازالت عائقا في التعامل مع ملف المقابر الجماعية، وتشخيص التقصير الحكومي، ورفع وعي الأمة في المطالبة بحقوقها، وقضاياها المصيرية، والتعريف بالمسؤولية التي تقع على عاتق مثقفي ونخب الأمة في هذا المجال للتعريف بهول تلك الجرائم وبشاعتها.
9- ممارسة الضغط على الحكومه في تغيير تعاملها ببرود مع رؤوس الارهاب وسعيها الى ارجاع القتلة والمجرمين الى مراكزهم الامنية، لضمان سكوتهم ومباركتهم للعملية السياسية.
10- كلنا شاهدنا كيف ثأرت الولايات المتحدة الامريكية لكرامتها بعد الاحداث الارهابية في 11 سبتمر عام 2001، ولضحاياها 3000 الذين قتلتهم الة الارهاب الوهابي، حيث رأينا انه لم تهدأ الحكومات الامريكية السابقة والحالية في مطاردة الجناة وحاولت بكل الأشكال أن تثبت للشعب الأمريكي أن كرامتهم ودمائهم غالية، وأن القتلة سوف لن يفلتوا من العقاب، وقد فعلت الإدارة المريكية في عهد الرئيس جورج دبليو بوش الشيء الكثير من أجل ذلك فقد اسقطت حكومتين ارهابيتين في أفغانستان وفي العراق، ولم تكتف بذلك بل بقيت جادة في محاولاتها النيل من الجناة حتى استطاعت أن تقتل رأس الفتنة وزعيم الارهاب ابن لادن.
انني اتسأل لماذا لاتثأر الحكومة العراقية لنصف مليون شهيد غيبت اجسادهم الة الاجرام البعثي، ودفنوا تحت الأرض دونما ذنب، علما ان الحكومة الحالية يمثلها الان حزب الدعوة الاسلامي الذي كانت شبهة الانتماء اليه القتل والتشريد ومصادرة الاموال والتصقيه الجسدية.
ولماذا الإجراءات الحكومية ضعيفة بل على استحياء وتنَكر، في إفهام العالم بحقيقة المقابر الجماعية ودعوات ذوي الضحايا في مقاضاة الجناة، وإيصال اصواتهم إلى المنظمات الدولية.
وهل ينكر البرلمان والسلطات التنفذية والتشريعية ، أن الدماء الزكية والجرائم المروعة بحق شهداء المقابر الجماعية هي التي مهدت لسقوط النظام بعد أن أزاحت مصداقيته كنظام حكم غير صالح لقيادة شعبه.
11- التعامل مع ملف المقابر الجماعية بعقلية منفتحة وواعية بعيدا عن الأطر الفكرية الضيقة، فجرائم المقابر الجماعية في العراق هي ممارسات أراد من خلالها النظام السابق إهانة الأمة والاستخفاف بمبادئها واستباحة كرامتها وحريتها.
12- ندعوا الحكومة على عدم الموافقة على إلغاء المحكمة الجنائية العليا، التي أُنشأت خصيصا للتحقيق في جرائم النظام السابق، حتى تستكمل المهام التي أسست من أجلها، علما أن محكمة نرمبرغ التي أسست لمحاكمة جرائم النازية لم تزل تعمل مع مرور 66 عاما على إنشائها.
علي الشيخ حبيب
مدير – مركز الرافدين للدراسات والبحوث الاستراتيجية
https://telegram.me/buratha