محمد رشيد القره غولي
لماذا الشيعة؟
لست هنا في صدد الانتقاص من فئة أو قومية أو مذهب معين، بل لتسليط الضوء على بعض الحقائق التاريخية التي جعلت من هذه الطائفة مستهدفة من قبل القوى الاستكبارية. لان النتائج المنطقية لا تنفك من قضية واقعية بان الشيعة اليوم مستهدفون من قبل الكثير من الجهات و التي البعض منها بعلم أو دون علم يخدم مصالح الدول المتكبرة.لا نذهب بعيدا في التاريخ المزعج لأمة الإسلام بل لتاريخ ما بعد الحكم العثماني للعراق تحديدا و الذي كما هو معروف دام لقرون عديدة، لكن النقطة المهمة فيه هي كيف انتهى حكمهم في العراق و من وقف ضد الدولة الغازية، و كما هو أيضا معلوم أن الوحشية التي اتبعها هذا النظام خلال حكمه جعل الكثيرين مترددين للوقوف معه ضد بريطانيا، لكن مراجع الشيعة آنذاك قالوا قولتهم بالتصدي للمشروع البريطاني في المنطقة و الوقوف ضد الاستعمار الجديد الذي جاء بمشروع التحرر المزيف و الذي انطلى على الكثير آنذاك، و كما نعلم أن ثورة العشرين لم تنطلق من شمال العراق مثلا بل كانت المناطق الجنوبية لها الدول الاكبر للتحرر من هذا الاستعمار. كما أن الخسائر البشرية التي تكبدتها هذه القوات الغازية و خير شاهد عليها معركة النارنجية و التي راح المئات من فلول قواتها من جانب، و الجانب الأخر الدور الكبير لعلماء الشيعة في تثقيف القاعدة بالمشروع الهيمني الذي جاءت به القوى الاستعمارية آنذاك و الذي هو مستمر وفق ما يريدونه و أن تعثر في مواطن عديدة و هم اليوم يحاولون تأصيله ليستمر المشروع و الذي يسمى اليوم بالنظام العالمي الجديد، كان السبب و الأسباب الأخرى التي دفعت البريطانيين من وضع الشيعة تحت المجهر الشيطاني الذي يستخدموه ضد خصومهم و دراسة مصادر القوة التي تتمتع بها الطائفة و السعي نحو تجفيفها بكل الوسائل الممكنة. لذا أدركوا أن الشيعة تتبع المرجعيات الدينية في النجف و هذه التبعية لم يكن لها شاكلة في غيرها من الطوائف الإسلامية و غير الإسلامية فهي نابعة من أصل عقائدي في فكرهم الشيعي و تجفيفه يتطلب أقصى قدرة من المكر و الخديعة و القتل و كل وسيلة يمليها عليهم شيطانهم. لذا نجد بعد الحكم العراقي البريطاني الملكي و مجيء الضباط الأحرار و وصول عبد الكريم قاسم للحكم و دعمه للشيوعيين الذين كانوا ضد الدين و القوميين و حاول استغلالهم لمصالحه، و الفكر الشيوعي و أن تعارض شكلا مع الغرب سياسيا لكنه كان ضمن المشروع الفكري التدميري للشيعة و المسلمين عموما، و بعد فتوى السيد الحكيم(قدس) و تصديه لهذ الحملة الشعواء أبعدهم ـ عبد الكريم قاسم ـ لكي لا يخسر محبة السذج و بعض المندفعين إليه، و من بعده جاء إلينا عبد السلام عارف الذي كان له الطولى في تأصيل التفرقة المذهبية و من بعده أخيه و البكر وصولا إلى المجرم صدام و يعلم الجميع كيف استهدف المرجعية الدينية و طلاب العلم، و كل هذا جاء ضمن الخطة الموضوعة للقضاء على الشيعة،و ننوه أن القضاء على الشيعة ليس إبادتهم عن بكرة أبيهم لان البريطانيين و الصهاينة ليس سذجا إلى هذا الحد فهم يدركون أن من الاستحالة القضاء على طائفة تحتل النسبة الأعلى في ديمغرافية العراق، لكن هم يسعون إلى القضاء عليهم فكرا وهذا ما سندخل في تقييمه و مدى نجاح مشروعهم في هذا الصدد، ففي عام 2003 بعد سقوط الصنم كشف عن إحصائية قديمة قبل مجئ البعث عن عدد العلماء في حوزة النجف الاشرف و هو ما يناهز الثمانية آلاف عالما و خلال حكم البعث و إلى سقوطهم خرجت لنا إحصائية جديدة أن عددهم لغاية 2003 نحو 700 عالما بمختلف المستويات و الدرجات العلمية، هنا نستطيع القول أن المشروع في تقليص العدد قد نجح و هو في حد ذاته خسارة كبيرة للشيعة، لكن تقليص أعدادهم لا يكفي لاستمرار المشروع بل يجب أن نسعى ـ بلسان حالهم ـ إلى إقحام المرجعيات في مشاكل متعدد و إيجاد بدائل لمرجعيات شيعية تهدف المشروع المنشود، لذا نجد أن سابقا و إلى يومنا هذا هناك من ظهر و يظر اليوم و يدعي المرجعية و يصبح له أنصار، بالمعنى أن نسبة التقدم في المشروع بدات ترتفع، و السبب هي من لبس رداء الاعلمية الذين أصّلوا لسب المراجع في الشارع العراقي و جعل المرجعية عند البعض هامشية في حياتهم، وكل هذا يعود بسبب تلك المرحلة المريرة التي عاشها العراق أبّان حكم الطاغية صدام فهو استطاع أن يعزل المرجعية عن شعبها و أهلها، و زج فيها بعض عناصره لخطة شيطانية هي جعل هؤلاء الصورة السيئة التي يحاولون عكسها عن الحوزة العلمية في النجف الاشرف، و ليس هذا فقط بل حاولوا بإظهار بعض الاختلافات الفقهية بين العلماء و جعلها مشاكل يتناحر السذج فيها فيما بينهم علاوة على الخلاف التاريخي بين مدرسة أهل السنة و الشيعة في مسائل متعددة و إشاعة الفتنة بينهم، و دفع أكثر الناس كرها للشيعة و هم الوهابية لتقتيلهم. ليس هذا فقط بل هم أحدثوا شرخا يجب أن نعترف به بين القاعدة و بين المرجعية الدينية، فالكثير منا اليوم لا يتورع أن يملي للمرجعية ما يجب أن تفعله، بل و ذهب البعض للتطاول على المرجعيات بسبب بعض من لبس عباءة العلم و العلماء و هو عنهما بعيد. كما إنني اجزم إن كل من حاول و يحاول أن يقسم المرجعية الدينية و يسعى إلى تضعيفها فهو عميل من حيث يعلم أو لا يعلم، لان مصدر قوتنا هي المرجعية و يجب الحفاظ عليها كما يحافظ المرء منا على عينيه بل أكثر من ذلك و هي بذل النفس و الأهل في سبيلها فهم الحلقة في سلسلة أهل البيت(ع) و لا يستطيع إلا المنحرف أن يتنازل عن هذه السلسلة و هذه الحلقة. كما و نقول لبعض الأصوات الناشزة من البعض التي تحاول عبثا أن تجتهد في الظرف العراقي اليوم و تتدخل في من هم أكثر منهم إدراكا لهذا الظرف أن يتوقفوا لأنكم تعطون ذريعة أخرى للتهجم على المرجعيات الدينية و خصوصا عندما يكون موقفكم مغايرا لرؤية علماء النجف الاشرف. كما و ادعوا شيعة أهل البيت أن يدركوا حجم الخطورة و يشخصوا الأشخاص بشكل عقلاني و دون إدخال العاطفة و ليَنظر إلى من يتبع سياسيا و فكريا، فعلينا أن نعرف إلى من نرجع في تقرير مصيرنا و هل هم أهل علم و كفاءة ليكون مصيرنا مرتبطا بهم؟؟؟ و ليس كل من رفع الجهاد و مقاومة المحتل و بعض الشعارات الرنانة يصبح اهلا للاقتداء. و عليه من كل هذا يجب أن نتبع المرجعيات الحقيقية و المعروفة التي لا تخرج عن الجماعة و المشهود بعلميتها، فهي على دراية كاملة بالمشروع العالمي الشيطاني للقضاء على المبادئ الإنسانية و الإسلامية و جعل العالم عبارة عن عبيد لهم و يوجهونه حسب ما يشاؤون. و الحمد لله رب العالمين.
https://telegram.me/buratha