حمودي جمال الدين
لم يعرف تاريخ العراق الاجتماعي تفاوتا طبقيا ملحوظا وسريعا, بين فئاته كما عليه اليوم, حيث أتاحت العملية السياسة العرجاء ,لنشوء طبقه برجوازيه طفيليه, تكرشت بسرعة فائقة, دون أي كد أو تعب وعناء ,استطاعت التسلل واللعب بين أحضان الكتل السياسية وأحزابها الفاعلة, التي هي الأخرى مسكت زمام القيادة والحكم ,من خلال اعتلائها صهوة المجد, من على رؤوس الحراب والدبابات الغازيه, فدان لها العراق جاهزا ومجهزا ,وبكل ما فيه من سلطة وجاه وثروة, متوارين خلف شعارات زائفة ,أكل الدهر عليها وشرب ,حين مرغوها بوحل استكانتهم وتزلفهم وتمسحهم بأذيال الاحتلال وتماهيهم مع نهجه و تطلعاته.
فلا غرابه ان تعشعش وتنتفخ بين ثناياه, هذه الطفيليات التي انحدرت من أزقة التيه و الضياع وشوارع الانحدار والتردي, لتستقر وتتبؤ المراكز والمناصب القيادية في ألدوله العراقية الجديدة , دون ان تمتلك أي خلفية سياسيه أو بعدا نضاليا, يشار له بالبنان, ليُجمّلْ لها هذه العروش الخاوية ,التي استلبتها بغير وجه حق, فكان همها منصبا على الاستحواذ والغنيمة, وملئ الجيوب والارصده ,وشراء العقارات, وبناء العمارات والفلل, ولم يدر في ذهنها وشعورها شعبا خائرا جائعا يتهافت على لقمة عيشه ووطنا محترقا منكوبا تناثرت أشلائه من سنين الظلم والقهر والهوان .وفي غمرة الهوس بالمال وبهرجة السلطة, تناست هذه الطفيليات شعبها ووطنها فلم تعر لهما اهتماما أو تقدم لهما خدمة ونفعا عاما بلا مقابل أو مكافئة مجزيه.
لهذا تفشت ثقافة الفساد,لتتمطى وتنتشر كالوباء ,من اعلى المستويات في هرم ألدوله ,إلى الدنيا منها ,فالموظف في السلم الإداري الأدنى, عيونه وكل حواسه شاخصة ,تتبع خطى وحركات رئيسه المباشر, وهكذا دواليك إلى اعلى الهرم في سلمه الوظيفي .وعندما تختفي ألرقابه والمحاسبة ,والتدقيق وغض الطرف والتجاهل ,عن الموبقات والمآخذ السيئة والمقرفه , كالرشوة والتزوير والسرقة والمحاباة, وتعاطي البيع والشراء, بأملاك ألدوله, وقبول العمولات, و العطايا والهبات, في إبرام العقود والصفقات التجارية المربحة ,والى ما هنالك من دغدغات ماليه يسال لها اللعاب .وكلما ارتفعت الدرجة والمركز الوظيفي ,كلما ازدادت وكبرت سعة المحصول, وتشعبت وارداته ,لهذا يبدأ التكالب والتصارع على المناصب, وتنعقد أسواق البازار, للمضاربة والمزايدة ولمن يدفع أكثر, لترسوا عليه المنافسة,. وهذه ليست حكايات وفرضيات مختلقه, وكل أبناء الشعب العراقي اليوم, وحتى من أعضاء برلمانه ولجانه المختصة ومن بعض الشرفاء من المسئولين, يتحدثون وبملء أفواههم ,عن هذه الظواهر الدنيئة , للواقع المزري والمؤلم والمخجل ,الذي وصلت اليه العمليه السياسية في العراق, حيث اغلب مناصبها تعرض في سوق النخاسة السياسة وبالأخص الوزارات ودوائرها الحساسة , والقيادات الامنيه والعسكريه نزولا إلى آمر السرية والفصيل .ويتندر العراقيون بعصارة الألم والأسى, في مجالسهم ومنتدياتهم ولقاءاتهم العائلية عن هذا الفحش والاستشراء المقيت, للبيع والشراء في المناصب الحكومية ,حتى ان البعض منهم مسكوا دفاتر حسابيه, أسموها دفتر أليوميه لذلك المسؤول, كما هي في العمليات الحسابية لأي مشروع إنتاجي أو تجاري , يبين الارباح والخسائر أليوميه لذلك المشروع .ولغرض ضبط ما يدخل من إيراد يومي من السحت الحرام للمسؤول ضلوا يقتفون أثره وخطواته وفعالياته اعتبارا من أول ما وطئت قدماه سلم المسؤولية. ومن الطبيعي سيجيب هذا السجل عن تساؤلات الخبثاء والحاسدين. من أين ياترى يستطيع ذلك المسؤول الحافي والكحيان بالأمس, من إعادة هذا المبلغ الباهظ والمكلف الذي اشترى به منصبه إلى أصحابه الذين استعان بهم أو ربما إلى الشركاء الذين التزم معهم بعقد يتناصف معهم بمحصول المنصب؟؟؟
طبعا لهذا السجل نظير له بنفس القسمات والأبواب والتفاصيل تمسكه زوجة المسؤول أو احد رعاياه المقربين جدا منه, يسجل فيه كل شاردة ووارده من أبواب الرزق اليومي, ومن جميع مصادر التمويل ,وباختلاف أنواعها وطرقها وتختلف أبواب وتفاصيل أليوميه, باختلاف المسؤولية ودرجتها الوظيفيه ,لكنها على العموم الغالب تتشابه في بعض البنود والفقرات.مثلا باب التعين ويقصد به كم عدد الإفراد الذين تم تعينهم اليوم يقابله السعر والدرجة الوظيفية ومجموع الحاصل.النقل والعدد وطبيعة المكان ونوعيته وسعره والمجموع.الاجازه ونوعيتها مفتوحه أسبوعيه شهريه والعدد ومجموع الحاصل.الرواتب الوهمية وعدد الإفراد المسجلين ومجموع رواتبهم, المشتريات وكيفية تسجيلها بالقيم المغايرة بإضعاف عن حقيقة شرائها,بيع الموجودات الحكومية كالأثاث والاسلحه وغيرها الكثير.النثرية أو أحيانا تسمى المنافع الاجتماعية وهي مبالغ مخصصه من خزينة ألدوله ليس للصرف الشخصي.الرشوة طبعا الرشوة بمفهوم اليوم( ليس الو اشر) يحددها المسؤول بأسعار خياليه .وبمناسبة الرشوة وهذه للطرافة (سمعت احدهم يتحدث لمنصتيه انه زار احد المسئولين ليشكره على مساعدته في تمرير بضاعته المنتهية الصلاحية للسوق فأعطاه هديه عبارة عن دفترين امتنع المسؤول بإصرار في بادئ الأمر عن قبولهما لكنه استدرك لا لا والله تذكرت ان أم فلان تلح عليّ بإكمال بناء الحسينية لهذا سآخذهما منك وشكرا )فتصوروا....!!!وهناك الكثير من فقرات اللغف يمكن للقارئ اللبيب إضافتها .واكتفي بهذا القدر لأقول للسادة أصحاب المراكز والمسؤولية من اتخذوا المناصب مغانم مربحه ونفعيه لهم وممن يعمي الجشع والطمع بصيرتهم, فيتصوروا أنفسهم أنهم في منأى من رصد عيون الناس وملاحقتهم لهم.أقول إنكم واهمون ومخطئون فانتم مقيّمون وموزونون في نظر شعبكم ,وتفضحكم تصرفاتكم وسلوكياتكم وسجلات أليوميه الوهمية التي يحتفظ بها الناس, عن كل من تمترس بمنصب قيادي في ألدوله العراقية ألحديثه.فحافظوا على القطرة الباقية من الحياء ان وجدّت على جباهكم .
https://telegram.me/buratha