جواد العطار
منذ شهرين وقضية تلوث مياه نهر الحسينية في كربلاء بمواد مشعة تتفاعل رسميا وإعلاميا وشعبيا .. بطريقتين : الأولى- ايجابية: تثبت توجه التصريحات الرسمية؛ الصادرة من مجلس المحافظة ودائرة صحة كربلاء والوزارات المعنية، وآخرها لجنة الصحة والبيئة البرلمانية؛ حول سلامة مياه النهر بخلوها من اية مواد ملوثة او مسرطنة ، باعتبارها الجهات المعنية وذات العلاقة والاختصاص .الثانية - سلبية : يقف وراءها قرار وزارة البيئة اقالة مدير دائرتها في كربلاء بتأريخ 28 / 12 / 2011 ومن ثم اعتقاله ، وتضارب التصريحات داخل مجلس المحافظة نفسه مع تزايد الاهتمام بالموضوع من قبل اكثر من جهة رسمية واصرارها على تلوث مياه النهر وعدم صلاحيتها للشرب او حتى سقي المزروعات .ولنعد قليلا الى بدايات القصة حينما ادت تسريبات صحفية حول وجود مواد ملوثة في مياه النهر؛ تتسبب باصابة العشرات بالسرطان؛ الى حصول جدل بين مجلس محافظة كربلاء ووزارة البيئة؛ وصل الى ساحة الاعلام الذي ما لبث ان تناوله بالتحليل والتفسير والتأويل، وذلك على ما يبدو كان دافعا موضوعيا للجهات المعنية الاخرى لدخول حيز التراشق الاعلامي مع تزايد الضغوط الشعبية وزيادة قلق السكان من محافظتي كربلاء المقدسة وبابل .. الذين يعتمدون على مياه النهر للشرب او لسقي بساتينهم وديمومة مصادر معيشتهم او للذين يسكنون بمحاذاة النهر .. بعد تزايد الاصابات بامراض السرطان في مناطقهم وتضاعف اعدادها ، علما ان عمليات تبطين النهر بدأت من مركز مدينة كربلاء وحتى سدة الهندية في محافظة بابل .السؤال الذي يطرح نفسه .. لماذا هذه الضجة حول تبطين هذا النهر الذي يحمل في تسميته دلالات دينية وتأريخية تتعلق بواقعة الطف واستشهاد الامام الحسين (ع ) بالقرب من ضفافه ، ودلالات حضرية تتزايد اهمية في استفادة اعداد كبيرة من السكان من مياهه؛ مع الشحة التي يعانيها العراق، واشارات رمزية حول صمود اهالي كربلاء ومقارعتهم للظلم والديكتاتورية، حيث تعرض النهر الى حالة من الاهمال المتعمد في صيانة قنواته وايقاف عمليات كريه لاكثر من عقد عقابا لاهالي المدينة على مشاركتهم الفاعلة في الانتفاضة الشعبانية ضد النظام البائد عام 1991 .. وما عمليات التبطين والتطوير التي انطلقت منذ اكثر من خمسة اعوام؛ الا تعويض لاهالي المدينة والنهر لمراحل الاهمال الماضية ، فهل يكون هكذا التعويض يا مسؤولين ؟؟ وهل خلا العراق الذي يعاني التصحر اصلا؛ من الاتربة حتى نتجه الى أطلال منشأتي "حطين" و "الفتح المبين" العائدتين للتصنيع العسكري السابق لنستخدم اتربتها في تبطين نهر الحسينية ، دون التأكد على الاقل من سلامتها وتحليلها بطريقة علمية وعملية . وهل أن نتيجة تحاليل مياه النهر التي اعلنتها الجهات البرلمانية مقنعة ومطمئنة بعد ان تضمنت " ظهور النيكل بنسب تتراوح بين 100-120 ملغ بالكغم " وهي غير كافية لاعتبار ان التربة ملوثة وفقا للجنة . وهل يعقل ان جهة غير رسمية تكتشف هذا الموضوع الحيوي قبل ثلاثة اشهر، ولا يزال قيد النقاش والتمحيص والجدل دون نتيجة حاسمة ونهائية، مثل الكثير من القضايا والمسائل المهمة والشائكة الاخرى التي لم تحسم .. لتؤشر خللا بنيويا في المؤسسات وغيابا واضحا للتنسيق المطلوب بين الحكومة المحلية والحكومة المركزية وبروز مساحة جديدة للسجال الاعلامي وتصفية الحسابات .ان الاجابة على هكذا تساؤلات يستوجب القيام اولا بالخطوات العاجلة التالية :1. ضرورة لجوء مجلس المحافظة الى جهة محايدة ومستقلة تتوخى الطرق العلمية للخروج بنتائج دامغة حول سلامة مياه النهر وجاهزيتها للاستهلاك البشري من عدمه .2. طمأنة المواطن بشكل عاجل من قبل جميع الجهات؛ باستبدال تجهيز محطات التصفية؛ بالمياه من منفذ مؤقت آخر غير نهر الحسينية لحين الوقوف على حقيقة الامر ، واعلان نتائج اللجنة التحقيقية .3. احالة المقصرين الى القضاء في حالة ثبوت تلوث النهر ومحاسبتهم ، وتبرئة ساحتهم في حالة صلاحيته وعدم تلوثه . إن افساح المجال للمؤسسات الاعلامية في كشف الحقائق يعتبر ظاهرة صحية في الانظمة الديمقراطية؛ انْ كانت نابعة من قوة تلك المؤسسات ومهنيتها تارة؛ أو جديتها في ممارسة الرقابة على الاجهزة التنفيذية وحرفيتها تارة اخرى، لكن ما حدث في قضية نهر الحسينية هو استغلال الاعلام للخلافات السياسية التي وصلت الى ابعد الحدود من خلال نقل التراشق الاعلامي وتوظيف التضارب بالتصريحات بين المسؤولين الذي يأتي دائما بناءا على الدوافع السياسية وانسجاما مع خلفيات ومواقف كتلهم تجاه بعضها البعض وتجاه القضايا الاخرى .. فهل يعقل اننا وصلنا الى هذه المرحلة لنوظف موضوعا في غاية الحساسية والخطورة يتعلق بحياة المواطن وسلامة امنه الصحي واستقراره المعيشي في قضايانا السياسية وخلافاتنا .. التي لا تنتهي؟.
https://telegram.me/buratha