المقالات

عدنان القيسي وابو طبر ... فن صناعة الظاهرة

1647 18:30:00 2012-02-22

عبد الكريم ابراهيم

بعد انقلاب عام 1968 اعتمد النظام المسيطر على مقاليد الدولة في العراق على تصفية خصومه وحتى شركائه السابقين الذين اوصلوه الى دفة الحكم ،وكان لابد من وسائل اشغال الرأي العام لاسيما الطبقات البسيطة ،وابعادها عما يجري من احداث سياسية كان البلد يعيشها في ظل وجود معارضة اسلامية ولبرالية ويسارية فضلا عن وجود بعض القضايا الداخلية، وتاتي القضية الكردية والمطالب المشروعة للاخوة الاكراد في الحصول على حقوقهم التي كانوا ينادون بها منذ عقود طويلة في مقدمة هذه القضايا . كان النظام الحاكم في بداية سبعينيات القرن الماضي يعيش حالة صراع داخلي وخارجي يزداد كلما تقدم الزمن ،وكان لابد من وسيلة لكتم افواه الشعب وعدم مشاركته في عملية صنع الاحداث من خلال اثارة قضايا اجتماعية ورياضية تكسب الجماهير اليها وتشغلهم . ظهورعدنان القيسي كان احدى هذه الخطوات من خلال ايهام الناس بالشخصية الخارقة التي تحمل ملاحم ( سوبرمان ) و(فلاش كوردن ) و(جلجامش ) و( عنترة بن شداد ) .عملية الاختيار والاتقان كانت جديدة ومعدة بشكل فائق من خلال صناعة رجل خارق يحلم به العراقيون ويعيد لهم بعض الاحلام المفقودة لاسيما في حربي1967 و 1973التي جعلت الشعب العربي والعراقي ينزوي في البحث عما يداوي جراحاته . اما المعارضة السياسية فتم تصفية بعضها وايهام الاخرى بالمشاركة في الحكم وكشف اوراقها كما حدث مع الحزب الشيوعي العراقي واتفاق 1975 .ولكن كيف تمت السيطرة على المد الشعبي الذي تتمتع به بعض القوى الاسلامية والسياسية في اوساط الطبقات البسيطة ؟ كان عدنان القيسي هو الذي وجدت فيه الحكومة ضالتها : رجل بسيط يمكن السيطرة عليه وتوجيهه كيفما شاءت ، لقد اعترف الرجل اخيرا من خلال لقاء اجرت معه احدى الفضائيات العراقية .

قال الرجل: وقعت ضحية مؤامرة حكومية . هرب القيسي عندما احس بان نهايته اقتربت ،لانه لابد من هذه اللعبة ان تنتهي .لو رجعنا الى شخصية عدنان القيسي فان الرجل لايمتلك تلك القوى السحرية والجسمانية التي جعلته يسقط خصومه على حلبة المصارعة بهذه السرعة المتناهية ، اذا كان الشعب يعيش مسرحية متفق عليها سلفا مع جميع الاطراف حتى خصوم الحلبة . المهم في الامر ان ظاهرة القيسي استطاعت ان تملأ الفراغ الذي كان يشعربه العراقي حيث ان الكثير من شباب تلك المرحلة كانوا على دراية واطلاع باحوال العراق من خلال مقارنتها بالدول الاخرى وكيف يتم كتم الافواه ومصادرة الحريات في الدخل، واثارة مثل هذه الموضوعات وسط الطبقات البسيطة ستكون شاذة ولاتلقى التأييد الذي كانت عليه في عهد الزعيم عبد الكريم قاسم .

انتهت موضة عدنان القيسي وخوارقه ولاذ الرجل بالفرار قبل ان يُفتك به في الوقت المناسب ،وكان على الاجهزة المخابراتية البحث عن بديل مناسب ،وكان هذه المرة شخصية مغايرة لما سبق ،لان اتباع نفس الاسلوب يجعل الامر مكشوفا حتى للبسطاء ، فكان ( ابو طبر) بعدما شغل افئدة العراقيين عدنان القيسي داخل حلبة المصارعة بحركاته البهلوانية ،جاء (ابو طبر) ليكمل المسيرة ويجعل عيون العراقيين ساهرة يطاردها كابوس يريد ان ينقض عليها ويداهمها حتى في بيوتها . تحولت المسألة من رياضة غايتها التسلية والتشجيع الى قضية أمنية .وكان هذه المرة ايضا رجلاً بسيطاً لايملك من الدهاء والدراية الامنية الا القليل في زمن عُرف بقوة الاجهزة الامنية وصرامتها بحيث كانت تعد على الناس انفاسها ،كيف استطاع هذا الرجل ان يقوم باحداث كل هذه الضجة دون ان يكون مسيّرا من قبلها ؟ الحقيقة ان ( ابو طبر ) كان طبخة النظام الامنية من خلال الترويج لها وجعلها ظاهرة تشغل العراقيين وتبعدهم عن التفكير عما يدور من حولهم من قضايا خطيرة كانت تجري في الخفاء ولاسيما تصفية المعارضين باختلاف اتجاهاتهم السياسية والقومية ،والا كيف يعقل ان يتسلى بالامن رجل بمفرده ؟ واغلب رجال الدولة انذاك هم من الذين ينتمون الى اعتى الاجهزة الامنية استطاعت تصفية ناظم كزار رجل الامن القوي ،والعسكري المخضرم صالح مهدي عماش وغيرهم من القائمة الطويلة . خلاصة ما جرى ان (عدنان القيسي ) و( ابو طبر ) كانا مسرحية يراهن عليها النظام الحاكم في عملية توجيه جماهير الداخل نحو قضايا ثانوية وابعادهم عن العمل السياسي والسكوت عن عمليات ابادة المعارضة .

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
التعليقات
مواطن عراقي
2012-02-25
السلام عليكم وهل المسلسل انتهى بالامس يلهون الناس ويخوفون الناس ولكن الان الناس تذبح وتقتل علني بالامس يمنع ان تتدخل بالسلطة واليوم الصراعات بين رجالات السلطة والشعب طايح فيها
مواطن
2012-02-23
المثرمتان التي استوردت بحجة تصنيع اللحوم لكن في الحقيقة نصبت في مركز امن الكاطمية مقابل الشط كي تثرم البشر كم كنت اتمنى ان تذهب الكامرات بعد السقوط او الان كي يتم تصوير المكان على الاقل وعرضة على التلفاز ولم نخلص لا من المقبور اللعين ولا من زمرتة الى يومنا هذا بقتلهم الابرياء من الشعب العراقي
ابو جون فيريري
2012-02-23
لعب النظام المقبور علىجميع الحبال ومنها ما ماجاءبه الكاتب المحترم وأتذكر جيداً مسألة الشيت هذا الحيوان وكيف إستطاعوا أن يصورنه طنطل وقد أخافونا به وخاصة أبناء مدينة النجف الأشرف .. شيت يأكل الأطفال ويمزق أجسادهم أما الحنطة ليست مسموم بل( معفرة) ولكن كان توزيعها على الناس لغرض تسم أكبر عدة ممكن من الناس وفعلاً تم لهم وا أراده ثم مرض السحايا هذا المرض الخطير. كان الهدف منه أن يطلوا السجناء الذين قضى بعضهم نتيجة السم بالثاليوم القاتل مسرحيات من تألف وإنتاج حزب البعث الكافر والقائمة مذهلة
الدكتور شريف العراقي
2012-02-23
ولازال البعض يعتقد انها ليست صدامية الصنع
ابو جعفر
2012-02-22
عزيزي ليش نسيت الحنطة المسمومة المكسيباك واشلون انشلع قلب العالم و جعلوا العراقيين نباتيين غصبا عنهم
قارئ
2012-02-22
الان يااخي الكاتب هناك كثير من المسرحيات الشبيهه بالتي تقدمت بذكرها والله سبحانه لبمرصاد
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك