( بقلم : حسين ابو سعود )
قد يكون العنوان غريبا بعض الشئ ولكن الامر في حدود الامكان وقد يتعلم بعض الاباء من ابناءهم وقد يلقن الابناء دروسا بليغة لآبائهم، بصورة ودية او عدوانية .، وكان احد الاباء يقول بان عقوق اولادي لي يذكرني بعقوقي لوالدي ، الا ان الجرعة التي اتلقاها مضاعفة ، وتنبعث من قرارة نفسي حالة من الارتياح بعد حالة الامتعاض والاسى ، لان ذلك سيكفر ذنوبي ويجعل روح والدي ترتاح في عالمها المجهول وهي تراني اتعذب من عقوق الاولاد، وكأني به يقول ذق ما طالما اذقتنيه والله سريع الحساب ، مع اني بدأت اشعر بما كان يعانيه والدي خاصة في حالة اصابة احد الاولاد بمرض او حمى ، فاشفق عليه عندما اراه طريح الفراش لا يقدر على الحراك، وهناك قصة غاية في الغرابة سمعتها عندما كنت في البادية حيث قضيت فيها قرابة عام واحد من اجمل سنوات عمري وخلاصتها ان شخصا كان قد حمل اباه الشيخ النحيل على كتفه بحجة التنزه في البراري، فادخله الى كهف ووضع على فوهة الكهف صخرة كبيرة ليسد على ابيه طريق العودة ، وقد يكون المسكين قد قضى هناك من الجوع والخوف والبرد والحزن ، وبعد سنوات تبدو طويلة ولكنها اشبه ما تكون بحلم سريع الانتهاء شاخ هذا الرجل فحمله ابنه الشاب ارضاء لزوجته على كتفه بحجة التنزه في البراري وكان يسير باتجاه الكهف نفسه، فشعر الرجل بدنو نهايته المتطابقة مع نهاية ابيه ، فقال لابنه : يابني انا اعلم الى اين تاخذني وما هي نواياك واخبره بها فتعجب الولد وقال له كيف عرفت ذلك فاجابه الاب لاني فعلت نفس الشئ مع والدي الشيخ ، عندها انعطف الولد وعاد بوالده الى المنزل، فساله الاب عن سبب تصرفه فقال : لا اريد ان تتكرر القصة معي ويحملني ولدي بعد سنوات الى نفس المصير .اذن ليس من السهل ان يربي الانسان عدوا له في بيته فيتحول مع الايام الى ذئب مفترس يقض عليه مضجعه وينقض عليه في ضعفه وشيخوخته، فالامر هو نوع من انقلاب السحر على الساحر ، وهناك قصة اخرى سمعتها من احد الوعاظ عن درس بليغ آخر اعطاها ولد صغير لوالده عندما طلب منه ان ياخذ بطانية الى الخرابة المقابلة لبيته في برد الشتاء حيث الجد الشيخ يرتجف من البرد، فقام الولد باحضار مقص ليشق البطانية الى نصفين قائلا لابيه سآخذ النصف الى ابيك واحتفظ بالنصف الثاني لاعطيها لك عندما تكبر وتشيخ وتهرم وتأتي الى داري طلبا للدفء والامان ، وقد وعى ذلك الرجل الدرس فخرج الى ابيه حافيا وأتى به الى الدار فاطعمه وسقاه ودفاه واكرم مثواه .
وقد لا يكتفي الابناء بتربية اباءهم بل ويعاقبونهم بشتى العقوبات المنصوص عليها في ( قانون العقوبات البغدادي ) وهل هناك عقاب ووجع اكثر من ان يأتي الولد في نهاية العام الدراسي ببشارة الرسوب ، وهل هنالك وجع اوقع على القلب من ان يجد الاب في حقيبة ابنه علبة سجاير او كمية من المخدرات مثلا ، واذكر عندما كنت صغيرا كنا نذهب الى دار جدتي في كربلاء ويقابلها دار للعجزة كنت اتسلل اليها لاجد المسنين كيف عوقبوا من قبل ابنائهم وتركوهم يموتون حزنا وكمدا في دور العجزة ، وهذا امر يحدث في كل مكان حتى في دول الخليج واوربا .
ويحدثنا القران عن محاولة سيدنا ابراهيم عليه السلام لتوجيه ابيه ونهيه عن الشرك ،كما يذكرني ذلك باخوين هادئين طيبين مؤدبين اعطيا ابويهما المتشاكسين دائما درسا بل دروسا في المحبة والهدوء والايثار ، وكنا نسمع صوت الابوين بصورة يومية وهما يتشاجران ويتبادلان السباب والشتائم وكسر الصحون والمواعين.
أقول قولي هذا ولا يسعني ان احصر جميع دروس التربية التي يقدمها الابناء للاباء لانها كثيرة وتختلف في الطريقة من دولة الى اخرى باختلاف الثقافات والاديان والعادات ، وانا شخصيا عندي طفل في الخامسة من عمره يوجهني دائما ويقول لي افعل كذا ولا تفعل كذا وكيف تنهانا عن امر وتاتي بمثله فذلك عار عليك عظيم ، فاجد نفسي بلا اختيار احتضنه فاضمه واشمه واشبعه لثما وتقبيلا ، فيشعر هو بالدفء والامان ، واقول في سري : وما يدريك ما سيكون عليه هذا الحمل الوديع غدا ، وهو ان لم يتحول الى عدو لدود ( اريد حياته ويريد قتلي ) كما قال الامام علي عليه السلام فانه سيهجرني لا محالة الى امراة ينكحها ودنيا يصيبها ويتركني حسب سنة الحياة أكابد الشيخوخة وحدي ، يارب احفظه ووفقه مهما كان
https://telegram.me/buratha