صباح محسن
المشكلات الكبيرة تحتاج الى معالجات بحجمها، إذ أن الأساليب المتسمة بقصر النظر وفي مقدمتها أساليب التهدئة وتطييب الخواطر وتبويس اللحى، ليست أساليب للمعالجة قطعا، بل أنها يمكن أن تؤدي الى تفاقم المشكلات وتصعيدها، وربما ستتناسل عنها مشكلات أخرى بحكم العوامل الموضوعية المرتبطة بأستحقاقات الزمن، ويصدق هذا التوصيف ليس على المشكلات السياسي فحسب، بل أيضا على المشكلات الأقتصادية والأجتماعية، وما يرتبط بها من تفرعات، ولكنه يكون أكثر وضوحا في المشكلات السياسية، لأن المعالجات الجذرية ممكنة دائما، أذا ما توفرت الأرادات القادرة على مسك زمام الأمور من جهة، والتي تمتلك المفاتيح من جهة أخرى، وتمتلك قابلية التأثير من جهة ثالثة، وتكون مقبولة وطنيا ومجتمعيا من جهة رابعة...أسوق هذه المقدمة وأنا وسواي من المتابعين المشغولين بالهم الوطني نرقب الحراك الدائب لسماحة السيد عمار الحكيم وما يتمخض عنه هذا الحراك، وكي نضع الأمور في نصابها نقول أن سماحته ما كل عن تكرار الدعوة الى المؤتمر الوطني والى الحوار والى المائدة المستديرة، وبدت الصورة في بعض الأوقات وكأن التكرار غير مرحب به من ساسة عديدين، وأن أطرافا سياسية لا نود ذكرها ، لكنها معروفة لكل ذي لب وقفت موقفا سلبيا من هذه الدعوات، لأعتقادها بأن سماحته و التيار الذي يقوده سيجني ثمارا مهمة فيما لو جرى تنفيذ المقترح، والحقيقة أن هذا الأعتقاد المنطلق من أمراض سياسية مستعصية أعتقاد مخطوء تماما، لأنه منطلق من ذوات مريضة أولا، ولأنه لا يعرف حجم الأيمان بأستحقاقات الوطن والوطنية الذي يحمله هذا التيار المجرب وطنيا، ولو عادوا الى الخلف قليلا، الى حيث التضحيات الجسام التي قدمها هذا التيار المجاهد، لفهموا أن هذه الدعوات ما صدرت إلا عن عقيدة راسخة قوامها الأصلاح، وهي عقيدة مستمدة من ذلك الإمام الهمام الذي خرج قبل 1400 عام للإصلاح في أمة جده، وأن الإصلاح ليس عملا مرحليا، ولا أسلوب تهدئة وجبر خواطر وتطييب أنفس، أنه عمل جذري يحتاج الى مقومات عدية لا يمتلكها إلا من يؤمن بالإصلاح كعقيدة.. وأول تلك المقومات تنحية كل المحددات والمعرقلات التي تعيق التواصل، وفي مقاربتي هذه أرى أن سماحة السيد عمار الحكيم قد نحى وربما الى الأبد بحراكه الأخير المحددات والمعرقىت الطائفية والمذهبية، وأن مشاركته في الأحتفال المركزي الكبير الذي أعتاد البغداديين أقامته في أعظمية أبي حنيفة النعمان، قد نحت المحدد الذي كان يتصور أن "أهل السنة الكرام" هم فقط المعنيين بالأمر، وأنهم فقط من يحتفلون بمولد رسولنا الأكرم صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله، سيما وأن في الذاكرة أن أبي حنيفة "رض"، قد سجن وعذب في حب حب آل رسول الله، كما أنها أعطت أشارة واضحة الى الجميع أن حقبة مؤلمة قد تم دفنها ودفن آثارها الى الأبد.. وتتأكد قوة التنحية التي قام بها سماحته أذا أستذكرنا حجم وصلادة الجدران الكونكريتية التي أحاطت بالأعظمية وسواها من أحياء بغداد في فترة العنف الطائفي والى وقت قريب.أما زيارته الى الموصل والتي سبقتها زيارات وأستقبالات لشخصيات من أبناء السنة الكرام، فأنها تأتي في هذا السياق وتعززه، وعلى حد وصف أحد الخبراء السياسيين، فإن أساليب المعالجات السابقة للمشكلات التي عصفت بالعراق عقب الشد الطائفي لسنوات 2006 ، 2007 ، وما تلاها من تأثيرات، كانت أساليب توفيقية غير جذرية، وأننا أذا كنا بحاجة الى مصالحة وطنية حقيقية، لإإنها تبدأ من هنا من عمل يقوم به قائد وطني بحجم السيد عمار الحكيم، لا بأنفاق الأموال على ممارسات مستنسخة مما كان يقوم به نظام صدام بأستمالة هذا الطرف أو ذاك، على حساب ذاك الطرف أو هذا..إننا كمتابعين قد مللنا الأساليب السقيمة التي سلكها ساسة لا يتوفرون على ثقل معنوي، أو خلفية وطنية مؤكدة ولا على خبرة يعتد بها، ونتطلع الى نتائج على الأرض سيتمخض عنه حراك السيد الحكيم، كما نأمل من الساسة التجاوب معه وعدم العمل على عرقلته وأحباطه تحقيا لمصالحهم الضيقة....
https://telegram.me/buratha