عادل الجبوري
في السياسة القطرية هناك مفارقات "فاضحة"، عبّر عنها بوضوح سياسي عراقي زار الدوحة لمرة واحدة قبل عامين، حيث التقى رئيس الوزراء وولي العهد القطري... ما قاله السياسي العراقي في جلسة مصغرة جمعته مع ستة سياسيين آخرين "إن القطريين قدّموا لي ـ او لنا نحن العراقيين ـ جملة نصائح منها: عليكم ان تسعوا الى تحرير بلادكم وإنهاء الوجود الأجنبي فيه، وعليكم التصدي لسياسات التآمر والإقصاء والتهميش فيما بينكم، وعليكم أن ترفضوا بشكل قاطع التدخل في شؤونكم الداخلية من قبل أي طرف وتحت أية مبررات".
النصائح القطرية للعراقيين، وهي ذاتها التي يتم تسويقها للآخرين، كل واحدة منها تنطوي على مفارقة او مفارقات عديدة. والمفارقات من الطبيعي جداً ان تحمل بين طياتها تناقضات وعقداً وأزمات وإشكاليات.
المفارقة الكبرى التي تستوعب ضمن إطارها حزمة من المفارقات، تتمثل في أن قطر، الدولة الخليجية ذات المليون نسمة، تسعى منذ بضعة أعوام كي تكون دولة "عظمى" حالها أشبه بحال شخص نحيف وهزيل لكنه يرتدي معطفاً كبيراً جداً حتى يبدو لمن يراه كأنه طويل وعريض.
والدولة التي تسعى الى ان تكون "عظمى" هي عبارة عن غاز طبيعي يأتي لها بالاموال الطائلة التي تمكّنها من شراء اي شيء، بدءاً من الرياضيين والصحافيين والخبراء والاكاديميين، وصولاً إلى حق تنظيم اكبر بطولة عالمية بكرة القدم "المونديال".
وعبارة عن قناة فضائية "الجزيرة" مهمتها فتح الجبهات، وتصفية الحسابات مع الآخرين، وقلب وتزييف الحقائق لإرضاء نزوات ورغبات أصحاب السلطة والقرار هناك. وهي ـ أي قطر ـ عبارة عن قاعدة عسكرية أميركية "السيلية" تنطلق منها الحملات ضد كل من تقرر واشنطن شن الحرب عليه، في ذات الوقت الذي توفر الحماية لحكام الدوحة وتبعث في نفوسهم السكينة والطمأنينة. اذاً قطر تساوي غازاً وقناة وقاعدة!، وتريد ان تكون دولة "عظمى" في المنطقة على أقل تقدير.
أية مفارقة أكثر من هذه؟
وبينما يوجد آلاف الجنود الاميركيين في "السيلية" و"العيديد" ، ومن هناك انطلقت طلائع الجيوش الأميركية لتحتل العراق، لم تدع الدوحة مناسبة وإلا ودعت فيها العراقيين الى مواجهة الاحتلال وإنهائه.
وبينما تدعم الدوحة جماعات ارهابية مسلحة وتغدق عليها من بركات الغاز الطببيعي لتقتل وتذبح وتفجر في العراق، وبالتالي تزهق الأرواح وتسفك الدماء وتخرب الممتلكات، تدعو العراقيين الى التكاتف والتآزر والتعاون وعدم السماح للآخرين بالتدخل في شؤونهم الداخلية.
وبينما تدعي رفضها منطق المؤامرات والإقصاء والتهميش من قبل أي طرف ضد الطرف الآخر، تنسى أن اميرها الحالي تآمر على أبيه قبل أكثر من عقد من الزمن، مستغلاً سفره الى خارج البلاد ليقصيه عن الحكم وينصب نفسه بدلاً عنه.
وبينما تدعي أنها تدعم الديمقراطية وحقوق الإنسان ومطالب الشعوب، نراها تتعامل مع سوريا بمنطق مختلف تماماً عن تعاملها مع البحرين.
وفي النهاية قررت ان تكون وسيط "خير" بين واشنطن وتنظيم القاعدة، وراحت تعمل على جمع الأخوة الأعداء حول طاولة واحدة!.
وبقدر ما توجد الكثير من الخطوط الخضر لقناة "الجزيرة" وأجندات التصعيد والتأزيم، فإن الخطوط الحمر ربما كانت أكثر من الخضر، ولعل "اسرائيل" واحداً من تلك الخطوط، ويقال إن الرئيس الاسرائيلي الحالي شيمون بيريز قال مازحاً حين زار مقر "الجزيرة" قبل عدة أعوام "هؤلاء هم أصدقاؤنا الذين يهاجموننا قليلاً في بعض الأحيان"!.
قطر تساوي الغاز وقناة وقاعدة!... معادلة تبدو متماسكة ورصينة وكل عنصر من عناصر الطرف الثاني منها يكمل الآخر لتجعل من الطرف الأول وكأنه دولة "عظمى"، ولكن لمن يتأمل في تلك المعادلة ويتمعن فيها ويقرأها بموضوعية يجد أنها معادلة هشة وقلقة الى حد بعيد... وكيف لا تكون كذلك وكلها تناقضات ومفارقات؟
https://telegram.me/buratha