سماحة السيد حسين الصدر
العامل الأخلاقي وتأثيراته الاجتماعيةالناس حِسْيّون ، يتأثرون بما يرونه بأعينهم أكثر مما يتصورونه بأذهانهم ....إنّهم بحاجة الى نماذج رفيعة، تعيش بين أظْهرهم ،وقد ترجمت المُثل والقيم الى كيان ماثل ، يمشي على قدمين .انّ كل واحد من هؤلاء ،يصبح قُدوةً تُحتذى ،والقدوه انسان وليس مَلَكاً انسان له شهواتهُ ورغباتهُ ، وله حالاته من الرضا والغضب، والاقبال والإدبار ،والحب والبغض ،والسلب والايجاب ....ومع كل تلك الانفعالات النفسية ، بأمواجها المتلاطمة ، وحركتها المتعاظمه ، يبقى ممسكاً بدفة السيطرة على نفسه ، مبعداً لها عن الانحدار الى هاويه الاسفاف أو الرذيله ....وأبرز الأمثلة الانسانية الناصعة في هذا المضمار،هم الانبياء والرسل والأوصياء ،فقد سئلت عائشة عن خلق الرسول (ص) فقالت :كان خُلُقُه القرآن ومعنى ذلك أنه (ص) كان قد جَسَّدَ في سيرته قيم القرآن ومفاهيمه ،وكان لابد ان يكون لكّل منّا أسوة به، ولكننا تخلّفنا عن نهجه ،وابتعدنا عن رحابه ،وتشتت بنا الطرق ..!!يارسول الله يامَنْ جَئْتَ للعالم رحــمهْأمةٌ رَبَيْتَها أنْتَ فكانتْ خيرَ أُمّـــــــةْتركتْ قرآنها فاجتاحها ظُلمٌ وظُلمهْوأماثل الرجال عبر التاريخ هم اولئك المقتسبون من أنواره ، والمستضيئون بهداه .انّ الاخلاق هي الجذر الحقيقي لعظمة الشخصية الانسانية ومتى ما توفرت على التمسك بأهدابها ،كان لها موقعها المتميّز من قلوب الناس ، ولاشك أنها تحظى منهم بالاجلال والاكبار، وتتقدم بخطى ثابته في مضمار الزعامة الاجتماعيه .وفي كتب الأدب والتاريخ والتراث حكايات كثيرة ،ومشاهد رائعه، يمكن ان تكون مصدر إثراء حقيقي ،لكل المتطلعين الى حاضر مشرق ، ومستقبل واعد ، في حياتهم الاجتماعيه والسياسية .ولعلّ من المفيد ان ننقل هنا الحوار المهم الذي دار بين أسماء بن خارجه - وهو شخصيه لامعة من التابعين ،الذين سادوا الناس بمكارم الأخلاق ، توفي في سنة 66 هجرية - وبين عبد الملك بن مروان ، الذي أمطره بوابل من الأسئله حين التقاه :قال له عبد الملك :بِمَ سدت الناس ؟ فقال :هو من غيري أحسن لقد حاول ( أسماء ) التخلص من الحديث عن نفسه وصفاته ، وأوكل الأمر الى غيره ، في موقف عقلاني اخلاقي متين فقال له عبد الملك :بلغني عنك خصال شريفة ، وانا أعزم عليك الاّ ذَكَرْتَ بعضها ، فقال :أمّا اذا عزمتَ عليّ فنعم وهكذا وجد نفسه مُطالَباً بتسليط الأضواء على صفاته ، ولم يبق له من سبيل آخر والمهم ان حديثه عن نفسه لم يكن أبتداءً ، ولم يكن تبجحاً وتفاخراً ،كما هو شأن المولعين بذواتهم ..!!فقال أسماء :( ما سألني احدٌ حاجةً الاّ ورأيتُ له الفضل عليّ ) انظر الى عميق انسانيته ، فهو لا يكتفي بقضاء الحاجة لصاحبها ، وانما يعتبره صاحب الفضل عليه وهذه هي الانسانيه في الصميم .ان معظم الناس اليوم - وفي طليعتهم المسؤولون- يهربون من مقابلة ذوي الحاجات، واذا ما قضوْا لهم حاجة ، فانهم يعتبرون أنفسهم ينابيع الألطاف وفرسان الاخلاق والانصاف !!ويستمر أسماء قائلاً :" ولا دعوتُ أحداً الى طعام الاّ ورأيتُ له المِنّه عليّ "وهذا هو الكرم بعينه .....ويضيف أسماء قائلاً :" ولا جلس اليّ رجلٌ الاّ ورأيتُ له الفضل عليّ"وهذا من صفاء نفسه ونبله " ولا تقدّمتُ جليساً بركبةٍ قطّ "وهذا من أدبه الحجمّ ومراعاته للياقات الاجتماعية ويقول أيضاً " ولا قصدني قاصد في حاجة الاّ وبالغتُ في قضائها "وهذه العودة الى ذكر قضاء الحاجات ،انما هي أشارة الى أهمية العناية بأصحاب الحاجات ،واحتضانهم ، والتفاعل مع آلامهم ، والتصدي لحلّ ما يعانونه من أزمات وهذا هو معنى النبل ، كما هو معنى الاغاثه ، والتكافل الاجتماعي ، وهذه من أعظم ملامح الخلق الانساني الكريم ويستمر أسماء في القول :" ولا شتمتُ أحداً قط :لأنه انما يشتمني أحد رجلين :إمّا كريم ، فكانت منه هفوة ، فأنا أحق بغفرها وإما لئيم فأصون عرضي عنه "فقال له عبد الملك :حُقّ لك ان تكون سّيدا أقول : ان عبد الملك على طغيانه وجبروته ، قد أقرّ لاسماء بن خارجه باستحقاق السيادة فكيف لا يقر له الآخرون ؟ !!ان الانفتاح على الناس ، والتعاطي الانساني معهم ، في قضاياهم وحاجاتهم ، من موقع النبل والمحبه والاحترام والاكرام ، لن تذهب آثاره سدى ، ولن تضيع ، لا في الدنيا ولا في الأخرة :أما في الدنيا فالمكانة المتميزه المرموقه لاتكون الاّ لذوي مكارم الأخلاق وأما في الأخره فهي الدرجات الرفيعه في جنات الخلد .
https://telegram.me/buratha