السيد حسين الصدر
من (الواثقي) الى (نزهان)حين نتطلب أفضل النتائج ، من العاملين في مختلف الحقول ، لايمكن ان نتهاون في شرط موضوعيّ لا غنىً عنه .....فما هو هذا الشرط ؟انه المهنيّه ، التي تؤهل صاحبها لأدراك النجاح في مهماته ، من موقع الاحاطه بكلّ الاسرار ودقائق ما يقتضيه الانجاز السليم للعمل .ان مؤسسات الدولة ليست جمعيات خيريه لايهمها الاّ اسداء الخدمة والمعونه لمن يقصدها ، طلباً لمرضاة الله ومثوباته ، بغض النظر عن مؤهلاته ولياقاته .....وعلى هذا فان التعويل على الخبراء ، والفنيين الأكفاء ، هو أول ما يلزمنا رعايته ،في توزيع المهام والمناصب ، وإنهاء الاختلالات الوظيفيه التي نشهدها هنا وهناك في مختلف المرافق العامة .واذا كنّا اليوم ، وفي الألفيه الثالثه ، قد وصلنا الى مراحل مُتَقدمة من التطور العلمي والتكنلوجي ، فان أجيالاً عديدة سبقتنا لم تكن تعرفها أصلاً، ومع ذلك فقد سجل التاريخ لها نجاحات ملحوظه .ان الحفاظ على أرواح الناس وأموالهم وأعراضهم هو في طليعة الاولويات التي تناط بالأجهزة الأمنية .ولن تذوق المجتمعات طعم الاستقرار ، ما لم يتم تأمين تلك الحاجات الضرورية ، التي هي كالخبز اليومي لكل فرد من أفرادها ،ولكل عائلة من عوائلها .....من هنا ندرك فداحة خطأ ( الاحتلال ) ، في حلّ الجيش ، والأجهزة الأمنية العراقية ، الأمر الذي أوقع البلاد في أزمة صعبة ، ما زالت حتى اليوم تئن من أوجاعها ومضاعفاتها ....وبصراحة فان كثيراً من التعيينات في هذا المضمار ، تمّت بعيداً عن الالتزام بقواعد ( المهنيه ) ،فأسهمت بشكل أو آخر في إطالة أمد الأزمة الأمنيه وكلّ ذلك يدفع ثمنه المواطنون العراقيون ، الذي تراكمت عليهم الازمات والمشكلات ...ويحسن بنا ان ننقل هنا قصة مثيرة وقعت قبل قرون عديده وقعت تحديداً في القرن الثالث الهجري ، يوم لم تكن الأجهزة الأمنية تملك شيئاً من المعدّات المعروفة في أكتشاف الجرائم .ولكنها كانت تملك رجالاً من ذوي الذكاء والنباهة ، والقدرة على الاستنتاج، المُوصل الى الحقيقة .جاء في ترجمة الواثقي احمد بن محمد بن يحيى ، صاحب الشرطه ببغداد ، أيام المكتفي بالله ، ان اللصوص عاثوا بالبلد فساداً ، (فاجتمع التجار وتظلموا الى المكتفي ) ...وهنا اتخذ المكتفي قراراً (ثورياً) مؤداه :ان الواثقي - مدير شرطته - ملزم بأحد أمرين :إما إحضار اللصوص أو غرامة المال فقامت قيامة الواثقي ( وكان يركب بنفسه ، ويختفي ويطوف ،أنصاف النهار وأنصاف الليل مع نفر من رجاله ) وأجتاز يوماً في زقاق خالٍ ،في بعض أطراف بغداد ،فدخله ورأى على بعض أبواب الدور ( قشور سمكة كبيرة قدّر ان يكون وزنها (120) رطلاً، فقال لمن بين يديه :ألا ترون الى هذه السمكة ، كم يكون ثمنها ؟فقالوا :دينار قال :أهل هذه الزقاق ضعفاء لا يقدرون على شراء سمكة بدينار وهذه قضيه لا بُدَّ من كشفها .....أطلبوا لي أمرأة من الدرب وبحجة العطش ، طلب الماء منها ( فلم يزالوا يطلبون منها شربة بعد شربة ، وهو يفحص عن دار دار وهي تخبره ) الى ان قال لها :فهذه الدار مَنْ يسكنها ؟فقالت :( لا والله ما أدري ،غير أنّ فيها خمسة شباب أغمار .. نزلوا هنا منذ شهر، لانراهم يخرجون نهاراً ، الاّ في كل مدة طويله ، وهم مجتمعون يأكلون ويشربون ....ولهم صبي يلعب معهم ويخدمهم ، واذا كان الليل انصرفوا الى دار لهم في الكرخ .....ولا يبيتون .... ويدعون الصبي في الدار يحفظها .فأذا كان السحر جاءوا ونحن نائمون ....!!!قال الواثقي لرجاله :دعوني على الباب ، وانتشروا حول الدار،ثم أستدعى مجموعة اخرى من رجاله فصعدوا الى سطوح الجيران .ودّق هو الباب فخرج الصبي ، ودخل الرجال الدار فما فاتهم من القوم أحد وحملهم الى مجلس الشرطة ،وقررهم فوجدهم أصحاب الجناية فاسترجع منهم أكثر ما كانوا أخذوه ودلوه على بقية اصحابهم فتتبعهم ...ونحن قد لخصّنا وقائع القصة ، ولم نلتزم حرفياً بالأقوال والكلمات الواردة فيها انّ الفطنه ،ودقة الملاحظه ، مطلوبة في أمثال هذه المواطن ، ومن هنا أمسك الواثقي برأس الخيط ، وقبل ذلك ، فان الاخلاص والتفاني في العمل سر النجاح ، وهذا ما دعاه الى ان يصل الليل بالنهار وهو يبحث عن الجناة ثم ان تعاون المواطنين مع الاجهزة الأمنيه كثيراً ما يعود بالمردودات الايجابية ، كما وقع للمرأة مع الواثقي ، وهكذا يجب ان يتعاون المواطنون اليوم مع الاجهزة الأمنيه وهي تلاحق المجرمين العاتين ويقفز أسم الشهيد ( نزهان الجبوري ) هنا ليذكّرنا بانّ للعراق أبناءه الابطال ، الذين لاتخلو منهم الساحة ، عبر امتدادات الزمان .بهم ترفع الرؤوس ومنهم تأخذ الدروس واذا كان ( الواثقي ) مليئاً قادراً على تعويض التجار الذين سُرقوا من ماله، فان (نزهان الجبوري) لم يكن قد دُفع له ما يستحق من رواتب ، على مدى عدة شهور ..!!!ومع ذلك افتدى اخوته من المواطنين العراقيين - من الزوار المتجهين الى كربلاء - بنفسه فهو أعظم شأناً ، وأعلى كعباً من الواثقي .
https://telegram.me/buratha