حافظ آل بشارة
لا يفكر العراقيون باعادة بناء علاقاتهم الدولية على اسس صحيحة الا عندما تحدث مشكلة مع دولة ثانية ، التوتر الأخير مع تركيا بسبب تصريحات اوردغان جعل اكثر من صوت ينادي باصلاح علاقات العراق بمحيطه العالمي والاقليمي ، يكررون هذه الدعوة العقيمة كلما حدثت مشكلة مع دولة جارة او دولة بعيدة . كل المشاكل التي تحدث بين العراق وجيرانه لحد الآن لا تحل جذريا بل يتم تهدئتها ، فالعراق مثل من يواجه امراضا خطيرة بالمسكنات . تدهور العلاقات الاقليمية يعود الى عاملين ، اولهما خارجي يتعلق بتلك الدول ، وثانيهما داخلي يتعلق بالعراق نفسه ، خارجيا العراق محاط بدول اغلبها ينتمي في نظام حكمه الى النموذج الفردي او الملكي ذي الغطاء الديمقراطي الفاقد للمرونة الاسير لثقافة التنازع ، ولنظام صدام مشاكل مع الجميع ، كل نظام فردي يكون عادة متوترا وخائفا وعدوانيا تجاه شعبه وتجاه الدول الأخرى لانه يشعر دائما بأنه مطلوب الرأس ، خاصة عندما يكون الحاكم عميلا لدولة كبرى ويمثل مصالحها وتوازناتها ، لذا لا يمكن للدول الاستبدادية او العميلة ان تبني علاقات دولية ايجابية ، فكل بلد يخاف جاره ، ثم ان دول الشرق الاوسط مازالت تعيش تحولات ولم تتبلور بعد جغرافيتها السياسية ، فالحدود بين دول هذه المنطقة صنعها المستعمرون فهي حدود هشة وواهنة وليست ذات مصداقية ومن السهل اثارة مشكلة حدودية بين اي بلدين فتقود الى حرب ، هذا الواقع يمنع الانفتاح الاقليمي وتأسيس مشاريع تبادل وتعاون وتكامل ، كل حاكم في المنطقة يخشى ان يتعرف شعبه على تجربة الدولة المجاورة ، لذا تجد شعوب دول متجاورة لا يعرفون شيئا عن بعضهم ، يجب ان تتغير الانظمة القائمة ، وتتغير ثقافتها ، فتتكون دول ديمقراطية هي دول الشعوب وتزول دول الحكام ، الشعوب بطبيعتها تتعارف وتتعاون بلا عقد او مخاوف . أما العوامل الداخلية التي تمنع تكوين علاقات دولية سليمة فهي فقدان الاستقرار في البلد بسبب الصراعات السياسية ، واستمرار التقاطع بين الشركاء وتراكمه الى المستوى الذي يجعل الحزب المحلي يتحالف مع دولة أجنبية من أجل مواجهة الخصم الوطني ، فيقابله خصمه الخائف باللجود الى طرف اجنبي آخر للاحتماء به ، فهناك استعداد للاطراف الوطنية لقبول التبعية والعمالة واستعداد لدى الدول المجاورة لقبول التدخل ، هذه الطريقة في التخندق غير المشروع لا تحسم الصراع سلبا او ايجابا بل تسبب توسيع رقعته وتحويله من صراع وطني داخلي الى صراع بين دولتين او اكثر ، ثم ارتكاب الخيانة العظمى بالعمل لدولة أخرى خلافا لمواثيق الاستقلال ، ثم فقدان المصداقية والاحترام في الاقليم والعالم بسبب التبعية للغير ، ثم تشجيع استمرار النمط السيء في العلاقات بين الدول وبين الاحزاب داخل البلد الواحد . البلد الذي يريد اقامة علاقات دولية سليمة تخدم مصالحه فلا بد له من نظام سياسي متماسك داخليا ، وشخصية موحدة في المحافل الدولية يخشاها الاشرار ويثق بها الأخيار .
https://telegram.me/buratha