( بقلم : اسعد راشد )
لقد تابع المراقبون والساسة وشعوب العالم باهتمام خطاب السنوي للسيد بوش رئيس الولايات المتحدة الامريكية امام الكونغرس الامريكي الا ان الكثيرين تفاجئوا بعملية الخلط التي جاءت فيه عندما شبّه تنظيم القاعدة الارهابي والمتطرفين السنة بالشيعة واختزل التطرف السني في فقط فئة ضالة مجرمة اشتهرت بشراسة ارهابها وهمجية افعالها وتناسى ان ثقافة القتل والتطرف منشأها الدول والانظمة السنية العربية والاسلامية التي تخّرج من مدارسها ومازال يتخرج افواج من القتلة والمتطرفين وشيوخ الافتاء ‘ هذا الاختزال وهذا التسطيح في خطاب السيد بوش يثير الاشمئزاز ويبعث على الاستغراب كون ان التطرف لم يكن ظاهرة شيعية ولم تكن ويكفيه ان يعرف ان من قام باكبر عملية اجرامية وارهابية في امريكا هم اؤلئك الذين تخرجوا من المدارس الدينية الرسمية لدول تربطها بعلاقات حميمة مع واشنطن ولمواطنيها كان ومازال دورا مهما في تهديد السلم العالمي وخطرهم اكبر مما يتصوره السيد بوش وخطابه الاختزالي ‘ فهل يجهل السيد بوش ان اكثر من 22 دولة عربية سنية تعج فيها اوكار الارهاب والتطرف ويصدر علماءها فتاوي القتل والابادة الجماعية بحق الملايين من البشر وخاصة ضد المسلمين الشيعة والنصارى واليهود فيما نظير تلك الفتاوي لن تجد لها مكان ليس فقط في المجتمعات الشيعية بل حتى في الفكر الشيعي المعروف بالانفتاح والاعتدال والحرص الشديد على الدماء .
المقارنة والتشبيه بين التطرف السني الذي اختزله السيد بوش في تنظيم القاعدة وبين الشيعة تفتقد المصداقية على الارض فهي بحاجة الى توثيق وليس فقط قراءات لفظية املائية لا تعكس حقيقة الاشياء بل انها ترضية لدول معينة هي راعية للتطرف والارهاب وحاضنة لمدارس تخرج اجيال من المتطرفين والقتلة ‘ فهل قرأ السيد بوش الفتوى الجديدة "الطازجة" للشيخ النازي عبدالله ابن جبرين بتاريخ 21/1/2007 وهو من كبار هيئة العلماء والافتاء التي تدعمها الدولة السعودية تلك الفتوى التي وصف فيها المئات الملايين من الشيعة "بالمشركين" حالهم حال "النصارى واليهود" ـ كما جاء في بيانه ـ اوجب على اتباعه مقاطعتهم وابعادهم وطردهم التزمت الحكومة السعودية الصمت المؤيد لها ولم تتخذ اي اجراء بحق صاحبها خاصة وان الفتوى فيها تحريض صريح وواضح على القتل والابادة الجماعية .
الم يعلم السيد بوش ان الفتوى المذكورة تعني ان اكثر من 3 مليون مواطن شيعي في مملكة ال سعود قد هدرت دماءهم وان الحكومة السعودية لم تتخذ اي اجراء لحماية مواطنيها من خلال ردع ذلك المعتوه الضال الذي لم يتورع حتى في دماء اؤلئك الملايين من مواطنيه بل ولم يرجف له جفن فهو لا يختلف في طبعه وفكره ومنهجه عن النازيين والعنصريين !
كيف يسمح لنفسه السيد بوش ان يمارس مثل هذه المقارنة الظالمة بين الجلاد والضحية بين المظلوم والظالم فاذا كانت حجة الرئيس الامريكي ما لحق بجنده في لبنان قبل اكثر من 25 سنة على ايدي افراد من الشيعة فتلك الحجة باطلة لا تستدعي مثل هذه المقارنة لكون ان المستهدفون كانوا عسكريين و ليسوا من المدنيين بل هم ضمن قوات نظامية بغض النظر حول الاشكالات التي تثار حول صحة ما حدث او خطأها الا ان الامر بكل المعايير كان فعلا عسكريا وضد رجال عسكريين والحال ان المتطرفين والارهابيين الذين شنوا "غزوة منهاتن" ـ مفردة سلفية متداولة في الوسط السني ـ في 11 سبتمبر قد استهدفوا فقط المدنيين واعتدوا على سيادة بلد مستقل تفصله عنهم الاف الكيلوميترات مستندين في ما ارتكبوه من اجرام وارهاب الى فتاوي شبيهة بفتاوي هذا الشيخ الضال ‘ ونحن نتحدى السيد بوش ان اتى بفتوى واحدة حديثا او قديما‘ شبيهة بتلك الفتاوي‘ صادرة من علماء الشيعة فيما فتاوي التكفير والتحريض على القتل والابادة الجماعية تزدهر وتعج بها اوساط كثيرة في المجتعات السنية وخاصة في الدولة السعودية ولم تكن فتوى ابن جبرين المعتوه الاولى من نوعها بل وقبلها وبالتحديد بتاريخ 3/1/2007 اصدر الشيخ البراك فتوى واضحة شبيهة بفتوى هذا لاخير بحق الملايين من الشيعة وكفّرهم صراحة وقبل ذلك بشهر اصدر اكثرمن 38 "شيخا وعالما" سعوديا ببيان اي"فتوى" تكفيرية ضد الملايين من شيعة العراق حرضوا فيها اتباعهم على الذهاب الى العراق لتأجيج العنف الطائفي الذي دشّنه سنة العراق وبتمويل عربي كبير قبل اكثر من 3 سنوات مارسوا خلالها ابشع الجرائم واقذرها بحق الشيعة ولم يسلم من ارهابهم حتى الاطفال الرضع والنساء والشيوخ واليوم وان قامت فئة قليلة من الشيعة بالرد على تلك الجرائم فهي مضطرة الى ذلك بعد ان عجزت قواتكم يا سيد بوش عن توفير الحماية والامن لهم وعوضا عن ذلك خضعت لتقييمات واملاءات وتقارير سفيركم الطائفي ولاراجيف وفبركات جبهة التوافق الارهابية ووشايتها المفترية ضد الشيعة وزعماءهم .
نحن نستغرب من السيد بوش ان يدشن خطابه بوضع الشيعة الضحايا في خانة واحدة مع الجلادين رغم علمه ان اكثر الذين يستهدفون قتلا وذبحا وتفجيرا بالمفخخات هم الشيعة وبدعم عربي وسعودي واضح لم يصدر لحد هذه الساعة بيان واحد من الدول العربية وحكامها يحظر على العرب السنة ومواطنيهم من التوجه الى العراق او تقديم دعم للارهابيين والقتلة في العراق وكان على السيد بوش القراءة العاقلة لتصريح السيد جلال الطالباني رئيس جمهورية العراق وتاكيده لعدة مرات بان اكثر ضحايا الارهاب في العراق هم من الشيعة اي 77% من مجموع عدد الضحايا الذين تساقطوا في العالم الماضي قبل ان يقوم بتلك المقارنة التي وصفها البعض بانها "سخيفة" .
فاذا كان السيد بوش منصفا في خطابه واتهامه وما قام به من مقارنة "سخيفة" لما حدد دولة واحدة التي في زعمه تدعم الارهاب واختزل الامر في ايران كون انها الدولة التي تتهمها ادارة واشنطن بدعم الارهاب و"المتطرفين الشيعة" بل كان عليه لو كان منصفا ان يشمل ذلك الدولة السعودية التي ترعى مدارس الارهاب وتحتضن اخطر الشخصيات المعروفة بالنازية والتي تبيح دماء الملايين من البشر وتجيز قتلهم رغم علمنا ان هذا الطراز من الشخصيات وذلك الخطاب التكفيري حصريا ماركة عربية سنية ولا وجود لها في المجتمعات الشيعية ولا في ايران التي تخوض واشنطن معها صراعا حول النفوذ في المنطقة بسبب الملف النووي الذي لاعلاقة له بمايسميه السيد بوش "التطرف الشيعي" ‘ فالخلاف الامريكي الايراني لا يستدعي لمثل هذا الانزلاق من قبل السيد بوش وارتكاب مثل هذا الخطأ والخلط في الاوراق بحيث يخدم اعداء السلام والديمقراطية في المنطقة والعالم ‘ اما ان يجامل الدولة السعودية وكذلك المصرية ويتحفظ عن ذكر دور تلك الدولتين في رعاية الارهاب ودعم المتطرفين والقتلة في العراق فهو مكافئة مجانية يقدمها الرئيس بوش لهما وللارهابيين الذين يقتلون يوميا جنود الامريكان في العراق ـ دعنا عن الضحايا الشيعة اليومية ـوتنشر قناة مثل الزوراء التابعة للارهابي العفن مشعان جبوري خطاب العنف والطائفية والارهاب و التي تبث من على القمر المصري وترفض الحكومة المصرية باغلاقها رغم معرفتها ان تلك القناة تحرض بشكل مفضوح على قتل الامريكيين وتدعوا الى ابادة الشيعة في العراق .
ان ما يجب ان يعرفه السيد بوش ان الشيعة هم لوحدهم اليوم يخوضون معركة الحسوم ضد الارهاب وهم لوحدهم ونيابة عن العالم اجمع يحاربون الارهاب ويدفعون الثمن الباهظ في الوقت الذي يقف كل حكام العرب موقف المتفرج او الداعم للارهاب الذي يسعى لافشال مشروع بوش واستراتيجيته كما ان الشيعة هم من رحبوا بمشروع دمقرطة المنطقة واستقبلوا بايجابية مبدأ بوش المتمثل في التغيير الديمقراطي في الشرق الاوسط في الوقت الذي رفضتها كل الدول العربية وحاربتها وجيشت جيوش الارهاب وساندتها لافشال ذلك المشروع واسقاط ذلك المبدأ وحتى الذين تظاهروا بتأييد او يحالون اليوم تأييد خطاب السيد بوش في الاوسط العربية السنية ليس من اجل ":سواد عين السيد بوش" بل طمعا في القفز مجددا على السلطة والعودة باوضاع العراق ومستجدات العالم وتغييراته بعد 11 سبتمبر الى ما كانت عليه قبل ذلك الحدث الارهابي .
ان خطاب السيد بوش الذي ارارد له ان يكون "متوازنا" بحيث يقسّم بالتساوي "التهم" على الطرفين سوف تكون له انعكاسات سلبية على خطته الامنية واستراتيجيته التي تواجه الفشل اليوم بفعل مفخخات العرب واستمرارها في ضرب بغداد بكل شراسة وليس بفعل ما يسميه "المتطرفين الشيعة" وتشبيههم بتنظيم القاعدة الاجرامي الارهابي وما لم يتدارك السيد بوش الامر ويتراجع عن خطابه ذلك فان نجاح خطته سوف تكون على المحك لانه سوف يخسر القاعدة الامامية التي تحارب الارهاب نيابة عن العالم ولم يجد الا البديل الذي سوف يعيد له امجاد "الغزوات" العربية الوحشية في منهاتن ولندن ومدريد والعراق الجريح الدامي!
اسعد راشد
https://telegram.me/buratha