( بقلم : هلال آل فخرالدين )
نخطىء كثيرا في حق احداث ومواقف اسلامية مفصلية عظيمة في حياة الامة ومسار الرسالة حينما نختزلها في مناسبات احتفالية تقليدية نكرر فيها مااعتدناه من مكرور كلام طقوسي او اشترار ابيات من الشعر الرثائي او الحماسي وتقديم الطعام فقط ..ذلك ان تلك المناسبات والاحداث والمواقف هي اسمى واجل وارفع لكونها منائر هدى و محطات شامخة فارقة في مسيرة الاسلام وديمومية بقائه نقيا فاعلا متجددا وامتداد تاثيرها على مستوى الازمان و في كل مكان لتحرير البشرية من العبودية واقامة العدالة الانسانية واحقاق الحقوق لكافة الامم ونشرمباديء السلام وقيم الاخلاق ومفاهيم التسامح والمحبة في كل ارجاء العالم ..لذلك يتحتم على المسلمين كافة وبالخصوص اتباع اهل البيت (ع) من استقراء تلك المناسبات والاحداث والمواقف واستنطاقها لبيان دلالاتها الكبرى واسترشاف معانيها السامية وحججها البالغة ومراميها العميقة واهدافها الجليلة لاستخلاص الدروس والعبر والحكم منها .. في تبنيها لقرارات الشرعية الالهية وهدى السنة النبوية الشريفة وياتي في مقدمتها ذكرى فاجعة عاشوراء وشهادة سيد الشهداء الامام الحسين (ع) واهل البيت (ع) واصحابه الكرام رضوان الله عليهمان نهضة الامام الحسين لم تكن نهضة بشرية في المقام الاول على رغم امامة الحسين وانه سيد شباب اهل الجنة وسبط المصطفى الامجد (ص) ..انها نهضة الهية ربانية الاعداد والمنهج والتوقيت وحتى المكان حيث يجمع رواة الحديث على تواتر وصحة حديث هبوط الامين (جبرائيل) (ع) على النبي (ص) واخباره بنهضة الامام الحسين وشهادته (الزمان) بغياب جده وابيه وامه واخيه و(المكان )في ارض يقال لها (كربلاء ) وقد اتاه بحفنة من ترابها واخبره بتفاصيل مواقف الامام البطولية في مقارعة الطغاة واسرار نهضته الكبرى لاحياء الرسالة من الطمس والتحريف ..وشديد تأثر النبي لهذه الحادثة الكارثية وسماع زوجته ام سلمة بكاء النبي (ص) واستفسارها عن الاسباب فاخبرها بما سيجري على ريحانته وسبطه الحسين من امة السوء في قتله وقد ناولها قارورة فيها تراب ارض مصرعه ..
فقالت له يارسول الله هل سئلت الله ان يدفع عنه هذا الحال قال بلى سئلت ربي ذلك ولكن شاء الله ان يكون شهيد (الرسالة ) ولاينال تلك (المنزلة) الا بشهادته على تلك الحالة التي اختطها رب العزة له وجعل خلود الرسالة خلودا له (ع) وبعد ذلك البعد الالهي يوجد البعد النبوي الشريف من الحديث الصحيح المتواتر من قول المصطفى (ص)للحسين (ع) :( حسين مني وانا من حسين) صدق الرسول الكريم فهذا الحديث على الرغم من نفاسته فانه لم يحظى بسموا شرفه اي شخص اخر على الاطلاق غير سيد الشهداء الحسين (ع) فهذا الحديث الشريف له دلالات ومعاني عظيمة وخطيرة فهو يبين الترابط التام والامتزاج الكامل وحتى النفس والدم والقلب والوجدان الواحد بين الاثنين وعدم الانفصال او الانفصام بين الاثنين لتوحد الاهداف والمناهج والمسير والسلوك والغايات واستواء الطبائع ..وهذا الحديث يشير وبكل وضوح الى ان الامام الحسين سيتحمل عبىء مسئوليات الحفاظ على الرسالة من التشويه والتحريف التي اجهد الطغاة انفسهم وجندوا كل طاقاتهم في سبيل تدميرها وطمسها لولا ان يقيظ الباري سبحانه وتعالى الامام الحسين لانتشالها وبعثها الجديد كما تحمل من قبل جده المصطفى تبليغها فالحسين (ع) مجدد الرسالة وحاميها وناشرها ..فبثبات الحسين ثبتت وبدمائه اورقت وازهرت واينعت .. اذن فمحمد والحسين سيان وطهر واحد ووجهان لعملة واحدة..
وقد اشار الامام علي (ع) عند انصرافه من صفين الى ارض الطفوف ومصارع الصفوة البررة وانهم مقيمي الدين الحنيف وانهم افضل الناس طرا ..فعندما قال له حبيب بن مظاهر الاسدي متأسفا من عدم رزقه الشهادة بين يديه اسوة بعمار ابن ياسر فقال له الامام علي قولته المشهورة ستحصل على من الشهادة بين يديه افضل من الشهادة بين يدي واشار الى الامام الحسين .. ولما ارادوا منه البيعة ليزيد قال ابن الرسالة البار بكل شجاعة :(مثلي لايبايع مثله)..لان الحسين امتداد لكل الرسالات السماويه ..وارث ادم صفوة الله وارث نوح نبي الله وارث ابراهيم خليل الله وارث موسى كليم الله وارث عيسى روح الله وارث محمد حبيب الله وارث امير المؤمنين ولي الله ...الحسين صوت العدالة ..الحسين رمز الطهارة مثله يعني يزيد ..من ... يزيد الجاهلية الجهلاء بكل ارجاسها وطغيانها ..يزيد العدوان يزيد الفسق ..يزيد التخلف ..يزيد الظلم ..يزيد الشرالمطلق ..يزيد الارهاب المحض ذلك ان الحق المحض والباطل المحض لايجتمعا ابدا
وكذلك عندما صمم الحسين (ع)باعلان نهضته وخروجه من المدينة ذهب لوداع جده المصطفى (ص) فهومت عيناه فغفى في رحاب روضة قبر جده فشاهد جده فاخبره بتكالب قوى الشر وعدم تناهيهم عن الظلم ومسخ الشريعة فقال لجده خذني عندك وضمني اليك ..فقال هيهات هيهات !! ولدي حسين ان لك مقاما عظيما مذخورا عند الباري لاتناله الا باعلاء كلمة الله وجهاد اعدائه و...وهذا ما كان يشير اليه الحسين دائما ويدعوا له قائلا : اني لم اخرج اشرا ولا بطرا وانما خرجت لطلب الاصلاح في امة جدي رسول الله (ص) الاترون الى الباطل لايتناها عنه والى الحق لايعمل به .. وقوله (ع) شاء الله ان يراني قتيلا مخضبا بدمي ..شاء الله ان يراهن سبايا عندما سئله ابن عباس فما تصنع باخذ مخدرات ال محمد معك الى العراق ..اي انه امر رباني خط به القلم فلامناص منه كما خط الموت على ولد ادم مخط القلادة على جيد الفتاة كماعبر عذلك سيد الشهداء (ع) واجماع ائمة اهل البيت (ع) من القول: رحم الله من احيا امرنا ..واحياء امرهم يعنى احياء للقران احياء للسنة احياء للدين احياء للعدل احياء لكل قيم السماء احياء للامامة التي لم يسل في الاسلام سيف كما سل على الامامة كما يقول الشهرستاني في الفصل والبعد الاخر ما يؤكده احد قساوسة المسيحية في كتابه الحسين في الانجيل والفكر المسيحي من استشهاده بنصوص من اصحاح الكتاب المقدس يثبت فيه سموا ثورة الحسين وتبنيها للاصلاح والامر بالمعروف والنهي عن المنكر وانها مقدرة من السماء منذ الازل ويشير الى مكانها من شاطيء نهر الفرات ..
فنهضة سيد الشهداء الامام الحسين الالهية العظمى هزت الدنيا وشغلت الناس ولاتخبو نارها ولاتطفى جذوتها لانها بعين الله ..وعظيم عطائها لله ..وسر بقائها الله
فالحسين وقف ساعة وهي خالدة وباقية الى قيام يوم الساعة الحسين اسقط عروش واقام عروش الحسين سفية النجاة فلم يرد الله سبحانه من تلك الثورة الكبرى ان نندب الحسين فقط ولم يرد الله من طحن صدرالحسين وتقطيع اوصاله وذبح الذرية الطاهرة والصحابة ان نرثى ونتوجع فقط لم يرد الله من توذير شبه المصطفى منطقا وخلقا او من ذبح الرضيع على صدر بن المصطفى ان نطعم حفنة من الطعام ولم يرد الله من تلك المجزرة الرهيبة والتضحيات الجسيمة ان نبكي فقط ولم يرد الله من فضائع اسر وسلب حجاب بنات الوحي والرسالة وتقلبهن في الامصار ان نلطم فقط ...كلا والف كلا ...
وبكل اختصار فان قطرة من دم جون مولى الحسين لاتفتدى بملىء الارض ذهبا كما قال الامام السجاع (ع) ان الله سبحانه الطف واكرم واعز شأنا ان يرد ذلك ...انه عزوجل اراد لتلك النهضة الالهية المحمدية العلوية الحسينية ان تحمي الدين وتصون رسالات النبيين وتدافع عن ظلامة الامة وتذب عن المحرومين وكتب لها ان تكون خالدة متبرعمة فاعلة حية في الضمير تاتي أكلها كل حين بأذن ربها تطاول اعاصيرالعصور وجبابرة الدهور
يقول الشاعرالسيد مصطفى جمال الدين في قدسية دمه الزكي:
فدم ارقة كانه من جدة الان يعطر فيا لثرى ويخضب
اراد لها الله سبحانه ومحمد المصطفى وعلي المرتظى وسيد الشهداءالحسين ان تكون ثورته منار هدى ..وسبيل خلاص ..ومبعث انقاذ للبشرية جمعاء .. الحسين هبة الله ليس فقط للرسالة والامة بل للدنيا باسرها الحسين صوة الحق الهادر مادامت السماوات والارض ...الحسين صرخة كل المعذبين والمضطهدين والمحرومين والمظلومين في الارض ...امل لكل الناشدين لتنسم حياة الحرية والكرامة والعزة .. الحسين فتح .. الحسين نصر ..الحسين سعادة .. الله ..الله.. فلاتخرجوها عما اراد الله ورسوله وصيه وريحانته الحسين لها طوبى للسائرين على دربها......
فكل حر ومحرر ليس له الا ان يطرق سبيل الحسين في النجاة والخلاص والانعتاق من اسر العبودية الى رحاب الحرية من الظلام الى النور من كابوس الانغلاق والتحجر الى سعة الانفتاح والتطور ومن دياجير الجهل الى افاق العلم ومن جور الظلم والاستبداد الى العدل والانصاف ومن رعب الارهاب الى الامن والسلام ...فقد اخذوا جميعا بحبل سيد الشهداء وابي الاحرار امام الانسانية جمعاء الحسين بن علي ...فهذه ثورة بني العباس قامت باسمه الشريف وكل ثورات العالم الاسلامي مرتشفة من معين نهضته وحتى الهندوسي (غاندي) في تحرير الهند من الاستعمار البريطاني والماركسي الملحد (ماوسي تو نغ ) صاحب المسيرة الطويلة وثورة الصين على الاستعمار الياباني مقتدين بعظيم سيرته (ع)... حيث اعلن الامام بان الامم والشعوب اذا ما ارادت الحياة والخروج من ربقة الاستعباد ما عليها الا ان تعطي لان الذي لايعطي لا ياخذ وان طريق الحرية (احمر) ... وقد استمدت روح الصمود والمقاومة على نهجه امرأة كسيرة اسيرة قتل اخوانها وابنائها واهلها جميعا وليس لها من ناصر ولا معين الا الله سبحانه وهي تخاطب فرعون زمانها في قصره محاط بجموع زبانيته بكل احتقار وازدراء غير خائفة ولا وجلة من بطشه او غدره تلك بطلة كربلاء عقيلة ال بيت محمد (زينب الكبرى) مخاطبة طاغية عصرها (يزيد) وهو يعطف زهوا وطيشا بالبغي بقتله سبط المصطفى الحسين موهوما بنشوة نصرالجاهلية والاخذ بذحله ثأرا لاجداده والانتصار لحزبه واهله في بدر والاحزاب والخندق وحنين فقد القمته مخدرة الرسالة حجر بعد حجر فالجمته بالمحالات الالهية والعهود الربانية من بقاء الرسالة متبرعمة نديه قائلة له :
اني لاستصغر قدرك واستعظم تقريعك يا يزيد كد كيدك .. وناصب جهدك .. واسع سعيك .. فوالله لاتميت وحينا ولاتمحي ذكرنا ..لانها بيوت اذن الله ان ترفع ويذكر فيها اسمه وختمتها قائلة :يوم ينادي المنادى الا لعنة الله على القوم الظالمين ممن سولت لهم انفسهم ونزوا على مقام الخلافة الالهية حتى مكنوك من رقاب المسلمين ...!!!
ورحم الله شاعر اهل البيت العلامة الشيخ عبد المنعم الفرطوسي حيث يقول :
قد مات ذكرهموا وذكرك عاطر والوحي حيا والرسالة برعم
انت الحسين ودون مجدك في العلى مجد المسيح ودون امك مريم
حيث يبقى سموا الذات من سموا المعنى شامخا خالدا سلسبيلا يهب الحياة لمن يريد ان يعيش كريما الى جنب بقائه وحيدا من دون شبيه ومفردا بلانظير كماقال الشاعر الجواهري
فيا ايها الوتر في الخالدين الى الان فذا ولم يشفع
وفي الختام ومن باب المسئولية الشرعية والتاريخية والوطنية فما اشد احتياج امتنا الان من التراص والتوحد والوعي والارتفاع في مستوى قرأة نهج الفاتح الاعظم والثائر الاكبر سيد الشهداء الامام الحسين قرأة متمعنة موضوعية منفتحة واعية لاستشراف جلائل معانيها وسبر اغوارعظيم مبانيها والدقة في صياغتها لسكبها في شرايين البشر كافة لغة خطاب حضارية تتناسب ومقام صاحبها ونهضته الالهية الانسانية الخالدة..
فالسلام عليك ياامام المجاهدين يوم ولدة ويوم استشهدة ويوم تبعث حيا سائلينه سبحانه ان يجعلنا من خدام الحسين (ع)ومن السائرين في خط الحسين (ع) والموفقين لنشرمبادىء وقيم سيدنا الحسين(ع)وما السداد الا من عنده سبحانه
والسلام عليكم ورحمته وبركاته
هلال آل فخرالدين
https://telegram.me/buratha