( بقلم : عدنان آل ردام العبيدي / رئيس تحرير صحيفة الاستقامة / رئيس اتحاد الصحفيين )
في ذات نهار ثمانيني استمعت لمحاضرة الى احد السياسيين العراقيين من رواد الحركة الوطنية العراقية المعارضة بدمشق، وذلك بالذكرى السنوية الثانية لاستشهاد سفير المرجعية الشهيد السعيد السيد محمد مهدي الحكيم، فكان اكثر ما رسخ في ذاكرتي من تلك المحاضرة هو تساؤل المحاضر الذي قال فيه: لماذا سارع صدام باغتيال السيد محمد مهدي الحكيم؟. بطبيعة الحال ان الجميع كان لديهم اجابات مختلفة.. وربما كانت اجابات اولئك الحضور تتوزع بين كونه احد علماء الدين السياسيين او لانه ابن مرجع كبير كالإمام الحكيم، وفي اقرب الاجابات صحة من السبب الحقيقي لانه معارض عراقي.
لكن هذه الاجابات وان كانت بمجملها صحيحة لكن النظام لم يغتال جميع ابناء المراجع وان كان قادراً على ذلك. كذلك لم يقتل جميع معارضيه لكنه يمتلك اجندة للقتل او قوائم ربما يكون اولئك المراد قتلهم ليسوا ضمن تلك القوائم او ربما حاول ولم ينجح كما المحاولات العديدة التي تعرض لها شهيد المحراب في حياته عندما كان يمارس دوره القيادي من المنفى. وهناك اسباب اخرى من بينها ان النظام قد لا يمتلك القدرة الفنية لملاحقة وقتل عشرات الالاف من النشطاء والسياسيين العراقيين المعارضين لنظامه فضلاً عن ان النظام البائد وان كان على درجة كبيرة من الاستهتار بالقوانين والمواثيق الدولية وعهود حقوق الانسان الا انه دون شك لا يستطيع ان يذهب الى ما لا نهاية في تحدي الارادة الدولية ومواثيقها الخاصة والعامة.
عودة الى تساؤل السياسي العراقي المعارض في محاضرته تلك بمناسبة الذكرى السنوية الثانية لاستشهاد السيد محمد مهدي الحكيم والى الاجابة الدقيقة والمكثفة والمختصرة التي حدد بموجبها اسباب استهداف السيد محمد مهدي الحكيم فهذا السياسي اشار الى ان الاسباب الحقيقية لاغتيال السيد الشهيد هو ان النظام كان يرى فيه بانه رجل دولة وليس رجل معارضة من نمط تقليدي.
وهنا راح يسرد بعض الانشطة المهمة التي جعلت النظام يرى فيه بانه رجل دولة وكان اولها انه كان الاقرب الى الشهيد السعيد محمد باقر الصدر (قدس) الذي كان النظام يرى فيه هو الآخر بانه رجل دولة ايضاً فالذي يطرح نظرية حكم شاملة في السياسة والاقتصاد والاجتماع والدستور انما هو مدرسة سياسية لا يمكن لها ان تستمر مع نظام كنظام البعث المقبور.
السيد محمد مهدي الحكيم كان احد اهم رواد الحركة الاسلامية الوطنية غير التقليدية، كان من قيادات ومؤسسي الدعوة الاسلامية، وكان من مؤسسي جماعة العلماء المجاهدين في العراق وجماعة علماء بغداد والكاظمية، وكان له الدور الريادي في تأسيس جامعة الكوفة وكلية اصول الدين، وكان مبعوث المرجعية الى العاصمة في ظرف هو الاهم والاصعب في الحياة السياسية العراقية. كان رجل الدين والسياسي المعارض الاول الذي دخل اروقة الامم المتحدة وكشف النقاب بالارقام والتفاصيل عن الظلامات التي يتعرض لها الشعب العراقي وكان يمتلك خارطة الطريق نحو الاقليميين والدوليين ولهذا فانه استشهد بساحة اقليمية، وكان اول من ساهم بتشكيل وبلورة اول منظمة عراقية مدافعة عن حقوق الانسان العراقي عبر مقرات المنظومة الدولية في كل من جنيف ونيويورك.
ولعل هنالك اسباب اخرى ادت الى انتقام النظام منه بالطريقة التي حصلت بالخرطوم حيث كان سماحته قد لعب دوراً جهادياً محورياً من حرمان النظام لرعايته مؤتمر دول عدم الانحياز السابع في بغداد ونقله الى العاصمة الهندية نيودلهي، فالذي رصد تلك الفترة فانه سيكشف بانها الفترة الاهم التي تعرضت مؤسسات النظام لضربات عراقية معارضة كانت بتوجيه وتخطيط من سماحة السيد الشهيد وهي التي ادت الى نقل مكان انعقاد المؤتمر الذي كان يشكل الفرصة التأريخية لصدام كي يكون رئيساً لمؤتمر يضم احدى وسبعين دولة، وليس الحرب العراقية الايرانية هي التي منعت انعقاد المؤتمر كما كان يقال في حينه. تلك هي شذرات من حياة هذا الشهيد السعيد الذي تحتاج حياته الشريفة الى سفرٍ كبير كي نغور في اعماق حركته واهدافه التي استشهد من اجلها.
https://telegram.me/buratha