( بقلم : عبد الكريم الجيزاني )
يظهر ان بعض السياسيين العراقيين لم يحزموا امرهم بعد رغم دخولهم العملية السياسية الجارية بقناعة تامة. وربما كان البعض منهم من ضحايا النظام المقبور وممن دخل السجن والاعتقال التعسفي لاختلافه مع سلطة حزب البعث المنحل فكراً او انتماءاً او وسطية، وهم بلا شك من العراقيين الوطنيين المخلصين. الا انهم لم يصلوا الى الآن بالكامل الى درجة تذويب الذات الشخصية بالذات العامة.مشكلة هؤلاء تكمن في ازدواجية المواقف التي تمليها عليهم ظروفهم الخاصة او تصوراتهم المبنية على الوهم. فهم مع العملية التغييرية وداخل قبة البرلمان وفي صلب حكومة الوحدة الوطنية التي توجب عليهم كمشاركين وباعتبارهم جزء ليس بالهين داخل العملية السياسية ان يدافعوا ويساندوا ويدعموا بشكل واضح وجلي علناً نهاراً جهاراً كل ما تحقق من انجازات على كافة الصعد ومواكبة التطور الكبير الجاري اليوم والتعاطي السياسي الداخلي والخارجي والاقليمي، لا ان يوجهوا سهام نقدهم الجارح وغير المنطقي وغير المفيد الى اصل التغيير الجذري وما انتجته المؤسسات الدستورية والنظام الديمقراطي، وهذا ابسط قواعد ومستلزمات التعاطي مع العمل السياسي والاخلاقي والمبدأي.للاسف نسمع ونشاهد ونقرأ كل يوم ان البعض من هؤلاء لا يفوت فرصة اعلامية او مؤتمراً او تجمعاً الا ووجه سهامه الجارحة تحت(لافتة النقد) الى اصل عملية البناء الجديد. ربما ترضية للطرف الاخر الذي لازال بعيداً عن الساحة لاسباب معروفة للجميع، او ربما منحازة لطرف على حساب اطراف اخرى مما يؤدي الى خلل كبير في البنية الوطنية. لكنه أي- البعض- يتحدث بحديث الحريص المتفاني والذائب عندما يكون داخل قبة البرلمان او في جلسات المجالس الرئاسية الثلاثة ومؤسساتها السياسية والاعلامية.
ان مثل هذه المواقف التي ليست ببيضاء ناصعة وليست بالسوداء القاتمة أي بمعنى آخر انها ليست مع البناة وليست مع المخربين عملاً واداء، وهذا ما اوقعهم في ضبابية الالوان فلا يرون الا اللون الرمادي فهم لا يميزون قدر المستطاع بين اللونين الابيض والاسود اذ ليس من المعقول ان يتحدث سياسي معروف بحديث الى وسائل الاعلام بما يخالف المصلحة الوطنية العليا وخاصة ما يتعلق باتخاذ القرارات المصيرية التي تتعلق بأمن المواطن وحقوقه الانسانية التي عادت اليه بعد زوال الطغمة الصدامية البغيضة.
ولكي نكون اكثر صراحة رغم اننا لا نشك بوطنية هذا البعض ولا في اخلاصه نقول ان من ينتقد الاحكام التي صدرت ضد المجرمين من اعوان الطاغية المقبور ويعتبرها تسيء الى مبادرة المصالحة الوطنية او تؤلب مواقف بعض الدول ذات الانظمة الشمولية، فهذا ادعاء فارغ واجوف اذا ما اعتقدنا- وهو كذلك بالفعل- ان القضاء العراقي مستقل واثبت جدارته وعدالته وحريته الكاملة في اتخاذ قرارات الاحكام التي يراها تتناسب وحجم الجرائم التي ارتكبها هؤلاء المجرمين عندما كانوا في سلطة النظام البائد الذين مثلوا أمامه، وهذا قد يفوت البعض ان الشعب العراقي كان ولازال وسيبقى قوياً صامداً فهو ليس قاصراً ولا يحتاج الى وصاية من احد مهما كانت مواقف الآخرين الذين يخافون على انفسهم من آثار هذه التجربة الرائدة لا على مصير شعوبهم.
نحن ننصح هذا البعض الذي يهمنا جداً ان يسلك الطريق الذي اختاره ابناء الشعب العراقي ليكون قريباً من توجهاتهم وخياراتهم في بناء عراق جديد تعددي ديمقراطي فيدرالي دستوري، فهذا الطريق المعبد بالدماء الزكية هو الطريق الاصح والاصوب لمن يريد المساهمة في البناء واغناء التجربة الديمقراطية الرائدة التي جمعت العراقيين تحت سقف واحد بعد ان مزق وحدتهم النظام البائد واقصى الاغلبية من المشاركة في الحكم وفي اتخاذ القرارات الهامة. كما نعتقد ان هذه الانتقادات اللاذعة التي لا تخدم مصلحة الوطن والمواطن سوف لا تؤدي الا الى المزيد من سفك الدماء والقتل على الهوية والتهجير القسري على اساس طائفي بغيض.هذه الاغلبية استطاعت ومن خلال تصويتها في ثلاث ثورات عارمة وشاملة رغم المفخخات والصواريخ والعبوات الناسفة والانتحاريين ان تصوت لخياراتها وامالها في عراق خال من كل مظاهر العنف والاضطراب.ان مصلحة هؤلاء لا تتحقق ما لم يعملوا بكل قوة واعتقاد مع اخوانهم الآخرين في ترصين دعائم الوحدة الوطنية وارساء قواعد الدستور الدائم وبناء المؤسسات الدستورية وتأكيد سلطة القانون ودعم واسناد خطة امن بغداد الجديدة التي ستنفذها حكومة الوحدة الوطنية لانهاء وجود المتطرفين المجرمين من التكفيريين والصداميين العابثين بأمن المواطن وهذا ما سيؤسس لمرحلة قادمة يستطيع من خلالها ابناء العراق المساهمة في بناء العراق الجديد بعد الدمار الذي تعرض له طيلة العقود الثلاثة الماضية وبعد الاحداث التي وقعت بعد سقوط النظام وهذا هو الهدف المشترك الذي يناسب الامن والاستقرار للعاصمة العراقية.
https://telegram.me/buratha