( بقلم : طالب الوحيلي )
من بين التحديات والمهام الكثيرة التي أشار إليها السيد عبد العزيز الحكيم زعيم الائتلاف العراقي الموحد ورئيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق خلال حديثه للمبلغين والمبلغات في مؤتمرهم الثامن الذي أقامته مؤسسة شهيد المحراب للتبليغ الإسلامي يوم 11/1/2007 هي إقامة العلاقات المتكافئة مع الدول ،فقد ورث العراق تركة من العلاقات الشائكة والمواقف الدولية الشاذة التي اعتمدها النظام البائد منذ استلام المقبور صدام مقاليد السلطة في العراق ،وقد اتسمت بالنزاعات الدولية من جهة وبعدم الاتزان السياسي من جهة أخرى ،ولاشك ان المصالح الدولية التي كانت تحكم ذلك النظام لا تخرج عن أمزجة وأهواء ونرجسية الطاغية بما فيها علاقته مع من تربط العراق بهم علاقات صداقة وتعاون ،لينتهي به الى تركة ثقيلة من الديون أدت الى حدوث أقصى تضخم عرفته الاقتصاديات العالمية لبلد يمتلك ثاني احتياطي للنفط في المعمورة ،فيما انتهت بهذا النظام الى العزلة الدولية حتى صار نظام أشباح ..تنازعت النظام البائد تحالفات دولية مرة بجانبه حين أعلن حربه الظالمة على الجمهورية الإسلامية وضمت دولا سرعان ما تحولت ضده اثر انقلابه على اقرب حليفة له وغزوها وضمها الى محافظاته المبتلاة بظلمه ومصائبه ،ليتداعى من حوله كل أصدقائه الا الدول بائسة كبؤس حال زمره وأركان قيادته مثل اليمن وليبيا وغيرهما .
مقابل ذلك كان تحرك القوى الوطنية لاسيما المجلس الأعلى للثورة الإسلامية الذي أوصل مظلومية الشعب العراقي الى أهم وأعمق مراكز القرار الدولي والى أوسع مساحات الرأي العام الدولي ليساهم ذلك في تحقيق العزلة القاتلة لذلك النظام والتي آلت بالنتيجة الى موقف إنساني من اجل تحرير الشعب العراقي من سلسلة القتل الممنهج والمقابر الجماعية التي مهدت لقيام التحالف الدولي لتحرير العراق كسبب أساس بجانب كون النظام الصدامي هو عار على الحضارة الإنسانية لا يليق بها بقاء أنظمة كهذا النظام بغية البحث عن الأنموذج الجديد للديمقراطية في العالم الثالث بديلا للحكومات الدكتاتورية والأحزاب الشمولية ،وهكذا اسقط النظام الصدامي عبر منظومة من قرارات مجلس الامن الدولي التي نظمت تحرير العراق ،ولكن ولإرهاصات لعبت بها العلاقات المتباينة والمصالح الدولية صدرت قرارات دولية وضعته في دائرة الاحتلال كالقرار 1483 وكل ذلك على مرأى ومسمع الدول العربية ،وفيما جاهدت القوى المتصدية للعملية السياسية من اجل إصلاح هذا الواقع انتهزت دول الجوار وغيرها الظرف العراقي لغرض تصفية حساباتها مع بعضها او محاولة (فتنمة) العراق على وفق تلك الحسابات .
يقول السيد الحكيم بهذا الشأن (ان قضية العراق قد تم تدويلها منذ سنوات طوال وهي قد حصلت نتيجة للسياسات الاجرامية للنظام السابق، واليوم هناك عدد من القرارات الدولية ذات العلاقة المباشرة بحكم العراق وامواله، ولذلك ينبغي ان تكون هناك علاقات دولية قوية مع الدول والمجتمع الدولي والاقليمي ودول الجوار بشكل خاص من أجل توضيح ما حققه الشعب العراقي إزاء التحديات والدفاع عن مصالح هذا الشعب وبالفعل فقد قطعنا شوطاً لابأس به في بناء علاقاتنا الدولية لحد الآن ولكن أمامنا أشواطا كبيرة اخرى علينا ان نقطعها في بناء هذه العلاقات، فنحن نسعى ان نبني علاقاتنا مع المجتمع الدولي ومنه الدول الإقليمية والمجاورة للعراق على أسس التكافؤ والتوازن وتبادل المصالح وكانت جولة واشنطن ولندن وعمان في هذا السياق، ونحن ندعو الدول المجاورة للعراق بالمقابل إلى بذل جهودها من اجل تحقيق الأمن والاستقرار في العراق، فذلك أيضا سيصب في مصلحتها، وهناك حركة مستمرة في هذا المجال حيث نتوقع ان تساهم وبالتنسيق والتعاون مع الحكومة في استقرار العراق.
لقد كانت إستراتيجية العملية السياسية في العراق قد اعتمدت مفهوم التحرك الواسع مع العالم سياسيا واقتصاديا ،وقد أفلحت فعلا في إسقاط أكثر من 80% من ديونه الهائلة فيما أبدت أعظم الدول تفهما كبيرا للحالة العراقية ،وأبدت استعداداتها لفتح صفحات مثمرة في العلاقات الاقتصادية والتسابق على الاستثمار وإعادة اعمار البلاد ،وذلك بفضل التحرك الايجابي للقوى العراقية المنتظمة في الحكومات المتتالية لما بعد سقوط النظام البائد ،لكن المعضلة في العلاقات الحذرة مع دول الجوار العراقي واعتبار بعضها حواضن ومصادر للإرهاب وللفتنة الطائفية ،لاسيما احتضان بعض الدول الإقليمية للماكنة الإعلامية التي تشكل اليوم اشد خطر على العملية السياسية وينبغي تكثيف التحرك الدبلوماسي وتنشيطه بما يتناسب مع الواقع الراهن....ومقابل ذلك تتحرك القوى المعارضة لعملية التغيير او التي تبنت الخطاب الإرهابي باتجاه الدور الإقليمي لتطور جهدها الميداني وتحويله الى (مظلومية) مستثمرة التعاطف الطائفي والمواقف العربية المتذبذبة ،والتي عكست لحد الآن مواقف سلبية جدا في تفهمها للمسألة العراقية ،وقد تفاقم هذا الأمر بعيد إعدام الطاغية وتصوير الموضوع على انه صراع طائفي بحت ،ليجد رموز الإرهاب المطلوبين للقضاء العراقي حظوة واحتضانا يعادل او يفوق العلاقات الرسمية مع الحكومة العراقية ،تلك العلاقات التي ينظر إليها المواطن العراقي بشيء كبير من الازدراء لما عكسته من خبث وعداء كبير ،ناهيك عن القطيعة العربية على مستوى العلاقات الدبلوماسية لأغلب تلك الدول ،ولعل تصريحات الرئيس المصري التي تنتقص من ولاء أتباع اهل البيت لوطنهم او امتعاضه من عملية اعدام الطاغية ووصفه ما دار خلالها من هتاف بالمقزز ،وما الى ذلك من اشارات تدل على معنى التدخل السافر بالشأن العراقي ،إضافة الى مواقف السعودية وتصريحات مسؤوليها الرسميين المتناقضة وتناغمها مع التصعيد البغيض للتحريض الطائفي لشيوخ الإفتاء الذي لم يتوانون فيه حتى في أيام الحج المقدسة .
فنادق بعض العواصم الفارهة وقصورها الرسمية مازالت مراكز أنشطة قادة الإرهاب ،وقنواتها الفضائية والإعلامية مسخرة لهم يقولون فيها ما يشاءون دون تدخل لمقص الرقيب ،بالرغم من ان ذلك يعد مساهمة خطيرة في زعزعة استقرار العراق ويعد جريمة دولية ،ولعل فضائية الغجري مشعان خير مثال على ذلك وقد أشارت الإنباء على ان الحكومة المصرية تلقت طلبات أميركية وسعودية ، بضرورة وقف قناة الزوراء لانها قناة تروج للإرهاب وتعلم صناعة العبوات المتفجرة وتشجع الشباب السعودي وشباب المنطقة الخليجية ،على العمل ضد القوات الأميركية من خلال بث هذه القناة لأشرطة فيديو تابعة لتنظيم قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين ولتنظيمات إرهابية أخرى عاملة في العراق .
كما وان علماء وهابيين كانوا قد افتوا بجواز بل بضرورة متابعة هذه القناة ، لكونها تحارب الشيعة التي وصفتهم فتاوى هؤلاء الشيوخ بالروافض والصفويين ، وقد اكدت مصادر اعلامية مصرية ان اتصالات عديدة تلقتها السلطات المصرية خلال الايام الماضية من اجل وقف تنفيذ قرارها بحجب هذه القناة عن قمر النايل سات .وقالت هذه المصادر ان من بين المتصلين بالسلطات المصرية كان حارث الضاري رئيس هيئة علماء السنة ، الذي ناشد الرئيس مبارك ووزير الإعلام ، بعدم تنفيذ قرار إيقاف بث قناة الزوراء ، وحسب هذه المصادر فان الضاري اعتبر قناة الزوراء مشروعا إعلاميا ضروريا لمواجهة (المد الصفوي) في العراق !! في إشارة الى شيعة العراق . وأضافت هذه المصادر الى ان مثنى حارث الضاري بذل جهودا كبيرة لإيصال مناشدات والده للسلطات المصرية بهذا الشان .
اخيرا فان الإستراتيجية الأمريكية الجديدة الخاصة بالشأن العراقي تؤكد على موقف دول الجوار ،وقد وجه الرئيس الأمريكي من خلالها رسالة صريحة الى انظمة الحكم العربية والاقليمية الى الخطر المحدق بهم فيما لو فشلت هذه الإستراتيجية فهل فهموا هذه الرسالة ؟! ام ان الأيام كفيلة بإظهار ماتضمره الاحداث؟!
https://telegram.me/buratha