( بقلم : نهار خالد )
الجنرال "ردولفو كراتسياني" ولد في 11/أغسطس/1882 في مدينة صغيرة تبعد 60 كم جنوب العاصمة روما وتوفي في 11/يناير/1955م، كان سياسياً وعسكرياً ايطالياً شارك في الحملة الإيطالية ضمن كتائب الجيش الإيطالي في أفريقيا ضمن حقبة الاستعمار الإيطالي لأرتيريا والصومال وليبيا، وتعلم اللغة العربية وحصل على رتبة جنرال وعمره (36) عاماً وأصبح اصغر من يحظى بهذه الرتبة في هذا العمر في التاريخ العسكري الإيطالي قاطبة. أرسله موسوليني في عام 1921م الى ليبيا ليقمع انتفاضة معادية لإيطاليا قادها عمر المختار. وتمكن الجنرال كراتسياني من اخماد الأنتفاضة وقمعها تماماً واعتقل عمر المختار وأعدمه.
وأستخدم كراتسياني أساليب قاسية ودموية ضد المدنيين الليبيين الذين كان يعدهم من المساندين للمتمردين الليبيين. ويذكر التاريخ بأسى بأن الجنرال كراتسياني كان وراء عمليات نفي مئات الألوف من القبائل الليبية بعد احتجازهم في معسكرات اعتقال اعدت لذلك الغرض. وكانت تلك المعسكرات الرهيبة تفتقد لأبسط المقومات الأنسانية والصحية اضافة الى نقص الطعام والمياه، الأمر الذي تسبب بوفاة الألوف منهم في تلك المعسكرات.
وتشير المراسلات العسكرية بين الجنرال كراتسياني وقادته العسكريين والسياسيين في روما الى أنه كان يبطش بقسوة فائقة بالليبيين وبدون رحمة او هوادة. ففي برقية له موجهة الى رئيس الحكومة "موسوليني" يذكر فيها:"منذ 19 يوماً وأنا اتابع بنفسي تنفيذ (324) حكماً صورياً بالاعدام (أكرر 324)، وهذا الرقم بالطبع لا يشمل عمليات مطاردة وقتل المتمردين التي تمت يومي 19 و 20 فبراير. بالاضافة الى هذا فقد أرسلت مئات الألوف من الرجال والنساء والشباب الى معسكر الأعتقال في دنانة".وفي برقية أخرى وجهها كراتسياني الى الجنرال "برتسيو بيرولي" يقول:" في هذا اليوم سيقوم سلاحنا الجوي بالقصف بالغازات السامة الخانقة لكافة المواقع في المناطق المؤهلة وغير المؤهلة بالسكان بغض النظر عما اذا كانت تلك المناطق خاضعة او غير خاضعة للمتمردين. وتعلمون، معاليكم بأني أتصرف وفق رؤويا تتطابق تماماً مع رؤوية فخامة رئيس الحكومة".
وبعد ان عينه موسوليني وزيراً للدفاع في 1/أكتوبر/1943 امتناناً له وعرفاناً بقدراته العسكرية "الخارقة" في افريقيا، تحدث الجنرال ردولفو كراتسياني من على خشبة مسرح "أدريانو" في العاصمة روما أمام أكثر من أربعة آلاف ضابط وعسكري ايطالي وقال:" من يحدثكم هو مارشال ايطالي، عرف طيلة حياته كجندي سوء الطالع وشمس المجد وظلال الجحود ونكران الجميل، وهاهو القدر يناديه الآن لكي يشد الإيطاليين حوله لكي يمحو عار الخيانة والغدر اللذان شوها علم إيطاليا".
وواجه كراتسياني محكمة عسكرية بعد سقود النظام الفاشي في ايطاليا، ومن أشهر ما قاله في تلك المحاكمة: "اذا حكم علي بالاعدام فسوف أريكم كيف يموت جنرالاً فاشياً".وعلى الرغم من ان كراتسياني حكم عليه بالسجن (15) عاماً إلا أنه عاد من جديد للحياة السياسية البرلمانية بعد احلال النظام الجمهوري في ايطاليا وأسس حزباً أسماه حزب الحركة الاجتماعية الايطالية، ومات عام 1955 وهو يقول بأنه كان يشعر بنفسه فاشياً منذ الولادة وأنه قدم الى الليبيين خدمات أنسانية كانوا يحلمون بها!!.
واليوم يحق لليبيين كل الحق ان يستشيظو غضباً وحقداً وكراهية ان ذكر امامهم اسم كراتسياني الذي حكمهم بالقمع سنوات عدة. ويحق لهم ايضاً بأن يطالبو ايطاليا بالتعويض لقتلاهم ومن نفي منهم. ومن حقهم ايضاً ان يحتفلوا بيوم جلاء الأستعمار الإيطالي عن بلادهم، ولكن هل يحق لعقيدهم ان يأمر بصنع تمثالاً لصدام في ليبيا يضعه جنب تمثال عمر المختار!!؟حسناً فعلينا ان نتذكر إذاً:فإن كان كراتسياني محتلاً استعمارياً قاسياً فما فعله صدام بالعراق والعراقيين لا يمكن للخيال البشري غير المريض ان يتصوره او يصدقه، فالاستعمار الإيطالي لليبيا يبدو ألف مرة أرحم من استعمار البعث للعراق، فصدام الذي صعد لسدة الحكم وعمره لا يتجاوز الـ 28 عاماً اصبح قائداً عاماً اوحداً للعراق والقوات المسلحة العراقية وعمره 36 عاماً وحكم البلاد بالحديد والموت والنار وساق مئات الألوف من أبناء شعبه الى مقاصل الموت وساحات الاعدام، وهجر الملايين من العراقيين داخل البلاد وخارجها وحطم الاقتصاد والموارد المالية بكافة مصادرها وأدخل البلاد في حروب دموية عبثية لم يخرج منها العراق بعد، وحول الدولة الى عصابة تحكمها عقلية القرية، وقتل مئات المئات من العلماء والشيوخ ورجال الدين على كافة مشاربهم، وضرب شمال البلاد التي يحكمها بالاسلحة الكيماوية والغازات الخانقة السامة، وأغتصب أبناءه وأقاربه وأولاد عشيرته وجلاوزته نساء العراق وبناته، وقطعت الألسن والآذان والأيدي ووشمت الجباه بالنار أبان طغيانه، وهرب من هرب ممن تبقى من العلماء والأدباء والفنانون والرياضيون من بلاد لم يبقى فيها سوى الموت والخراب والطاعون وصدام وخطاباته النارية التي يتوعد بها بتسليم العراق خراباً محروقاً.
واصطف العراقيون طوابيراً طويلة طويلة في ليل لا تنتهي عتمته يبحثون عن لقمة عيش أو تأشيرة خروج لبلدان لم يسمعوا بها او يعرفوا شيء عنها من قبل. ووعد القائد الضرورة بأنه سوف لن يترك وراءه للعراقيين وطناً يحبونه بل أرضاً خراباً يلعنونها.
وبعد أن أزيح الجزء الأكبر من ذلك الكابوس الذي ظل جاثماً لما يقارب من أربعة عقود على صدور العراقيين والعراقيات، وان لم يهنئوا بعد بكامل فرحتهم (من أين يأتيهم الفرح والغربان تحيط بهم من كل صوب وحدب) يأتيهم مبشر ليبشرهم بأن طحفل النظرية العالمية الثالثة وجهبذ الفكر الأنساني المعاصر والمفكر الأوحد بدون منازع قد قرر اعلان الحداد في البلاد التي يحكمها بحرية وديموقراطية ومشاركة حقيقية لشعبه منذ عام 1969 حزنا على "مقتل" صدام وأنه أوعز بأن ينصب لصدام تمثالاً يمجده وهو على حبل المشنقة يوضع جنباً الى جنب تمثال عمر المختار الذي أعدمه الجنرال كراتسياني.
معذرةً أيها النابغة فإذ كنتم تستشيظون غضباً من ذكر كراتسياني فنحن العراقيون نتقيأ دماً من سماع اسم صدام، وان صنعتم صنماً لصدام في ليبيا فمبروك عليكم وإن أردتم فلا يزال لدينا مئات الآلاف من تماثيل لصدام إن احببتم سنصدرها لكم مجاناً، ولكن لا شماته بكم إن صنع ابناء المقابر الجماعية والثكالى في العراق تماثيلاً لكراتسياني في بغداد، فمعذب العراقيين وقاتلهم أكثر خسة ودناءة من كراتسياني الذي استعمركم.نهار خالدكاتب ومؤرخ عراقي
https://telegram.me/buratha