( بقلم : عدنان آل ردام العبيدي / رئيس تحرير صحيفة الاستقامة / رئيس اتحاد الصحفيين )
المتتبع لمسيرة العلاقات السورية العراقية سيخلص الى النتيجة القلقة التي طبعت هذه العلاقة التي يفترض ان تكون قوية متماسكة كقوة الحقائق الجغرافية والتأريخية والبشرية.. لكن ما يخفف هول الصدمة عندنا، كعراقيين بشكل خاص، هو ان اية جهة سياسية او حقبة دستورية حكمت العراق غير مسؤولة عن هذا التراجع والانكفاء في العلاقات بين البلدين عدا الحقب التي حكم فيها حزب البعث في العراق.
ولكي نقترب اكثر الى الصورة هذه فانا شخصياً اتذكر في مطلع الثمانينيات مشاهد السيارات المفخخة التي تتشابه الى حد بعيد ما يجري حالياً في بغداد كيف كانت تتناثر في دمشق وفي اكثر المناطق اكتضاضاً بالمواطنين الابرياء كمناطق الجسر الابيض والدوار الجنوبي وباب مصلى وكفر سوسة وكراجات نقل المسافرين، ورغم اننا كنا معارضين سياسيين ولاجئين في سوريا لكننا ومع كل عملية ارهابية كنا نشعر بخجل شديد امام المواطن السوري والحكومة السورية عندما تعرض شاشة التلفاز السوري عناصر مأجورة للنظام العراقي تقف وراء هكذا عمليات وتنفذها بدمٍ بارد وتحيل مدينة دمشق في كل بضعة ايام الى مأتم مفتوح.لا اعتقد مطلقاً ان دمشق تمارس حالياً حقها في الثأر من العراقيين على افتراض ان ما يجري حالياً في العراق تقف وراءه سوريا، وعدم الاعتقاد هذا مصدره الوجدان العراقي النزيه الذي لا يبني مواقفه على أسوأ الاحتمالات بل احسنها.
فسوريا وخلال الثلاثة عقود كانت البيت المفتوح لكل عراقي هجر بيته خوفاً من بطش عصابات وزمر المخابرات والاجهزة القمعية والحزبية التي كانت تحرس نظام صدام. كما ان لسوريا الفضل الكبير في وصول مئات الالاف من العراقيين الى مختلف دول العالم عبر مطاراتها وموانئها وحدودها، وقد تحملت سوريا ضغوطاً كبيرة من قبل بعض العواصم العربية لمواقفها الداعمة للشعب العراقي ابان حكم النظام المجرم وحروبه العبثية، كما انها تحملت مواقف ضاغطة اخرى من قبل دول اوربية باعتبارها كانت تمثل المحطة الاهم التي تنطلق منها الهجرة غير الشرعية لعشرات الآلاف من المواطنين العراقيين باتجاه منافيهم الآخرى.تلك المواقف التي تحتفظ بها الذاكرة العراقية لا ينبغي ان يُصار الى الغائها من خلال بعض المواقف غير المفهومة من بعض اروقة صنع القرار السوري والتي تشير الدلائل التي بحوزة الاجهزة الامنية العراقية الى تورط خطوط سوريَّة بالوقوف ورائها.
ان سوريا التي تمتلك اكبر رصيد علاقاتي سياسي مع الرموز العراقية التي تقود العهد العراقي الجديد يفترض ان تستثمر رصيدها هذا في الاتجاهات كافة ان كانت سياسية ام امنية ام اقتصادية، فما لسوريا في العراق ليس له مثيل لغيرها من الدول، ومن هذا نستنتج ان التيارات الاساسية التي تقود العراق الحالي والمتمثلة بالتيار الاسلامي والكردي والليبرالي هم حلفاء واصدقاء لسوريا ولا يرتضون بأي شكل من الاشكال ان يجعلوا من العراق نقطة انطلاق للتآمر على الشعب السوري وحكومته، ومثل هذا الموقف يجب ان تعامله دمشق بالمثل من خلال العمل باتجاه استثماره وتوظيفه لصالح بلدينا وشعبينا الشقيقين، ولا احد يشك بأن العقل السياسي السوري يتمتع بقدرة فائقة على رسم المواقف الآنية والاستراتيجية. نتمنى ان يجد السيد رئيس جمهوريتنا عند الجانب السوري الرغبة الحقيقية لبناء علاقات سوريَّة عراقية حقيقية باتت تمثل مطلباً وجدانياً عند الشعبين السوري والعراقي في آن معاً.
https://telegram.me/buratha