( بقلم : طالب الوحيلي )
عند الغبش الدامي خرج عدد من شباب مدينة الصدر الى العمل كمنظفين في مطار بغداد الدولي ،وقد استقلوا حافلة نقل ركاب أهلية كخط يومي يقلهم من منطقتهم الفقيرة مع أحلامهم في حياة هانئة ومستقبل ينسيهم ماضي الفقر المزمن الذي عانى منه معظم أهالي مدينة الصدر منذ بناء اول حارة فيها ولحد اليوم ،كانوا شبابا مابين الستة عشر عاما والثالثة والعشرين ،وكانت أجورهم بخسة جدا لا تستحق ذهابهم وإيابهم وسط طرق ملغمة بالإرهاب الدموي ،لاسيما وان مرورهم حتمي بحي (الظلم) وبحي الجامعة والعامرية هذه المناطق المستباحة من زمر الطائفي عدنان الدليمي الذي لم يبخل في أي مواجهة إعلامية عن إظهار كرمه الطائفي في أعلان حقده فهو الذي أعلن الحرب الطائفية حين خطب في مؤتمر نظمه احد القادة الكرد بقصد فتح حوار مع القوى المعارضة للعملية السياسية إبان أيامها الأولى والدم مازال مصانا بالرغم من كارثة النجف الدامي التي راح ضحيتها آية الله السيد محمد باقر الحكيم رائد المشروع التحرري الديمقراطي في العراق الجديد وبجوار ضريح أمير المؤمنين في النجف الاشرف وفي أول أيام رجب وتراب السجود لصلاة الجمعة التي أمّها مازال لم يغادر جبينه الطاهر ومعه اكثر من مائة مؤمن وتلت ذلك كوارث اخرى ومع ذلك وقف احد أركان الطائفية (الدليمي) ليعلن مرتجفا (إذا كانت لديهم بنادق فأن لدينا نحن بنادق أكثر ..)وحينها تشكلت جيوش الإرهاب وفتّ عضد الأخوة العراقية واقتحمت الفتنة شوارع مدننا المسالمة ،هتافهم الطائفي الذي تلاقح مع أولى رسائل الزرقاوي ومن ثم مشاريعه قبل ان يقبر ،واستغلالهم كل مناسبة حتى ولو في قاعة البرلمان العراقي الذي يمثل السلطة التشريعية كما ينبغي ،واستغلالهم التعاطف الطائفي لدول الجوار بدعوى خسارتهم عرش العراق وتهميشهم ،كل ذلك إدانة لهم على كل قطرة دم أريقت لجميع أبناء شعبنا دون استثناء ،وإذا كان لابد من محاكمة احد على ذلك ،فالحق ان يدان كل من حرض او ساهم او روج للإرهاب بالقول او بالفعل ،ولعله صادق حين صرح احد قادة الإرهاب قبل تفشيه بهذا الزخم المرعب ،قال ما معناه (لم نرى او نسمع من يكفر أعمالنا او يحرمها ...)وفعلا لا احد يعرف في العراق لقوى الإرهاب مرجعية سوى من يظهر على شاشات الفضائيات وهو يبرر او يسوغ ابشع جرائم القتل او الذبح بحق موظفي الدولة او قوات الأمن او بقية أبناء شعبنا ،ومن أهمهم حارث الضاري الذي اكد تحالفه مع القاعدة بالرغم من إقراره بتكفيرهم الحكومة ومن يعمل معها او يواليها وأكثر من ذلك كما قال الضاري في احد أحاديثه المتلفزة ،والانكى من ذلك ان دول الجوار الحليفة لأمريكا تحتضنه وتدعمه بالمال والرجال الانتحاريين او غيرهم !!
احد احياء مدينة الصدر شهد مجالس عزاء عدد من الشهداء ،هم الضحايا للحادث الذي تعرض له عمال التنظيف المنتسبين لمطار بغداد ،واذ تستحضرا قصة حياة احدهم تتساقط أمامك مواقف المأساة ،فبشير عبد الكاظم المحمداوي ابن الثالثة والعشرين عاما كان قد حرم من حنان والده وعاش يتيما بعد ان ابتلعت حرب الطاغية ذلك الأب ،وتربى بين الفقر والاضطهاد البعثي كأي من ابناء مدينته ،وحين سقط صدام المقبور تلمس طريقه مع الشباب على أمل ان يجد مكانه في دولة تمثل الفقراء وتجاهد من اجلهم ،لتطمر كل بقايا الذل والحرمان ،فلم يجد سوى مهنة بائسة مع بقية اقرأنه وهي العمل في المطار ،ولشدة المخاطر التي كانت تصادفهم من مرورهم بإمارة عدنان الدليمي كانوا يفضلون المبيت في مكان عملهم ،وقد انقطع بشير عن أهلة عدة أسابيع حتى أيام عيد الأضحى وحين انهى زيارته لأسرته التي كانت ترجو سلامته انطلقت بهم الحافلة (الاوتومارس) وعلى متنها اكثر من ثلاثين شابا ،وما ان عبرت نفق الشرطة في حي الجامعة حتى فتحت عليهم النار من كل الجهات بعملية مبيتة ومخطط لها ، فحاول سائق الحافلة تلافي الإطلاق ،لكنه أصيب بجراح خطيرة أعاقت قيادته للحافلة ،عندها حاول احد الشباب تدارك الامر بالجلوس خلف المقود وماهي الا لحظة واذا بصلية من رشاش بي كي سي تهشم رأسه ،وكان الشهيد بشار جالس بالقرب منه ليتمزق جسده بوابل من الرصاص الذي أمطرت به الحافلة من خارجها بعد ان تمكن سائقها من إغلاق أبوابها من الداخل أوتوماتيكيا وكان ذلك سببا لنجاة العديد من المستهدفين ،حيث لاحت طائرات للقوات الأمريكية فر على أثرها الإرهابيون بكل جبن تاركين ضحاياهم بين شهيد و مستغيث ولا احد يغيثهم من المارة الذين كانوا يظهرون التشفي بهم دون رحمة وهم يطلقون ألفاظا طائفية ،ثلاثة من العمال تمكنوا في الآخر من تهشيم الزجاج الخلفي للحافلة وقد وصل احدهم زاحفا لمفرزة للحرس الوطني كانت مستقرة على مقربة من مكان الجريمة وقد ابلغهم بان عدد من زملائه مازالوا أحياء ويخشى ان يجهز عليهم ،لكن أعضاء المفرزة اعتذروا عن التدخل بحجة ان لا أوامر لديهم في ذلك !!!
بعد ان اخلي الشهداء والجرحى الى مستشفى اليرموك ،قامت بعض (الماجدات) برش البنزين على الحافلة وإحراقها ،تلك هي بعض ملابسات جريمة بشعة وقعت في وضح النهار في منطقة افتقدت نسيجها القديم بعد ان هجّر منها أتباع أهل البيت واستبيحت أموالهم وممتلكاتهم ،فإلى الله المشتكى وهو حسبنا ..
https://telegram.me/buratha