( بقلم : وداد فاخر* )
استمر جدل بيزنطي منذ يوم عيد الأضحى المبارك 30 . 12 . 2006 ، أي يوم قبر المأسور في حفرة العنكبوت ولحد الآن شاركت فيه أطراف عدة مثلت خليط غير متجانس من المعترضين ، وشكلت معسكرين متوازيين في النهج المشارك في الجدل الذي كان يدور حول تنفيذ حكم الشعب صبيحة يوم عيد الأضحى بالمقبور صدام حسين . وقد ضم المعسكر الأول كل ازلام وبقايا البعث المنهار ، والعروبيين المنتفعين سابقا وحاضرا من خزين البعث المالي ، وطائفيين لم يروا في صدام يوما جزءا منهم لكنهم اتخذوا إعدامه حجة كقميص عثمان للتهجم على الطائفة الشيعية ووصمها بشتى النعوت والأوصاف الغريبة والهجينة التي سطروها منذ سقوط سلطة صنمهم المقبور صدام حسين ضد شيعة علي . وآخرون أصابهم رهاب التحول الديمقراطي الجاري في الأراضي العراقية وخاصة أولئك الحكام من الملوك الجمهوريين الوراثيين وسلطة آل سعود ، وكل محميات الخليج الفارسي ما عدا دولة الكويت . أما أولئك الذين لا يعرفون النطق بلغة الضاد من الفرانكو – آراب فأمرهم أعجب من فعلهم المشين .
أما المعسكر الثاني فقد مثله خليط عجيب غريب من ( الثوريين ) و ( الوطنيين ) و ( المناضلين ) و ( دعاة اليسار العراقي والعروبي والأجنبي ) ، و( المتخوفين على النهج الديمقراطي ) ، و( نزاهة القضاء العراقي ) ، و بعض مدعي الوطنية من الطائفيين الذين لم يستطيعوا كبت مشاعرهم التي أخفوها لفترة من الزمن ، ثم يأتي بعد كل ذلك بعض دور الإعلام التابعة لدول وحكومات غارقة في الرجعية والتخلف والظلام في محميات الخليج الفارسي ، وتشمل كل الإعلام التابع لرجال الحكم والمال الخليجيين والسعوديين المهيمن الآن على الساحة العربية ، ومن يسير في ركابهم من كتاب وصحفيين يمارسون تسطير الحروف تملقا وحفاظا على ما يدفع لهم من أجور جزيلة ، أو ما يسمى بـ ( كتاب الارتزاق ) .
والأغرب إن بعض المتفلسفين من بعض ممثلي أكبر وأكثر قومية في العراق وقع عليها ظلم وحيف البعث والعروبيين بعد شيعة العراق كان بعض ممثليها يصولون في ميدان الكلم والتصريحات الفارغة متباكين على الديمقراطية و(الخرق) الشيعي لها !! . حيث برزت للعيان تصريحات احد ممثليهم وهي تنتقد طريقة ويوم تنفيذ الإعدام ، وقد ظهر وكأنه أصيب بإسهال إعلامي من كثرة تصريحاته وظهوره الممل على بعض الفضائيات والصحف العربية ( الشريفة جدا ) متناسيا الظلم الماحق الذي أوقعه المقبور صدام وحزبه على أبناء جلدته المظلومين .
وترددت رواية مقتل الجعد بن درهم عند أكثر من كاتب إن كان عارفا بالتاريخ أو كان احد الجهلة به كما قرأت لأحد جهابذة الصحافة المغاربة وهو (رشيد نيني ) الذي كتب تعريفا له تحت مقاله المعنون ( تفاصيل إعدام صدام تعكس صورة واضحة عن حكومة العراق ) وفي موقع ( انتخاب كوم ) وبصفة مدير عام ورئيس تحرير صحيفة المساء المغربية ، الذي كتب عن الوالي الأموي الشهير ، وأحد جلاوزة العهد الأموي الطغاة ( خالد بن عبد الله بن يزيد بن أسد القسري ) هذه العبارة التي تدل على جهله وقلة معرفته (عندما خطب الأمير العباسي خالد بن عبد الله القسري في جموع المصلين صباح عيد الأضحى ) ... تصور عزيزي القارئ خالد القسري أمير عباسي !!! ، ولنتصور جهل مدع الصحافة هذا عندما يسطر مقالا ينعى فيه جاهل آخر مثله هو المقبور صدام حسين ، وليس في مقاله سوى شتم العراقيين فقط لا لسبب سوى لكونهم شيعة ( مجوس ) . المؤسف إن الصحفي المذكور يحسب ضمن الأقليات التي استلبها حقها دعاة العروبة الزائفة فهو أمازيغي كان مشردا عن وطنه المغرب في أسبانيا .
لكن ما سرده نيني وغيره إذا أهملنا متعمدين ( فرسان العروبة ) كعبد الباري عطوان وفيصل القاسم ونائحة مصر مصطفى بكري وغيرهم من ( الفطاحل ) ، فما بال الكثير من بعض محترفي الأدب والصحافة العراقيين المحسوبين على الخط الوطني ، أو اليساري الذين سايروا تقليعة أعداء الشعب العراقي ، وسارعوا في نبش التاريخ ليقارنوا بين ذبح الجعد بن درهم على يد أحد طغاة بني أمية الجبارين الوالي الأموي خالد القسري وبين تنفيذ حكم الشعب بصدام حسين في صبيحة عيد الأضحى ؟؟!!
ولكون الحديث عن حادثة ذبح الجعد بن درهم الذي قورنت حادثته بحادثة تنفيذ حكم الإعدام بزعيم مافيا العروبيين صدام حسين فسيرة الرجل تقول : (الجعد بن درهم معلم جهم بن صفوان هو أول من قال بخلق القرآن في أواخر الدولة الأموية ثم طُلِبَ فهرب وقبض عليه خالد بن عبد الله القسري يوم الأضحى بالكوفة، وكان والياً عليها وقال : إني أريد اليوم أن أضحي بالجعد، فإنه يقول : ما كلم الله موسى تكليماً، ولا اتخذ الله إبراهيم خليلاً. ) . وقد كان جهم بن صفوان تلميذ الجعد وغلب اسمه على اسم الفرقة الجبرية لذلك أطلق عليها ( الجهمية ) التي لاقت دعما وتأييدا من الحكام الأمويين للآراء والعقائد التي تتلاءم ومبادئهم السياسية. ويُذكر إنهم أشاعوا فكرة الجبر لتوطد دعائم حكمهم ولذا نجد إن القول بالجبر شاع في بداية العصر الأموي، وقد اعتبر من خصائص الفرقة الجهمية، وذكر ابن حزم إنهم قالوا : إن الإنسان مجبر على أفعاله، وجعلوا أفعال العباد اضطرارية طبيعية كفعل النار للإحراق بطبعها وفعل الثلج التبريد بطبعه.
وكان الجهم بن صفوان أحد كبار الدعاة لها في خراسان لتوطيد الحكم الأموي، فالعامل السياسي أضفى على هذه النحلة صبغة دينية، والهدف من ورائها تثبيت أركان الحكم الأموي . فالأصل إن هناك فرقة كانت موالية لبني أمية في أول بداية حكمهم ومن ثم انقسمت هذه الفرقة لاثني عشر فرقة . وعندما ناصر الجهم بن صفوان احد الخارجين على بني أمية في خراسان وهو حارث بن سريج ، تم تغيير موقف الدولة منها .
وحتى لا يقع الصحفي المغربي ( رشيد نيني ) في خطأ تاريخي معلوماتي بسيط جدا فـ ( خالد القسري ) هو : (خالد بن عبد الله بن يزيد بن أسد القسري نسبة لقبيلة قسر, من بطون بجيلة. بجلي الأصل من أهل دمشق . أمير العراقين وأحد خطباء العرب, ولاه الوليد بن عبد الملك على مكة سنة 89هـ, ثم ولاه هشام بن عبد الملك العراقين "البصرة والكوفة" سنة 105هـ خلفا لعمر بن هبيرة, فأقام بواسط وجعلها مقر الإمارة وولى نائبا عنه في كل من البصرة والكوفة, وطالت مدة إمارته نحوا من 15سنة أقر في خلالها الأمن والسلامة في العراق .
واتهموه بتقريب اليمانية إليه باعتباره يمني الأصل, وتحوله عن القيسية , واتهموه بتسامحه مع الطوائف الدينية الأخرى وخاصة النصارى إكراما لأمه النصرانية التي احتفظت بدينها وبنائه كنيسة لها بجوار الجامع. وقد كثر أعداؤه واضطر هشام بن عبد الملك لعزله فعزله سنة 120هـ وولى مكانه يوسف ابن عمر الثقفي, فقبض عليه وسجنه وعذبه وأمر بمحاسبته, ثم أطلقه بأمر الخليفة. ولما تولى الخلافة الوليد بن يزيد سنة 125هـ أمر بالقبض عليه وأرسله إلى عدوه يوسف بن عمر الثقفي, أمير العراق, فأخذ في تعذيبه . ) . وقد ابتدأ خالد خطبته في مسجد الكوفة صبيحة عيد الأضحى بهذه العبارة (ضحوا تقبل الله ضحاياكم ، فإني مضح بالجعد بن درهم ) ،ثم نزل من على المنبر شاهرا سيفه وذبح به الجعد بن درهم الذي كان مقيدا عند قائمة المنبر . وقد تم تعذيب خالد القسري من قبل يوسف بن عمر الثقفي ومات ميتة شنيعة في شهر محرم من سنة 126 هـ .
ومن رأيي المتواضع هو أن على الحكومة العراقية أن ترد على كل من شمر عن ساعديه واعترض على يوم وطريقة تنفيذ الحكم بصدام حسين بأن لا الشرع ولا الأخلاق تمنع تنفيذ الحكم في أي ساعة أو أي وقت طالما إن هناك سيادة وطنية وقرار شعبي اتخذته الأغلبية الحاكمة . وليس لأحد كائنا من كان الاعتراض على طريقة ووقت التنفيذ لان صحيفة صدام تتزاحم بجرائم لا حصر لها ولا عد . وإذا كان البعض يستهجن ويطالب بمحاسبة من هللوا وكبروا من الحضور ، فنحن أيضا بسطاء العراقيين ممن وقع علينا ظلم النظام نطالب بالمثل بمحاسبة كل شرطي امن ورجل مخابرات وكل أفراد الحرس الجمهوري والحرس الخاص والأمن الرئاسي والأمن الخاص وكل الضباط والرتب العسكرية ممن تعدى على أبنائنا وبناتنا وزوجاتنا وهتك أعراض العراقيين أو قام بطمرهم في القبور الجماعية التي شاركت وساهمت في تنفيذ جرائم حلبجة والأنفال والاهوار ، فليس صدام حسين وحده من قام بذلك لأنه كان فقط من يصدر الأوامر ، لذا نطالب ووفق القانون بمحاسبة كل المنفذين ، فهل سيقف من رفع عقيرته بالاعتراض على زمن ووقت وطريقة إعدام المقبور صدام حسين معنا ويؤيد نفس مطالبنا ؟؟!! . علما إن الكثير منا لم يجد لحد الآن جزءا من رفات أحبته ، لان أي من القتلة والمجرمين لم يدل على بقية المقابر الجماعية ، لا بل زاد من عدد الضحايا فهل نرأف بهم بعد ذلك ونتودد إليهم وهم على مشنقة الحق ؟؟!! .
انتظر رد الجميع ممن لطم أو شق قميصه على المقبور ، أو تمثل بالتاريخ ، وخاصة فرسان الصحف التابعة للدول الإقليمية – أي دول الخليج الفارسي - من المثقفين المتفيقهين الذين وجدوا الذرائع والحجج بعد تنفيذ حكم الشعب بالمقبور صدام حسين لكي يزيدوا من تملقهم وتشدقهم بمفاهيم العدل والحرية التي لا وجد لها في قاموس الطغاة .آخر المطاف : ( إن لم تكونوا عربا أو مسلمين ، فكونوا أحرارا في دنياكم ) ... سيد الشهداء الحسين بن علي* شروكي من بقايا القرامطة وحفدة ثورة الزنج
https://telegram.me/buratha