( بقلم : وليد عبد الأمير علوان )
لماذا كشر بعض الأخوة العرب عن أنيابهم الحقيقية بعيد إعدام الطاغية، وتوالت ردود أفعالهم المتشنجة تجاه إخوتهم في القومية والدين، واسقطوا ورقة التوت التي كانت تستر عوراتهم؟ ولماذا لم تظهر مثل هذه الردود تجاه أعمال أكثر إثارة في طول الوطن العربي وعرضه؟ لقد سجلت هذه الحادثة مواقف عجيبة وغريبة، فهناك امرأة جزائرية تلقي بنفسها من الطابق الثالث من البناية التي تسكن فيها لتقع جثة هامدة على الأرض، لدى سماعها نبأ إعدام صدام، ومغربي يقدم على شج رأس زوجته بسكين كان يقطع به لحم خروف الأضحى، حين قالت له زوجته إن صدام (يستاهل)، في تعقيبها على خبر إعدامه، والأخوة في فلسطين المحتلة ومن مختلف التيارات والاتجاهات يخرجون بمظاهرات صاخبة للتنديد بهذا الإعدام، ويستخدمون أقذع الألفاظ والشتائم بحق مراجع الدين الأعلام، وتقام سرادق العزاء في المدن الأردنية (لشهيد الأمة العربية !!!)، ويجهش وزير تربيتها (محمد العوران) بالبكاء، لدى سؤاله عن شعوره لدى سماعه خبر الإعدام، واللجان الشعبية في جماهيرية القذافي، (الذي أمر بإعلان الحداد)، والذي وصف صدام عام 1990 بأنه (ليس حاكما بل لص وزعيم عصابة)، تقرر إقامة تمثال له وسط العاصمة طرابلس، جنبا الى جنب مع تمثال عمر المختار، وثلة من المؤمنين في (اليمن السعيد)، بعد أن أفاقت من تأثير نشوة (القات)، تملأ شوارع صنعاء بالصراخ والعويل وتذرف الدموع الحارة لما آل إليه مصير (فارس الأمة)، وتطلب حكومتها دفن جثته في تربتها.
وفي القاهرة وحيث يرفرف علم دولة (بني صهيون) كما كان يسميها الأخوة أهل الكنانة، بكل شموخ وإباء على إحدى بناياتها، تنظم نقابة المحامين المصريين، (والتي تحمل احد أعضائها عناء السفر وخطورة البلد، شرف الدفاع عن الطاغية في المحكمة)، مظاهرة احتجاج وتنديد، وكان ابرز الوجوه في هذه التظاهرة، المناضل (مصطفى بكري)، احد أبطال عمليات (كوبونات النفط)، في الوقت الذي وصف فيه حاكمها (المبارك) عملية الإعدام بأنها همجية ومقززة، ربما لأنها لم تجر على شاكلة ما كان يجري في (أبو زعبل) و (ليمان طرة). أما ما جرى في مدينة ديترويت الأمريكية من هجوم على مساجد الجالية العراقية وتكسير واجهات محلاتهم من قبل ثلة من الأعراب، والتي أثارت استغراب حتى (الهنود الحمر) في أمريكا، فهي وصمة عار في جبين المتباكين على الطاغية. ولم يختلف موقف الصحافة عن ذلك بكثير، فقد انبرت كثير من الأقلام لتشجب هذا العمل اللا إنساني، ولعل أطرف ما جاء فيها، هو توصل احد الكتاب الأردنيين الى استنتاج خطير، وهو (إن شعبية إيران والشعب الإيراني قد وصلا الى أدنى مستوى لهما في أوساط الشعب الأردني، لأنهما اظهرا مباهج الفرح لهذه العملية)، وطالب بغلق السفارة الإيرانية في عمان. الحديث عن الفضائيات العربية في هذا الصدد يحتاج الى مطولات، ويكفي أن تشاهد (الجزيرة) القطرية، لترى مظاهر الحزن والحداد مرتسمة على وجوه مقدمي البرامج ونشرات الأخبار. مقابل هذه المواقف المشينة لم نفاجئ بموقف شريف لإخوة يجري في عروقهم الدم العربي، حين طالب البرلمانيون في الجارة الكويت بمقاطعة الدول التي وقفت هذا الموقف من عملية الإعدام، بل وحتى إيقاف صرف المساعدات التي تقدم للفلسطينيين، و ظهرت صحيفة (الوطن) الكويتية في اليوم التالي من إعدام الطاغية بمانشيت عريض يحمل كلمتان فقط تختزلان مشاعر الأخوة، الذين غزاهم صدام ظلما وعدوانا وهما (موتة الجلب)، وتحولت (الديوانيات) الى مجالس لاستقبال التهاني صبيحة يوم إعدامه بهذه المناسبة، بدلا من التهاني بعيد الأضحى المبارك.
وباختصار شديد إن مواقف الأخوة العرب يمكن أن تندرج ضمن ثلاث خانات:الأولى: هي (المتضررة) والتي لها الحق وكل العذر في ذلك، وتستحق أن نعزيها ونسأل الله أن يعوضها بمن هو خير منه، حيث كان عليها هذا الحادث الأليم كوقع الصاعقة، لأنها كانت تنظر الى صدام على انه منجم الذهب، والخزنة التي لن تفرغ، والمعين الذي لا ينضب، حيث أغدق عليها بالعطاءات في سابقة ليس لها مثيل، ولم يقم بها ملك او زعيم او رئيس دولة، من الأولين والآخرين وهي (إشباع الجيران وترك أهل البيت جياع). ففي الوقت الذي كان فيه الراتب الشهري للموظف العراقي في منتصف التسعينات لا يزيد على دولارين، والراتب التقاعدي لمن لم يكمل (25) سنة خدمة لا يزيد على (50) سنتا، كل ثلاثة أشهر، كانت كل عائلة من عوائل قتلى الانتفاضة من الفلسطينيين تتسلم ما يعادل (25000) دولار، وكلمة الحق التي يجب أن تقال، إن بعض من كان يستلم هذا المبلغ من مبنى السفارة العراقية في عمان، كان كريما لدرجة الجود، حيث يقوم بتوزيع (الخردة) على المساكين من العراقيين الذين كانوا يفترشون الأرض، أمام مبنى السفارة، وعيونهم تشكوا الى بارئهم هذا الظلم والهوان.
أما الثانية، فهي (المخدوعة)، والتي كانت تنظر إليه على انه (رمز الأمة العربية)، و (البطل الأسطوري)، وأول زعيم عربي ضرب تل أبيب بالصواريخ، وقض مضاجع اليهود، حتى اضطروا الى دخول الملاجئ، وارتداء قناع الوقاية خوفا من الأسلحة الكيمياوية، والتي لحسن حظهم كانت قد نفذت من المخازن، حيث كان صدام قد حولها وعن طريق الخطأ، لتضرب أهالي حلبجة المسالمين، وتترك أكثر من (5000) شهيد والآلاف من المرضى والمعوقين، وبالنسبة لهؤلاء المشبعين بقيم البداوة والشجاعة الزائفة فانه بموته انتهى آخر حلم لهم في ظهور (صلاح الدين) جديد.
أما الثالثة فهم (الحاقدون) من العرب، والذين لم يرق لهم رؤية عراق جديد يسير بخطى وئيدة نحو بلوغ الديمقراطية، والتخلص من التسلط الفردي، وحكم الأقلية، والحزب الواحد، وكل ما تحمله الحقبة السابقة من الحكم من ظلم واضطهاد، وهؤلاء قد ابتدعوا النظرية التي تقول: انه من باب احترام القوانين الدولية، ومراعاة حقوق الإنسان، والأعراف (المزعومة)، فانه لا يجوز إعدام رئيس دولة، مهما بلغت جرائمه.نقول لهؤلاء جميعا، إن إرادة الله سبحانه وتعالى هي فوق كل إرادة، وان العدالة الإلهية، وإحقاق الحق، والاستجابة لدعوة المظلومين، وتطبيق حكم الله على أرضه هي التي قادت هذا المجرم الى مصيره المحتوم، (ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب)، وان عجلة الزمن سوف لن تدور الى الوراء، وان التاريخ والأجيال القادمة سوف تلعنهم لعن عاد وثمود.وليد عبد الأمير علوانالرابطة الإعلامية للمبرات العراقية
https://telegram.me/buratha