( بقلم : وداد فاخر * )
مقدمة :من خلال متابعة للتاريخ العربي يلاحظ وجود صفة متغلبة تتعلق بالشعوب الناطقة بالعربية ، فهي تستلهم التاريخ البعيد في تخيل غريب في كل مشاريعها وتصوراتها المستقبلية ملقية بكل طموحاتها وأمانيها الآنية والمستقبلية على شخص واحد احد وفق النظام الأبوي الذي يتبع بدون دراية ولا فهم شخصية الأب القائد منذ يوم كان شيخ عشيرة فإقطاعي فقائد سياسي . ووصل الحد بهم لتقديس حتى جلاديهم ورسم هالة حول شخصياتهم ، ونسج القصص الخرافية حول أبطال وهميين لم يصدر منهم سوى القتل والدمار للكثير منهم . فما من شعب على وجه الأرض يقدس وبطريقة عجيبة قتلته وجلاديه ومسببي الكوارث له غير العرب . وتاريخ العرب المزيف الذي وضعه الخلفاء والسلاطين من خلال كتبتهم ووعاظهم حافل بقصص الخنوع والصبر والطلب بتحمل المصائب . وقد اغرقوا كتب التربية بأمثال وحكم تصب كلها في صالح الخلفاء والسلاطين الذين أطلقت عليهم تسمية ( ظل الله في أرضه ، والحاكم بأمر الله ) . وترك المواطن المسكين طعمة للجوع والفاقة والمرض وسط مقولات وحكم فارغة من باب ( القناعة كنز لا يفنى ، والصبر مفتاح الفرج ، وخليها على الله ، ورزقكم في السماء وما توعدون ... ) ، وغيرها من السفسطات البلاغية الفارغة ، بينما الحكام والسلاطين يعيشون في نعيم ما بعده نعيم . وقدست كتب التراث والتاريخ المزيف طغاة وقتلة ومجرمين على مر التاريخ ، ودونت حياتهم على نمط حياة الآلهة ، كمعاوية ابن أبي سفيان وابنه يزيد ، ومروان بن الحكم وأولاده وحفدته ، والحجاج بن يوسف الثقفي ، والمهلب بن أبي صفرة ، وأبي جعفر المنصور وأولاده وحفدته من القتلة والمجرمين ، والسلاطين العثمانيين سبب التخلف والدمار للشعوب العربية ، ووضعت خطوط حمراء يصعب تجاوزها على من يفكر بالاعتراض وتوجيه مجرد نقد عادي لحياتهم ، وترك لعسس السلطان المنبثين وسط الشعب ، أو الرعاع كما يحلو للبعض تسميتهم لكي يتم القصاص العادل من المتجاوزين منهم .لذلك سارت الحياة الثقافية العربية وفق نمط أبوي خاص بتقديس القادة والحكام المجرمين السالفين ، لينعكس ذلك أيضا كنتيجة حتمية على الحكام الحاليين .الماسوشية العربية :وقد عرف التاريخ القديم والحديث شخصيات عديدة لقادة وخلفاء وسلاطين وحكام أذاقوا الشعوب الويلات ، ساعدهم في ذلك فتاوى دينية ومحاباة لرجال دين مسيسين ، وتزييف لمقولات نبوية من باب ( تجوز الصلاة خلف إمام فاسق ) ، و ( الحاكم المسلم الظالم خير من الحاكم الكافر العادل ) ، متمسكين بتفسير خاطئ ومبرمج للآية القرآنية ( وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ). ونظمت عملية الطاعة وفق آليه اتوماتيكية لترسيخ سلطة الحاكم وعدم الاعتراض على مجمل تصرفاته ، ضمن التفسير السابق والمتهادن معه ووفق ضمان آلهي بحت لا يقبل الجدل ولا النقاش . مما ساعد على تثبيت سلطات الحكام وبقائهم على كراسي الحكم والسلطنة وفق الصيغة الآلهية ، وتجاوزهم على حقوق العامة ، وتماشيهم في الظلم والاضطهاد ، والتاريخ القديم والحديث زاخر بقصص وحكايات غريبة عن حكام وولاة وسلاطين جيرت كلها لصالحهم ، ونسجت قصص وحكايات خرافية ضد منتقديهم والثائرين على سلطانهم الباغي . فكما كانت تهم كالزندقة ، والشعوبية توجه للثوار ورجال القلم والفكر في العصور القديمة ، فقد أصبحت الأفكار التحررية النيرة ، والديمقراطية تهمة العصر الجديد . وكان ولا زال النهج التربوي هو هو في تمجيد الحاكم وتأليهه في الأول يوم كان ظل الله في أرضه والحاكم بأمره ، وتبدلت صورة الحاكم ليكون القائد التاريخي والمعلم والملهم . ولا تكون الصلوات إلا للدعاء له لكي يحفظه الله للأمة ويديم بقاءه على سدة الحكم .ولذلك تولدت عند أجيال عديدة حالة مرضية ماسوشية تتلذذ بتصرفات الحاكم الآله وتنصاع لأوامره ، وتسير بدون وعي لحتمها عند غضب الحاكم لأي هفوة أو فلتة لسان من أي من الرعية ومهما كانت درجته ومكانته بالنسبة للقائد الفرد . حالة تمجيد مسببي الخراب والهزائم :وبمقارنة جدا بسيطة نرى إن كل قادة وحكام العالم المتمدن ما عدا حكام العرب والمسلمين وبعض دول العالم الثالث ، تتم محاسبتهم على ما يقترفونه من أخطاء ، وحروب عبثية ، وكوارث تحيق بشعوبهم نتيجة تصرفات حمقاء ، وأفكار شيطانية ، تجلب الدمار ومشاريع موت بالجملة لشعوبهم، ماعدا الشعوب المتخلفة ومنها الشعوب العربية فالقائد أي قائد ما ينطق عن الهوى ، ولا تجوز مسائلته مطلقا كونه ظل الله على الأرض ، وحامي حمى الإسلام ، وغيرها من المسميات التي درج شعراء السلطان ومتملقوه إطلاقها يوم كان هناك خلفاء وسلاطين ، ورجال صحافة وإعلام عندما وصلنا لمرحلة ( التمدن ) في العصر الحاضر . فإذا خسر القائد معركة فهي كبوة فارس لا غير ، وإذا وقعت كارثة فالطبيعة هي السبب دائما ، أو يتم إلقاء تبعتها على الإمبريالية وإسرائيل . وهكذا يعامل الحكام منذ بدء نظام السلطنة الإسلامية المتجبر في السنة الأربعين للهجرة عندما نصب معاوية ابن أبي سفيان نفسه خليفة على المسلمين منهيا زمن الخلافة الراشدية التي انتهت بتنازل الإمام الحسن المجتبى ، وبدا بذلك عهد من السلطة الدنيوية باسم ( دولة الخلافة ) ، ولم ينتهي إلا بسقوط الخلافة العثمانية في العام 1924 م / 1342 هـ . أي إن فترة الخلافة الإسلامية بما فيها من عهود مظلمة وحروب لأجل امتداد السلطة للهيمنة على العالم لا لأجل نشر الإسلام بل لأغراض دنيوية اقتصادية وسياسية بحتة ، ولسبي الجواري والغلمان امتدت ثلاثة عشر قرنا ، كانت معظمها عهود سوداء مظلمة جيرت تاريخيا لصالح الحكام والملوك والسلاطين ، وكتبت على مزاج وذوق ما دفعه كل حاكم من الدنانير للكتاب والمؤرخين ووعاظ السلاطين.لذلك فحالة الشعوب العربية حاليا هي امتداد طبيعي لتلك ألازمان التي كان الحاكم فيها معبودا بقوة المال والسلطة والعسس من قبل الشعب . وأطلقت تسميات على العهود والحكام ، من قبل المؤرخين حسب قرب ومكانة المؤرخ أو خوفه من الحاكم الفرد الذي كان يحكم بأمر الله !! . وحرموا الخروج على الحاكم مهما فعل وذلك درءا للفتنة كما يدعون فهم يقولون : (إمام عادل خير من مطر وابل. و إمام غشوم خير من فتنة تدوم ) ، ولذلك ينقلون عن عبد الله بن عمر بن الخطاب انه قال : (إذا كان الإمام عادلاً فله الأجر و عليك الشكر ، و إذا كان الإمام جائراً فله الوِزر و عليك الصبر ) ، وبذا قطع طريق الخروج على الحاكم الظالم مهما بدر منه ، وبهذا الأسلوب الديماغوجي وثقافة الهيمنة الكلية ، وطرق تركيع الجماهير للحكام من قبل وعاظهم ورث العرب ثقافة الخنوع للحاكم والتعلق به والتصفيق له والحمد والتمجيد باسمه .الشيزوفرينيا العربية :كما ورث المواطن العربي حالة الانفصام الشخصي في التعامل مع الحدث ( الشيزوفرينيا ) وبطريقة غريبة للغاية ، فإضافة لكون الحاكم هو ظل الله في أرضه ، ويستحق القداسة فهو منزه أيضا عن كل خطأ ، وحتى لو اخطأ فهو غير معرض للسؤال مثل بقية عامة الشعب ، وإذا وردت أخبار أو أحاديث عن الحكام الظلمة فهي كما يقول المؤرخون في السابق أو وسائل الإعلام في الحاضر موضوعة ، أو ملفقة ، حيث ترمى جريرة تلفيق الأحاديث سابقا على المنافقين والزنادقة الخارجين على ( شرعة الله ) في شخص خليفته على الأرض ، بينما تلقى في العصر الراهن على أعداء الشعب والثورة ، وعلى الاستعمار وعملائه والطابور الخامس وإسرائيل ، خاصة في الجمهوريات العربية الوراثية الشبه ملكية الحديثة ، وأضيفت إليهم جميعا بعد تحرير العراق من ربقة النظام الدكتاتوري الفاشي جمهورية إيران الإسلامية أو ( الصفويين ) كعدو لدود يتمثل في شرع القومجيين والاسلامويين الجدد من الوهابيين .لذلك فـ ( القائد ) التاريخي أو القائد الضرورة له أن يفعل ما يشاء ، وعلى الشعب أن يقدم له فروض الولاء والطاعة مهما عمل أو فعل . فهو الأب والقائد والمعلم وهم دائما بموضع الرعية عملا بمبدأ ( كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ) أي انتفى هنا دور الشعب ، وأصبح تابعا فقط ، فهم في عرف الحاكم وخاصتة رعية فقط . توالي شخصية القائد الضرورة : وفي البدء أي في أول عصر الخلافة الملكية المطلقة انتفت مسألة الشورى التي كانت تقيد الحاكم بصورة شكلية كما حددها قول الباري عزوجل ( وما كان لمؤمن ولا لمؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ) – الأحزاب 26 -، وهي نفي مطرد لـ ( وأمرهم شورى بينهم ) و ( شاورهم في الأمر ) . وأصبح الخليفة سلطانا جديدا يستند في حكمة المطلق على فتاوى ورجال دين وحاشية من المتملقين من الشعراء والقضاة الذين يأتمرون بأمر الخليفة . هكذا أرادها بنو أمية ملكا عضوضا توالت معه شخصياتهم الكاريكاتورية الملهمة للجماهير بالبطولة الزائفة والعدل الذي لا وجود له ، والحكم باسم الدين الذي لا وجود له أيضا إلا في مخيلة الشعراء والقضاة وحاشية السلطان ووعاظه المأجورين ، كذلك كان هذا ديدن خلفاء بني العباس ، وسار حكام العصر الحديث على خطى أسلافهم فهم القادة ، وحماة الدين ، وعصب الحياة . وقد ظهرت شخصيتين متسلطنتين في العصر الحديث اتخذت من القومية العربية وسيلة لإدامة حكمها وتسلطها وسط ديماغوجية إعلامية هائلة كانت بديلا عن شاعر البلاط في العصور القديمة والمتأخرة ، ومداحي السلطان والشخصية الأولى استخدمت الشعور القومي الفياض ما بعد زمن المستعمرين فيما سمي في وقتها بزمن حركات التحرر الوطني ، ووظف كل بلاغته الخطابية من اجل السيطرة على الشارع العربي ، وسط تخبط سياسي غطت عليه تلك المرحلة التي حفلت بوجود العالم الاشتراكي العامل المساعد على بروز تلك النماذج ( الثورية ) الغريبة ، ونسبة الأمية المفرطة لدى الشعوب العربية . بينما استفادت الشخصية الثانية من الوفرة المالية التي وفرتها الطفرة المالية في أسعار النفط ، واستغلال سمة حزبية معينة لحزب فاشي سيطر على الشارع السياسي وتحول تدريجيا من حزب يدعي الجماهيرية لعصابة سيطرت على الدولة وسخرتها لأغراضها الشخصية ، ثم لمجموعة فعشيرة فمجرد عائلة تقتل وتغزو وتدمر وبيدها كل مقاليد السلطة . وظهرت مفاهيم جديدة وفق ذلك النموذجين الناصرية نسبة لجمال عبد الناصر ، والصدامية نسبة لصدام حسين ، وكلا النموذجين قدم من المآسي والهزائم للشعوب العربية ما يفوق التصور والخيال الإنساني العادي . وعودة لما أصاب العرب من هزائم زمن الناصرية نرى مدى الجهل وقوة تعذيب النفس التي تترسخ داخل الذهنية العربية التي تمجد البطل القائد وتصوره دائما في صورة المنقذ ، وتضخم شخصيته عن طريق الأغاني والأفلام ، رغم طغيانه وهزائمة الشنيعة ، فمن أغان ( يا جمال يا حبيب الملايين ، وناصر .. يا حبيب الشعب يا ناصر ، وراجعين لقوة السلاح ) ، ووقع الحيف حتى على الاطفال الذين أصابتهم لوثة الكبار عند تسميتهم تيمنا باسم القائد وبدون رغبة منهم بأسماء ناصر . ومر مولد تمجيد القائد بفيلم ( الناصر صلاح الدين ) الذي يعكس إسقاطات تاريخية على الواقع الحاضر في صورة بطل سيحرر القدس هو ناصر الذي يتماثل في الاسم مع القائد السابق الناصر صلاح الدين ، حتى ساعة هزيمة جمال عبد الناصر المخزية ومعه كل الدول العربية مجتمعة في حرب الأيام الستة ، وهو مصطلح خاطيء أصلا كون المعركة أدارها طرف واحد وهو إسرائيل ولعدة ساعات استسلم فيها العرب مجتمعين وبدون قتال ، وفقدوا بقية أراضيهم يوم 5 حزيران 1967 ، وتم احتلال قطاع غزة كما كانت تسميه مصر التي كانت تهيمن عليه بعد الحرب العربية الإسرائيلية الأولى العام 1948 اثر قرار التقسيم من قبل الأمم المتحدة ، وكل صحراء سيناء المصرية ، والعريش وشرم الشيخ في مصر ، ومضائق تيران . وفقدت الأردن الضفة الغربية والقدس الشرقية التي كانت تسيطر عليهما وفق القرار السابق والتي يقع فيها المسجد الأقصى . بينما فقدت سوريا مدينة القنيطرة ومرتفعات الجولان . ومع كل تلك الخسائر الجسيمة والكارثة القومية والنفسية والأخلاقية خرجت الشعوب العربية المسيسة تهتف للقائد الفذ في طريقة غريبة بجلد الذات وتاليه القائد ضمن مقولة ( ما خسرنا الحرب لكن بل خسرنا معركة ) ، طالبة منه أن يعود للسلطة بعد استقالته كرئيس للجمهورية ملقية سبب الهزيمة العربية المريعة على نفس أعداء الشعب السابقين . ولا زالت للآن بعضا من الأراضي العربية محتلة رغم إن الأراضي الأخرى استعيدت بالتنازل والمفاوضات المذلة ، لا عن طريق الحرب ، كما كان يروج الإعلام العربي السلطوي تحت شعار ( ما اخذ بالقوة لا يسترجع إلا بالقوة ) .وجاءت الصدامية كمفهوم عروبي مناوب لشخصية عبد الناصر السابقة وانعكاس لشخصية قائد العشيرة ومن ثم الخليفة الحاكم بأمر الله لتؤسس لمفاهيم سياسية – قبلية وضعت أمام ناظريها حاجة القبيلة القديمة في السلب والنهب والقتل المشرعن باسم الدولة ، ولكن ضمن إطار جديد تداخل مع الدولة الحديثة ، وتصاهر معها . بعد أن تأسست جيوش حديثة ، ومؤسسات إدارية استوعبت إداراتها أبناء العشيرة والنخبة السياسية الحزبية ، ورفعتهم من متريفين رعاة حفاة عراة إلى دهاقين جدد . وكخليفته عبد الناصر سار صدام حسين على ذات النهج الأول في إشعال الحروب العبثية في المنطقة ، ولكن بطرق جديدة لتحرير فلسطين حيث كان هناك طريقين للتحرير الأول انطلق من مدينة خرمشهر – المحمرة – الإيرانية باتجاه القدس حسب المفهوم الصدامي للجغرافية والتاريخ ، والثاني من الكويت ، وكلا الطريقين أضافا لمآسي ومشاكل العراقيين والمنطقة الكثير مع جرائم حلبجة والأنفال وضرب الاهوار ، والمقابر الجماعية. واستخدم الإعلام البعثي الصدامي نفس الأدوات السابقة من أغان تمجد القائد الفرد وتضعه في مصاف الملائكة ، ورفعت شعارات وخطاب حماسى تهييجى من نمط ( إذا قال صدام قال العراق ، ومن ليس منا فهو ضدنا ) وتغنى حتى أطفال رياض الأطفال بأغان تأله ( بابا صدام ) وصكت أسماع الجميع أغان يمجها الذوق العام بدءا من ( جيش وشعب يحله ، العزيز إنت ، وحياك يابو حلا ) ، وتم التحضير لدمج شخصية القائد الضرورة بشخصية تاريخية سابقة كـ ( سعد ابن أبي وقاص ) ، لشرعنة الحرب التي كانت تدور في مخيلة القائد مع إيران قبل قيامها ، فكان فيلم ( القادسية ) الذي لاقى فشلا ذريعا رغم ميزانيته الهائلة والاستعانة بممثلين وكادر مصري كبير أولهم المخرج صلاح أبو سيف والممثل عزت العلايلي .وعودة لمفهوم البطولة العربية نرى إن التعلق بتعذيب النفس يدخل كعامل أساسي مهم في كل تصرفات وتفكير الإنسان العربي المشبع فكريا بقصائد البطولة الزائفة ، والقصص الخيالية عن عنترة والزير سالم التي خلقت نمطية دراماتيكية داخل الذهنية العربية ، فحولت هزائم عبد الناصر وعنتريات صدام حسين إلى بطولات فارغة ملأت بها صفحات الجرائد والذهنية العربية القبلية المريضة ، ونمطت لشيوع خراب ثقافي بين جموع كبيرة من أبناء الجيل الجديد من بسطاء الناس وأنصاف المتعلمين . وبمراجعة بسيطة لحصاد حروب عبد الناصر الفاشلة نرى آلاف مؤلفة من الفلسطينيين تضمهم دول الشتات بعد احتلال أراضيهم ، وتشرذمهم في دول العالم ، إضافة للخسائر البشرية في الأرواح والأموال وتراجع الاقتصاد المصري الفقير ، ومع كل هذا لا زال نفس النمط التعبدي لشخصية القائد البطل مترسخ كمفهوم بلاغي لدى الكثير من فقراء الفلسطينيين المغيبين فكريا بواسطة الإعلام العربي السياسي المظلل ، وبعض المواطنين العرب الذي يعيشون على زاد الإعلام العربي المسيس .أما ما حصل في حروب صدام الداخلية والخارجية فأمر يفوق الوصف والتصور البشري ، فهناك أكثر من مليون ونصف المليون معوق وقتيل عراقي ، وتخريب كامل للبنى التحتية العراقية ، واحتلال للأراضي العراقية ، وخسارة لا تحصى في الاقتصاد العراقي ، وتخريب البيئة وتشريد الإنسان والحيوان ، وتدمير كبير لحضارة وتراث وادي الرافدين . وأكثر من أربعة ملايين عراقي مهجر في أنحاء المعمورة . وخسائر جسيمة في الجانبين الإيراني والكويتي ، وتصفيات لمواطنين مصريين جاؤوا للعمل بتشجيع من دولة البعث أيام الحرب العراقية – الإيرانية ليعودوا بعد ذلك داخل توابيت مغلقة بعد أن صفتهم المخابرات العراقية . وحدث نفس الشئ مع طلاب أردنيين كانوا ضمن كادر وطلبة الاتحاد الوطني التابع لحزب البعث . وتم كذلك تصفية طلبة علوم دينية من الشيعة اللبنانيين الدارسين في الحوزات العلمية في النجف الاشرف ، وعدد كبير من المواطنين العرب ، وبعض القادة الفلسطينيين كـ (عز الدين قلق ) .وكما حصل في عهد عبد الناصر فقد كان لحروب صدام تأثير مباشر على قضية العرب المركزية كما يطلقون عليها ، فتم تشريد 400 ألف فلسطيني من الكويت كانوا يساعدون ما يقارب من مليون فلسطيني داخل الأراضي الفلسطينية عندما كانوا أجراء في الكويت وبوظائف ومناصب مختلفة . كذلك تم على اثر هزيمة الكويت عقد اتفاق اوسلو ، وتشرذم القوى الفلسطينية بين مؤيد ومعارض لها .ومع كل ما حصل من الشخصيتين ( التاريخيتين ) بنظر العروبيين ، فلا زال البعض من العرب ينظر لكل ما قاما به من كوارث على إنه ( بطولة ) ضمن نظرية البدوي العربي الذي يمجد ويأله شيخ العشيرة الذي يسرق وينهب ويغزو لكي يديم سلطته رئيسا مطلقا على العشيرة . التعصب الطائفي رديف التعصب القوميوظهر توصيف جديد بعد سقوط نظام صدام حسين ، وزوال سلطة حزب البعث الفاشية ، فبزوال حزب البعث ذهبت كل عطايا السلطان وزالت هيمنة العائلة والعشيرة التي كانت متسلطة على كل شئ في العراق من قبل القائد الفرد ووجدت بقايا المتريفين من قرى العوجة وراوه وعانه والفلوجة وبقية قرى وبلدات لا تتقن سوى صنعة الحرب والقتل داخل أقبية المخابرات وغرف الأمن المغلقة زمن الدكتاتورية من اهالي المناطق الشمالية الغربية والغربية من العراق . وبرزت للوجود مصطلحات بعثيه تتوافق والمفهوم البعثي للتسلط على الدولة والاستحواذ على كل مؤسساتها وخيراتها ، فظهرت مصطلحات ومفاهيم جديدة مثلها مثل مصطلحات أيام الحرب الكارثية ضد إيران كـ ( الصفويين والعجم ، وأبناء ابن العلقمي وخدم الاحتلال ) ، وأصبح التعصب الطائفي رديفا للتعصب القومي ، وأطلق على خيرة أبناء الجنوب المنحدرين من اتحادات العشائر العربية الكبيرة التي استوطنت العراق منذ القرن التاسع عشر وساهمت في اعادة بنائه بدعم من الوالي التركي داود باشا وبقية الولاة العثمانيين كاتحاد المنتفك ، وبني حجيم والسواعد وبني لام وكعب وتميم والجزء الآخر المتشيع من شمر وعنزة بـ ( عجم وصفويين وأبناء ابن العلقمي ) ، وعادت أحقاد الجاهلية جلية واضحة بعد أكثر من أربعة عشر قرنا ، وبعد أن تسيد الساحة السياسية باسم سنة العراق غلاة الطائفيين من بقايا المستعربين الجدد الذين وجدوا في التعصب القومي والطائفي ملاذهم الوحيد بعد أن خسروا كل شئ بذهاب السلطة التي تداولوها خلال ثلاثة عشر قرنا ونيف .الخاتمة :تساؤلات عدة تطرح نفسها حول ما سيكون عليه الوضع السياسي العراقي ومدى نجاح العملية السياسية في الوقت الراهن ، ومدى نجاح التوجه الديمقراطي ؟؟!! . لكنه وللآن لم يدور في ذهن احد أي طرق ناجعة وسريعة لحل مرتقب سريع ، وسط شيوع مفاهيم معادية للآخر ، ونافية له ، وفي جو هستيري نهم للعودة للسلطة ولو على أجساد جميع العراقيين من قبل البعثيين الفاشست وحلفائهم التكفيريين ، فقد قالها زعيمهم المقبور صدام حسين في العام 1969 وفي ملعب الشعب ( لقد جئنا للسلطة بالدم ولن نخرج إلا بالدم ) . * شروكي من بقايا القرامطة وحفدة ثورة الزنج
https://telegram.me/buratha