( بقلم : وداد فاخر * )
غبت بعيدا والمريد يردد أبياته الشعرية بهدوء وسكون ، بينما أبو العلاء المعري يسبح بحمد الباري على طريقته الخاصة . وتروحنت والمريد يردد بشوق ( لو كان إصبعي بعثيا لقطعته ) ، عندها هام الحضور متسامين عن لذات الوجود ، في نفس اللحظة التي تسلل فيها رهط عجيب مكان غريب في مكان قصي من فيينا . واستمر شيخنا يردد بدون توقف : ( والنار داخلة في الماء بحسب كلام شيخنا محي الدين لان الكينونة مزيج منهما . أما النور فانكشاف المخلوقات وظهورها على حقيقتها ) ... هز احد المريدين رأسه طربا بينما واصل شيخنا حديثه : ( والقلب بطيء الترقي ، ويحتاج إلى مجاهدة ومن ذلك تأتي خصوصيته وانحصاره ، لأن القلب فيه دلالة التقلب ) .
قلبت نظري في الحضور فهالني جمعهم الكبير ، وروحانيتهم الجماعية ، بينما تراءى لي الجمع الذي انسل بخفية في ذلك المكان الغريب من فيينا خليطا عجيبا لا رابط بينه ، حتى لو عاد على غفلة من الناس وتسلل من جديد بعد انتهاء فريضة حج البيت لذلك المكان المريب . وحدي رأيت نفسي أدور حول البيت العتيق متذكرا ما ردده شيخي أبو يزيد البسطامي عندما قال : ( حججت مرة فرأيت البيت وحججت الثانية فرأيت صاحب البيت وحججت الثالثة فلم أرى البيت ولا صاحب البيت ) . ورأيت إننا لا زلنا في نقطة الصفر لحد الآن والصفر هو البداية ، وكل بداية لا تبدأ من فراغ مطلقا فلها أسبابها ومسبباتها . وفي بداية ستينيات القرن الماضي كانت البداية مثلها مثل بداية يوم تسلل الخليط العجيب لإحدى زوايا فيينا ، وصدرت الفتوى من أعلى قطب ديني اثر سؤال استفزازي معد ومقصود مسبقا ، وعلقت الفتوى على واجهات مقاهي البعث وحلفائهم القوميين آنذاك ، واستخدمت في أقصى وحشيتها يوم 8 شباط الأسود من عام 1963 ، لذلك تذكرت قول هواي نان : ( للبداية بداية ولكل بداية بداية فلا من بداية بدون بداية ) .
ولفرط المحبة بين البعض فإنه قد قطع تشوقه عن كل شئ سوى شوقه لمحبوبه من ذلك الجمع الغريب الذي تصافح بعد عداوة غير موجودة أصلا . لذلك فقد ثبت استلهام اللذة بالمحبوب من خلال القرب والاتصال الروحي . ولذا تم كشف الحجاب بين المحب ومحبوبه ، وردد احد الهائمين عشقا بذلك اللقاء :مالي سوى روحي وباذل روحه ...... في حب من يهواه ليس بمسرففلئن رضيت بها لقد أسعفتني ...... يا خيبة المسعى إذا لم تسعف
لذلك فالحب إذا وقع على الروح الفردية عكسها على الروح الكلية وجمعها مع الآخرين ممن تتوق روحك للحاق بروحه ، ويدعك تتروحن مع من تحب بدون حاجز أو حجاب . وقلبت النظر في قوله تعالى (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء) – الآية 30 البقرة - ، ورددت مع نفسي صدق قول الملائكة . ثم أنشدت قول الشاعر محمد علي اليعقوبي :محا نقطة الياء عند الأذان ..... لترضى به النقطة الرابعة وها هي قد رضت فعلا بعد اجتماع عاصمة ليالي الأنس فيينا .آخر المطاف : كان الوزير علي بن عيسى يسير في موكب مهيب جلل ، وسألت إمرأة صوفية عنه وكانت تعرفه ، فقالت : ( هذا رجل سقط من عين الله فابتلاه بما ترون ) . * شروكي من بقايا القرامطة وحفدة ثورة الزنج
https://telegram.me/buratha