المقالات

الانفتاح والتعامل الميداني مع كل أبناء المجتمع

1624 20:53:00 2006-12-22

( بقلم : الشيخ هيثم السهلاني )

منذ القدم وبداية نشوء الحياة البشرية والانسان يعيش مع أخيه الانسان في هذه الحياة ويشاركه المأكل والمسكن، ويواجهان معا صعوبات المعيشة وظروف البيئة القاسية، وبالتالي فإن كلا منهما يحتاج الى الاخر ويكمله، وذلك من أجل تأمين الحاجيات والمستلزمات الضرورية للحياة.

فالروح الاجتماعية والتعايش مع الآخرين والتعاطي معهم هي حالة غريزية وفطرية متأصلة في النفس الانسانية، وهي تبرز فيها وتنموا باستمرار كلما كبر الفرد ونمى وصار يحتك ويخالط الناس أكثر.ولكن الانسان قد يبتلى احيانا بما يخالف هذه الفطرة وهذه الغريزة، وتجعله يشعر بالتناقض مع ميوله ورغباته وتجلعه في النتيجة يخسر الكثير من المكتسبات والخدمات من اخوانه في البشرية.

وأخطر ما يواجه في هذا الصدد مرض الانعزال عن المجتمع والانطواء على الذات والتى عادة ما يكون منشؤها إما سوء التربية أو الاجواء الاجتماعية الفاسدة أو مشاكل الحياة الصعبة، وأياً كان السبب فانه قد يؤدي به الى الكثير من المضاعفات السيئة على صعيد حياته الشخصية أو الحياتية ... وذلك قد ينعكس على الفرد في علاقاته مع سائر افراد المجتمع، حيث ان بغضه وكراهيته للناس واحساسه بالعداء من قبلهم اتجاهه هو الذي يتحكم في تعامله وتعاطيه معهم.

ومثل هذه الظاهرة المرضية كثيرا ما تنتشر في اوساط مجتعاتنا باعتبارها من أبرز مظاهر الجهل والتخلف ومما يؤسف له انتشارها حتى فيما بين المؤمنين والملتزمين، مع علمنا بوجود تلك الأيادي التى تعمل على تغذية تلك الحالة ودفع المتدينين بالذات على ممارستها فيما بينهم لكي يتم تحقيق الاهداف والمخططات المرسومة سلفا من الجهات الحاكمة والمسيطرة في الدولة.

فالانسان الملتزم حينها وبالرغم من التزامه وتدينه بل وانخراطه في بعض الاحيان في سلك العمل الديني الا ان روحية الانطواء والشعور بالعداء من الغير لا تبرز في نفسيته وعلى سلوكياته إلا اتجاه بعض الأشخاص وبالخصوص اذا كانوا من الاتباع والمحسوبين على الجماعات والتيارات المنافسة لتجمعة وحركته التى ينتمي اليها.

وهذا ما يفسر الكثير من المشاكل والازمات المفتعلة فيما بين بعض الاطراف والفئات الدينية في الساحة.اما القيم والمبادئ السماوية فانها ترفض هذه الروح وتعتبرها مخالفة واضحة لأبسط تعاليم الاسلام التى تدعو الفرد باتجاه الانفتاح على الاخرين بمختلف تياراتهم وآرائهم الفكرية المؤطرة بحدود الدين وتحثه على إبداء المحبة ومد يد المساعدة لهم وما أشبه.

ولم يكتف الاسلام بذلك بل ان حدود الانفتاح تجاوزت المؤمنين فيما بينهم الى مستوى التداخل والتواصل مع الاعداء والمناوئين للعقيدة أيضا. وهذا هو واقع الاسلام عبر رموزه ورجالاته في عهده الأول. فالرسول الاعظم (ص) كان يتقرب الى أشد الناس عداوة له واكثرهم بغضا وحقدا على الدين وهم اليهود ومن بعدهم النصارى، فقد سمح لهم بالاقامة في المدينة وأقام العهود والمواثيق بينه وبينهم وتحالف مع بعضهم وسمح لهم بمزاولة الحياة الاعتيادية والتجارة وما أشبه بكامل حريتهم، ولم يقاتلهم ويحاربهم الا حينما بدأوهم بنقض العهد واظهار الخيانة، وحينما شعر منهم بالخطر الحقيقي والجدي على الدين والرسالة.

والأكثر من ذلك فقد ذهب الرسول (ص) الى التسامح مع المنافقين في مدينته وعلى رأسهم عبدالله بن أبي السلول، ولم يسمح للمؤمنين بقتله أو حتى طرده من المدينة على الرغم من كل المؤمرات والمكائد التى كان يحيكها للاسلام والرسول (ص) شخصيا.

وهكذا كان حال صحابة الرسول، فهذا أمير المؤمنين الامام علي (ع) في فترة خلافته كان يقبل ويسمع كلام كل من يعترض على حكمه، وكان يتحاور معهم من أجل اقناعهم بحسن فعله، ولم يرض لأصابه وجنده القسوة على معارضيه بل كان يوبخهم على ذلك ويمنعهم منه، ولم يسجل التاريخ موقفا واحدا أثبت فيه رفض الامام (ع) للنقد أو الاعتراض، بل ان مبدأ الحوار والتفاوض هي السياسة التى استخدمها الامام كمرحلة أولى لحل مشاكله وخلافاته.

فالاسلام اذن ومن خلال ممارسات رواده وقياداته أراد التأكيد على روحية الانفتاح والتعامل الميداني مع كل أبناء المجتمع، ومن ثم التأكيد أيضا على اسقاط كافة الحدود والحواجز النفسية منها أو التى منطلقها الاختلاف في الآراء الفكرية والفروقات في خطط التحرك وأساليب العمل الخارجي من أجل اقامة العلاقة الصحيحة والبناءة.

واذا كان الرسول (ص) أو الامام علي (ع) قد تعامل الواحد منهم مع اعدائه وليس مع اتباعه فقط، واستطاع بسعة صدره وأفقه وروحه التسامحية الكبيرة أن ينهي الخلافات معهم، فان العاملين اليوم هم أولى بهذا العمل الايجابي، لأن العداء الحاصل فيما بينهم ليس الا في الوهم والخيال ونتيجة الظن المحرم، وأما المشاكل الجزئية والهامشية التى تحدث بين الفينة والاخرى فيما بين الاخوة في التجمعات المختلفة والتى تقع من دون القصد والارادة المسبقة فانها تحل وتنتهي بالصدر الواسع وبروح التغاضي والتنازل للمؤمنين وبحسن الظن بهم وحمل تصرفات الشخص منهم على المحمل الحسن تجسيدا للحديث الشريف: ( احمل اخاك على سبعين محمل).

هيثم السهلاني

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك