( بقلم : ناجي الغزي )
أن معرض حديثنا هنا ليس المقصود به سيرة ذاتية للسيد نوري المالكي , وإنما الحديث عن الخطاب السياسي الذي يتبناه السيد نوري المالكي والذي يتضمن مواقف وطنية رصينة ثابتة تحمل بين طياتها مساحات كبيرة ومتعددة من التسامح ,تدعونا إلى الحديث عن وجودها وتأصلها في خطابه السياسي و طروحاته الوطنية , ومناقشتها في مقالنا هذا ضمن حقائق واقعية على الشارع السياسي العراقي , وهو ما يميزه ويعطيه تلك التسمية في وسط الخليط السياسي المختلف لعدد من الخطابات السياسية والفكرية التي تبنتها مختلف القوى السياسية والاجتماعية في الشارع السياسي داخل وخارج الحكومة العراقية .
فقد عرف الرجل بالتسامح منذ أن وجد في العمل السياسي , وهذا دليل عمق تجربته الإنسانية ومفهومه الفكري والديني لمبداء التسامح والتعايش بسلام و احترام حرية الآخر وطرق تفكيره وسلوكه وآرائه السياسية والدينية., إلا انه ازداد شكيمة عندما أثقلت سواعده في تحمل المسؤولية الكبيرة التي ألقيت عليه من قبل الشعب العراقي المتمثل في البرلمان المنتخب , فقد تبنى السيد المالكي عدة مواقف وطنية شجاعة اتجاه خصوم العملية السياسية قبل السائرين فيها , حيث كان مشروع المصالحة الوطنية من اكبر حسن النوايا التي ذهبت إليه الحكومة العراقية في برنامجها في وقت مبكر من عمرها ,حيث دعا إليها وحده وتبناها ولازال يدعمها بكل مقومات الدعم , وهي المخرج الوحيد لحل العملية السياسية الشائكة في العراق , والمصالحة هي تعني التسامح والجنوح للسلم ونبذ كل مظاهر العنف والفرقة , و هي نداء للضمير الوطني الذي تستجيب له الإنسان بفطرته السليمة وسجيته الإنسانية . والقصد من ورائها - هو التآخي والمحبة بين أبناء المجتمع العراقي الواحد من خلال ترسيخ الوحدة الوطنية وقبول آراء الآخرين وسلوكهم على مبدأ الاختلاف وهذا يعتبر من أهم سمات المجتمع الديمقراطي .
ورغم الاعتراضات وسوء الفهم والظن والتفسير الخاطئ الذي رافق تلك المبادرة الوطنية والتشكيك بمصادرها ومطلقها , إلا أن الرجل ظل لهذه اللحظة يدافع عن نوايا حكومته وجديتها اتجاه أبناء البلد الواحد , دون المرور بأي منطلقات ضيقة حزبية أو طائفية , فهو يتكلم بلغة العراقيين ويدرك مسؤوليته التاريخية في هذا الوقت الحرج اتجاه شعبه .
فقد شجع على عقد المؤتمرات الوطنية والدينية والعشائرية وتحشيد الكلمة وتوظيف اللحن وفتح باب الحوار والنقاش , من اجل أن تسود ثقافة التسامح والسلام عبر قبول الأخر وعدم إشاعة روح الغلبة والشمولية والاستئثار بالسلطة لهذا الطرف أو ذاك . فدعا إلى التوافق والحوار الذي هما من أسس المصالحة الوطنية. كما دعا كل الإطراف المختلفين حول العملية السياسية إلى الحوار والجلوس على مائدة الحوار وتشخيص مواضع الخلل , حيث اعتبر أن الحوار هو الطريق الصحيح لحل جميع المشكلات التي تواجه البلد وان العنف لا يحل أي مشكلة بل يساهم في تعقيد الكثير منها .
ودعا إلى إيجاد حلول عادلة ومناسبة للفرقاء السياسيين من خلال العديد من القنوات السياسية الوطنية والإقليمية فتشكلت اللجان وذهبت الرجال تجوب البلدان وتعقد اللقاءات من اجل تعزيز الوحدة الوطنية وتأسيس دولة العراق الجديد الديمقراطي الغير مبني على إبعاد وتهميش الطرف الآخر, رغم أن الحكومة العراقية أسست على مبداء التوافق وليست الاستحقاق الانتخابي , ظل قسم من الفرقاء وهم جزء من الحكومة يشككون في نوايا الحكومة ويسخرون من مبادرة المصالحة بالرغم من تشكيل وزارة للحوار الوطني وهذه بادرة فريدة في تاريخ الشعوب والثورات , حيث ذهبت حكومة المالكي ابعد من ذلك من اجل إيجاد بدائل وحلول للكثير ممن تم تسريحهم من وظائفهم الحساسة العسكرية والأمنية وضمان لقمة العيش لهم ولأسرهم من خلال خلق فرص عمل لهم مدنية , مستثنيا في ذلك عدد قليل ممن لطخت أيديهم بدماء الأبرياء احتراما لأرواح الشهداء وإكراما لذويهم ,
علما أن تلك التداعيات و الافرازات هي من تركت النظام ألصدامي الغابر الذي خلق حالة صراع طويل ودامي بين السلطة والمجتمع بسبب إبعاد وتهميش شرائح عريضة وفاعلة في المجتمع تركت بظلالها على الحكومة الجديدة . وان مشروع السيد المالكي لا يقتصر على تناول بعض المشكلات البسيطة بل ذهب إلى أصعبها في المجتمع فقد فتح حوار بين الفصائل المسلحة ما تسمى (بالمقاومة) وما تسمى( بالمليشيات ), وكلا الطرفين يشكلان مصدر قلق للحكومة والشعب ويساهمان في إرباك الوضع الداخلي للبلد وتعطيل نموه الاقتصادي والاجتماعي . فحالة البلد السياسية وتداعياتها ومظاهرها المسلحة تحتاج إلى حنكة سياسية وصبر وضمير وطني ونوايا صادقة تلوذ بها كل الفرقاء , ومن اجل أن يتحقق وئام وطني وتوافق سياسي ومن اجل خلق حالة اصطفاف وطني بدل من تناحر وتشرذم وتبعثر واقتتال يدفع ثمنه المواطن البائس في دمه وقوته اليومي وراحته . وعلى الفرقاء الجنوح إلى نوايا المالكي السليمة والناجعة , وتعزيز سلطة الحكومة المنتخبة ورفع هيبة الدولة من خلال احترام مؤسسات الدولة وإخضاع الجميع للقانون وتفعيل مواده دون النظر للاعتبارات والاستثناءات والمسميات الأخرى التي تحول دون تطبيق بنوده, مع تعزيز دور المواطن وضمان حريته وعيشه بكرامة , فكل يوم يمر دون وضع الحلول المناسبة والناجعة والسريعة , ودون مساندة حقيقية لمشروع المصالحة سيعزز من العنف والعنف المضاد ويوسع من هوة الصراع السياسي ورمي الكثير من ثوابت الشعب في بركة الصراع كالدين والمذهب , وعلى جميع الزعماء السياسيين والقوى السياسية المتناحرة أن تحذو حذو المالكي باتجاه لملمة الوضع العراقي الداخلي , دون اللجوء إلى مهاترات سياسية أو منح فرصة للتدخل إلاقليمي يذهب بالعراق وأهله إلى عواقب لا تحمد, وطي صفحة الماضي من خلال المصافحة والمصالحة عبر القنوات التي سيرتها الحكومة وسخرت لها كل أدواتها الإعلامية .
وعلى جميع الفرقاء السياسيين ان يتجاوزوا ويتجنبوا خطوط الدين الحمراء !! وان يذهبوا بتفكيرهم إلى منظومة العمل الاجتماعي والثقافي والفكري وتجديدها ضمن تطورات العصر وطرحها بأطر وطنية ناجعة ومفيدة , والتي تعد الرابط الحقيقي لمكونات الشعب العراقي, و التي توارثها بها العصور التاريخية العظيمة،
https://telegram.me/buratha