المقالات

أطفالنا ضحية حزننا الناطق

1853 23:17:00 2006-11-29

( بقلم : المهندسة بغداد )

لا يجهد كل من يحاول معرفة ما يجري بالعراق فوسائل الإعلام تغطي الأحداث الواقعية وان اختلفت في طريقة التعبير بحسب إطارها المتعارف عليه فلكل قناة نص لا تحيد عنه ! إلا إن هناك تفاصيل دقيقة ودقيقة جدا لا يلحظها إلا من ينزل الى الشارع العراقي ويتأمل مليا في ثنايا كل شيء فسطوح الأشياء بدت متشابهة والإحداث اليومية متشابهة إلا إن التطورات الخفية ذات التأثيرات المستقبلية تحتاج الى فطنة في التشخيص ومحاولة إصلاح الأمر قبل التفاقم ليصبح حالة سلبية تضاف الى قائمة سلبيات المجتمع المنهك .

وكثيرا ما نلاحظ الحزن المرسوم على محيا أبناء الوطن خاصة هذه الفترة وهم يعيشون مخاوف كثيرة نسال الله أن لا تتخطى كونها مخاوف وان لا تصبح حقائق مؤلمة لا سامح الله فالإرهاب المقيت يحاول سلب فرحتنا الكبيرة بالخلاص من النظام السابق بإعمالها الإرهابية التي تؤثر سلبا على نفسية أي إنسان وكثيرا ما تعمدت أن لا تغيب ابتسامتي عن وجهي قدر المستطاع لأني مؤمنة إن هذه الابتسامة ستعينني وتعين الآخرين فرغم كونها مجانية فهي شديدة التأثير!! فالمقابل عندما يراك مستبشر فانك تزرع في نفسه الأمل إن هناك شيء مفرح بالحياة أو على اقل تقدير مريح فتنجلي الغبرة التي ترتسم على وجهه التي تثاقلت عليه الهموم.

ولكن شئنا أم أبينا فالحزن قد سكن قلوبنا لما نرى ونسمع من قتل وتهجير وجرائم اختلفت ألوانها حتى عندما نرقب اجتماع مجلس النواب الذي كنا نأمل أن يعطينا بارقة أمل نجد إن بعض الصبية السياسيين منهمكين في المعارك الكلامية التي لا تزيدنا إلا حزنا وأعان الله الخيرين منهم فقبة البرلمان قد حوت فعلا الصالح والطالح .

واليوم وأنا اجلس كعادتي في سيارة النقل التابعة لدائرتي بجانب النافذة فرحة كوني حصلت على النافذة كما في أيام الطفولة !! بعد فترة حضر التجوال التي دامت أياما إلا إن السيارة قد خلت تقريبا من الموظفين فساورتني بعض المخاوف وندمت لخروجي من المنزل فالقلق هو الشيء الوحيد الواضح في الشارع وبينما أنا جالسة بدا هاتفي يرن مرة بعد أخرى لتلقي طلب إجازة من زملائي في العمل فهم يخشون المغادرة فازددت قلقا وليس بإمكاني سوى الاستمرار ولاحظنا إغلاق الشرطة لبعض الشوارع امنيا مما اضطرنا الى إيجاد طريق ثاني ليكلفنا ساعة إضافية في الشارع وهنا بدت على ملاحمي خطرات خوف ممزوجة بقلق فوضعت يدي على وجهي متكئة قرب النافذة غارقة في فكري وفي الازدحام تماما وبينما أنا كذلك أحسست إن هناك من يراقبني فالتفت فإذا بسيارة تحوي عائلة مكونة من أب وأم وثلاثة أطفال يلبسون حقائبهم على ظهورهم وهم داخل السيارة !!تلك الحقائب التي تبدو إنها أثقل منهم وزنا !! كان الأطفال الثلاثة ينظرون الى سيارتنا الكبيرة نوعا ما ووجههم كئيبة وحزينة فأخافني المنظر كيف يكون الطفل بهذه الملامح القاسية ماذا يعرف عن الحياة ليخيب أمله لهذه الدرجة فليس منطقيا أن تفكير الأطفال يستوعب ما يجري بشكل كامل ليرتسم الحزن على وجوههم ! في هذه اللحظة ألهمني الله نورا من المعرفة بالتفكير إن الطفل الذي لا يتجاوز بضع أشهر يقلدك في كل شيء فان ضحكت ضحك وان حركت راسك حركه وسبحان الله الذي أتقن خلقه لقد أيقنت تلك اللحظة إن ملامح الأطفال في السيارة ما هي إلا مرآه ة لملامحي المتجهمة !!!! فما أن تبسمت في وجوههم وحركت يدي كتحية لهم لا تأكد من نظريتي المتواضعة حتى تبسمت تلك الثغور الصغيرة وهزوا أيدهم دقائق تحية لي وقد انقشعت الغيمة التي بدت على وجوههم باشراقة شمس الابتسامة في لحظات وهنا انفتح الطريق ليذهب كل منا الى وجهته هم لمدارسهم وأنا لمقر عملي لكن ابتسامتهم لم تفارقني لساعات وعندما وصلت وجلست على مكتبي لاحظنا قلة وجود الموظفين وبالتالي لم نعمل شيئا سوى الجلوس وتبادل الأحاديث وهذا ما انزعج منه كثيرا بسبب اختيار المواضيع التي إما أن تكون مكررة حد الملل وليس لها حل ولا جدوى من الكلام كالكهرباء والماء و.... وإما أن تكون سياسية فتختلف الآراء حد الصياح والزعل ويخرج الأمر عن إطار تبادل الآراء الى تبادل الشتائم للأسف وهنا فكرت في أن أحدثهم عن الموقف الذي مر بي وما أن أتممت حديثي حتى بدا الشرود واضحا على وجوههم فكل منهم رجع لمنزله قليلا ليجلب لي موقفا وهو مصدوم كصدمتي بأننا قد نسينا الأطفال في خضم الإحداث والمعانات نسينا حقوقهم علينا ولعبنا معهم ولغينا السفرات ومدن اللعاب وكل حقوقهم فهذا المهندس أبو محمد يخبرني بأنه قد صرخ بوجه محمد البارحة لان محمد يتكلم عن مدرسته والأطفال ومشاكله بإسهاب وأراد من والده أن يعينه بالسماع ثم بالفروض المدرسية فما كان من الأب إلا أن يدير جهاز التلفاز ليسمع الأخبار وليدخن السكائر أسفا على ما يجري متناسي الألم الذي تسببه لولده !! لقد تنبه أبو محمد لما جرى أثناء الحديث ذاته قائلا بطرحك للموضوع أحسست بالخطأ وهذه هي المصيبة على حد تعبيره فغرقنا بهمومنا انسانا كل شيء حتى بتنا نخطئ ولا نشعر !! وبعد أن أكمل أبو محمد حديثه استل زميل أخر سيكارة وبدا بالكلام من تلقاء نفسه قائلا ما رأيك اني كسرت دراجة ابني الذي لا يتجاوز السنتين لأنه كان فرحا بها ويزمر وأنا أريد أن أتابع الأخبار ومتعب من العمل فكسرتها أربا ولم اشعر إن ما قمت به مبالغ فيه حتى مرت أيام وأنا اسمع ابني يجيب عن تساؤل ابن جارنا ( وين البايسكل) فأجاب ابني ( بابا كترة) يقول هنا تأثرت كثيرا وأحسست إني مجرم وان هذا الطفل لا ذنب له وهنا شاركتنا زميلات في هذا الحوار قائلات إن معاناتهن اكبر فهن مضطرات لاصطحاب الأطفال الى مقر العمل بسبب الحالة وخشيتهم من مباني الحضانة التي بدا الخوف من الهجوم عليها واختطاف الأطفال فالأم تجلبه الى مقر العمل وتمضي النهار بضربه وقرص إذنه لان مشاكساته ربما تجلب نظرة مدريها إليها ويوبخها لجلبها إياه !!

مأساة مجتمعنا صعبة ومتشابكة ومؤلمة لكن هناك حلول بسيطة ممكن تخفف عن عوائلنا وأحبتنا فلنحاول وهذه دعوة للمحاولة بان ندفن أحزاننا بعمق اكبر على اقل تقدير أمام الأطفال رجال ونساء المستقبل فكفانا ما يعرفوه من حقائق بمفردهم عن طريق التلفاز والشارع وصوت الانفجارات 

لنرمي همومنا على أعتاب دارنا ونرسم بسمة وان كانت بصعوبة على وجوهنا من اجل أطفالنا فثلاث أشياء أهملناها رغم إن فيها شفاء أي مجتمع من سلبياته وهي البسمة والكلمة الطيبة والدعاء الذي هو خير سلاح بيد الإنسان سلاح سلمي وفتاك في ذات الوقت وهذه الأشياء لازالت في متناولنا ولنبدأ بها ولعلها تجلب الخير الكثير نسال الله أن يعيننا أولا على أنفسنا وان ننتصر على همومنا بإيماننا وثقتنا بالله وكما قال الأمام العسكري ع ( ما من بلية إلا ولله نعمة تحيط بها) فلنبحث في محيط بلايانا عن النعمة لنشعر بالراحة فالحمد لله رب العالمين على كل شيء والصلاة والسلام على محمد وال الميامين 

أختكم المهندسة بغداد

29-11-2006

ملاحظة: شكر خاص للأخت ندى من فلندة على التعليقات الجميلة والمتابعة الأجمل وأحببت أن تعرفي إنني أتذكرك كل يوم عندما آمر على الجسر والتمس دفيء شمسنا في الشتاء! فأتذكر تعليقكم عن قسوة برد الغربة بالإضافة الى برد الدولة التي تسكنون فأعانكم الله وليس بيدي إلا ان اختزل من دفيء شمسنا واضمنه في كتاباتي أملة ان يصلك بعض هذا الدفء !

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
التعليقات
عراقي متهجول
2006-11-30
بارك الله بكم اختنا المهندسه بغداد وحقا انها مبادره جميله ان تكون الابتسامه السلاح الذي نواجه به اعدائنا
فاطمة
2006-11-30
أعلل النفس بالامال ارقبها مااضيق العيش لولا فسحة الامل تبقى الابتسامة وخاصة التي تشع من احباب الله (اطفالنا وفلذات اكبادنا ) هي الامل والنور الذي يدفع كل هموم الدنيا وارهابها واتمنى ان تكون الابتسامةهي السلاح الذي يواجه الارهاب في بلدنا الحبيب ويبعد عنا شبح الخوف والحزن .
ندى
2006-11-30
الشكر لكٍ غاليتي بغداد لان دف ْ كلماتك تدفع عنا برد الغربة وثقي بالله انا دوما اتذكرك وادعو لكٍ ولاسرتك الصغيرة كما ادعو لاهلي بالعراق وافتقدكٍ كلما تاخرتي بالكتابة لان والله اشعر انك قلب بغداد الذي حرمت من نبضه منذ 15 سنة وكنت آمل ان اعود اليه اتمنى ان ارى الامل والابتسامة دوما على وجهك عزيزتي لانك بها لاتغيرين حال الاطفال فقط بل حالنا كمغتربين يتأملون اشراقة شمس العراق ليعودوا بين اهلهم واحبابهم .. ننتظر كتاباتكٍ
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك