( بقلم : عدنان آل ردام العبيدي / رئيس تحرير صحيفة الاستقامة / رئيس اتحاد الصحفيين )
ما شهدته مدينة الصدر مساء الخميس 23 / 11 / 2006 مسألة تفوق كثيراً حدود الوصف والتشبيه وربما كانت الاطراف التي تقف وراءها تراهن الى حد اليقين بان الذي سيجري او جرى سيكون البيان رقم واحد في موضوعة انتقال الاحتقان الطائفي الى حرب اهلية معلنة لم تسلم منها منطقة في العاصمة بغداد ولا محافظة من المحافظات ذات التنوع العرقي او المذهبي.
المشهد كان وقتذاك اكبر من ان تحتويه بيانات او استنكارات او تصريحات شجب من هذا الطرف او ذاك حيث ان اشد الحروب شراسة ليست بوسعها ان تزهق ارواح اكثر من اربعمئة وخمسين طفلاً وامرأة وشاباً وشيخاً في لحظة واحدة، وهذا ما عجزت عن تحقيقه حتى الحروب التي تلجأ الى استخدام الاسلحة المحرمة دولياً كأسلحة الدمار الشامل.
خمسمئة روح بشرية تودعها مدينة كمدينة الصدر فضلاً عن باقي الاحياء التي طالتها قذائف الهاونات وصواريخ الكاتيوشا، مسألة تبقى في حيز اللامعقول من حيث الارقام والتخطيط والتنفيذ والآليات وصولاً حتى الاهداف.. واذا كان المخططون لهذه المجزرة الرهيبة يراهنون على انها الفتيل المتفجر لاشعال حرب طائفية اهلية شاملة فربما كان ذلك الرهان يمتلك اسبابه، الا ان خسارة الرهان كانت بحاجة الى ما يشبه المعجزة، وهذا ما حصل فعلاً، فبورصة الرهان قد شهدت تراجعاً سحيقاً مع الفتوى الاولى للمرجعية الدينية العليا ومن ثم الفتاوى التي استتبعتها من قبل المراجع العظام والتي كانت جميعها تدعو بحزم الى الابتعاد الفوري عن العمل بمبدأ وقوانين ردود الافعال، ولاشك ان الفتاوى تلك قد تركت اثارها السحرية في نفوس حتى اهل الضحايا الذين امتثلوا بصدق لفتاوى مراجعهم.
الامر الثاني الاساسي المهم هو ما شهده المكتب الخاص لسماحة السيد عبد العزيز الحكيم زعيم كتلة الائتلاف العراقي الموحد من احتضان فوري لاعضاء المجلس السياسي للامن الوطني حيث حضر الى مكتب زعيم الائتلاف كامل اعضاء المجلس وربما كان من الاهمية بمكان ان يُكلف نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي بتلاوة بيان المجلس والذي كان صريحاً بادانته وشجبه لتلك العملية الغادرة فضلاً عن ايضاحات الهاشمي لتصريحات سابقة له كانت تشكل عنصر اعاقة للعملية السياسية.
بالتأكيد ان البيانات الاستنكارية والاجراءات الامنية التي اعقبت العملية لا تعكس باي حال من الاحوال قناعة الشارع العراقي الذي يريد حلولاً جذرية لما تشهده الساحة العراقية من تنامي رهيب للاجرام والقتل لكنها تبقى في اقل التقادير تنفيساً لاحتقانات قد تصل في لحظة ما الى درجة الانفجار الذي لا احد يستطيع التكهن بنتائجه.ربما هذه المرة تجد القوى السياسية العراقية الاساسية التي تقود العملية السياسية انها لا تملك غير خيار القبول بما توصل اليه المجلس السياسي للامن الوطني، لكن ذلك قد لا تستطيع القبول به مستقبلاً ازاء مجازر مماثلة او اكبر في حال وقوعها لاسمح الله، باعتبار ان هذه القوى محكومة الى شارع له خياراته هو الآخر والتي قد لا تنسجم دائماً مع سياسة الاحتواء والتهدئة وهو يرى الامهات يلطمن الصدور ويشققن الجيوب وينثرن الشعور على الابناء والاحفاد ليس كل يوم بل في كل لحظة ودقيقة وساعة من ذات اليوم.
https://telegram.me/buratha