( بقلم : المهندسة بغداد )
سامحيني يا أمي الى أول وجه تبسم لي في الكون الى أول حضن ضمني بحنان الى من أتعبتها بثقلي قبل أن أولد ! الى من ما زلت أتعبها سامحينيالجنة تحت أقدام الأمهات هذا ما قاله رسول الله صلى الله عليه واله وسلم بحق الأم فجعل الجنة تحت أقدمها ويا له من تقدير فالكلمات تنحني إجلالا لهذا الصرح الكبير والوفاء يخذل أصحابه في مجرد التفكير بان نجازي الأم فلا توجد أم تنتظر جزاء لتربيتها وعمرها الذي تفنيه من اجل أولادها .
اليوم تضرب الأم العراقية أروع الأمثال في الصبر وتحمل الصعاب تلك القلوب الرقيقة التي تبض بسرعة وتناجي ربها في أن يحفظ أولادها ولا تفجع بهم وتغمض عينها لتخرج الهواء من صدرها الحنون حامدة الله عز وجل حين يدخل ابنها من الباب بسلام. والأتي كتب الله عليهن أن يثكلن بأفلاذ أكبادهن تسمع أنينهن ذارفات دموعا تكسر برد الشتاء فلم تمر أمهات في العالم بالحالة التي تمر بها الأم العراقية حالة استثنائية صعبة ومريرة لاتنفذ منها إلا كل مؤمنة صابرة محتسبة فأعانكن الله يا إيماء الله الصالحات .
وها هي أمي من بين الأمهات العراقيات الرائعات تلك المرأة التي وقفت بجانب زوجها في أصعب محنه عندما كان البعث يترقب الرجال ليطحنهم في طواحين الحرب على الحدود الشرقية فمنذ نعومة أظافري وأنا أجدها مسئولة عن أطفالها وهمومهم وقلبها يترقب أخبار زوجها الذي اعتادت فراقه في محاولة للفرار من الجيش الشعبي حينها .
ظلت تلك الشابة الملتزمة والمتسلحة بسلاح الإيمان تحفظ الأمانة التي تركها زوجها في رقبتها طيلة النهار ليأتي ليلا في ما إذا كان وضع المنطقة هادئ ونكون قد غفينا ونحن في انتظاره فنادرا ماكنا نلقاه أو نتكلم معه لقد كانت أمي هي عالمي ودنياي عاشت معي أيام المدرسة تشاركني همومي الصغيرة جدا باهتمام بالغ زرعت في كل شيء جميل تعلمته من الحياة وكل ما حرمت منه منحتني إياه بكرم بالغ وكبرت معها لنكون صديقات بحق .
واليوم واه من هذه الأيام العصيبة التي جعلتنا نؤذي اقرب الناس إلينا على غير تعمد فأمي اليوم تعاني بسببي وخوفا علي مما يجري ويحصل في الشارع العراقي لم تعد كلمات الترضية التي تخرج من فمي لتقنعها بأنه أمر الله وإنني سأعود فقلبها خائف يترقب ولايهديء أبدا انه يخشى الفراق الأبدي .
سامحيني يا أمي فالذنب ليس ذنبي انه ذنب ساحات الحرب !! اعذريني وأنا أتجاهل صيحاتك الصامتة لي في كل صباح أن لا تذهبي للخارج واجلسي بجانبي تلك النظرات التي طالما تجنبتها لكي لا أقع أسيرة لها وعندما أهم بالخروج تدعين بدعائك المعهود الذي يفطر قلبي وأنتي تخاطبين رب العزة بنبرة الاستسلام قائلة ( يا حافظ الودائع أحفظ لي ودعيتي) وحاشا لرب رحيم أن يخذل قلبك الصادق. يا أمي الغالية حاولت أن اكسب رضاك ورضا والدي قبل أشهر عندما قررت ترك مستقبلي وعملي والبقاء في المنزل الى إن الشهر قد طوي شهرا والظروف تتسارع في التهاوي بدل التحسن كما وعدتموني وغدا شر الإرهاب يقترب حتى من منزلنا حينها أيقنت انه لا جدوى من ذلك فلم تستطيعوا أن تغيروا واقعا ولم تتمكنوا من حمايتنا حتى. كنت أتمنى يا أمي أن تقرروا ووالدي الهروب بنا الى حيث الأمان الى كربلائنا الى نجفنا لكنكم قررتم عنا وطعنتموني بقراركم هذا بان نبقى حيث نحن ننتظر القدر!!
آسفة يا أمي لن استطيع أن أنفذ قرار والدي كاملا ولا تخافي فلن اهرب بدونكم ولكني لن انتظر القدر معكم بصمت وخوف مقيت لقد قررت أن اذهب للقدر بقدمي!! فمن لم يمت بالسيف مات بغيره تعددت الأسباب والموت واحد فاتركوني اعبر عن نفسي قبل أن أغادر العالم واعبر عن حبي لأهل بيت النبوة بدون الخوف الذي كان منطقيا في زمن الطاغية إلا انه ألان لا يساوي شيئا ما دمتم تنتظرون الموت ليأتينا سواء تكلمنا أم لم نتكلم ولا تقولوا لي بان من لا إيمان له لا تقية له فالتقية الواجبة عليكم أهملتموها وانتم تتركوننا نعيش في منطقة يقتل فيها الشيعي تلو الشيعي وانتم ترددون الله يستر إن شاء الله!!. لا يا والدي اخطاءت التقدير صدقني فلا تطلب مني أن اخفض صوت القصائد الحسينية خوفا أن يسمعها الجيران وان لا ارتدي السواد في محرم إلا أيام معدودات وان لا أتكلم بأقوال الأئمة عليهم السلام في الأماكن العامة حفاظا على حياتي وتقية من الإرهاب فالإرهاب أصبح جزء من حياتنا ولن انتظره قابعة في داري ما دام سيطالني بأي حال .
لا يا والدي الفاضل لن استطيع أن أتحمل هذا بعد ألان ما دام النتيجة واحدة . ألان أعيش فرصة ذهبية بان أفاخر بولائي لعلي ابن أبي طالب وفاطمة الزهراء ونبي الرحمة في مقدمتهم ليتك ترى كيف إنني استلذ بتضمين أقوال الأئمة في حديثي دون خوف والمقابل الذي كنت أخشاه سابقا بات يصمت أمام جبل علي ابن أبي طالب بعد إن كان يتمنطق علينا في الماضي هذه اللذة لا استطيع تركها ألان فاعذرني .
أمي الحبيبة غدونا نقول عظم الله لكم الأجر في كل وفاة للائمة عليهم السلام للموالين الطيبين وبأعلى أصواتنا وانه لنصر كبير وأنا أقولها اشعر إن قلبي يفرح حزنا !!! لا تلوميني إن لم يخطر ثوب الزفاف في فكري ببياضه الناصع فبياض الكفن هو الأقرب الى تفكيري !! وانه ليس يأسا يا أمي الحنون أنها تحصيل لما قررتم ولواقع بغداد المؤلم فلا تتألمي بعد ألان حين تدخلين غرفتي و تسمعين قصيدة تمس شغاف قلبك الطاهر ( جفن أمي عاهد لو متت يحبس مسيل دموعه حان الموعد خل استشهد ..) سأظل ارددها بقلب مؤمن غير مستسلم لأحد في الكون غيركم وربما استسلامي لقراركم لا يرضي الله ! فهل يرضى الله على موالي ينتظر ذبحه وارض الله واسعة !!! إلا انه أمرني أن لا أقول لكما أف وقول الإمام علي ع يتردد صداه في فؤادي ( من احزن والداه فقد عقهما ) وها أنا أعيش الحيرة بين الرفض والقبول في وقت ضاق حتى على الحيرة والإرهاب المجرم يقترب منا ساعة بعد أخرى .
ولعمري فاني اسمع الوالد يناشد ( لعد وين الحكومة) سأقولها لك يا أبي الطيب تبحث عن حقك عند الحكومة التي وفرت على اقل تقدير رواتب لنا ونحن نعيش في كل شهر أياما بدون عمل بسبب حضر التجوال والطوارئ وغيرها فباختصار لقد أمنت لنا قوتنا ولأغلب أبناء الوطن أسالك بالله أين حق الحكومة عليك !! وهل نعتب على حكومة انتخبناها وهي ألان تحفر الصخر لتستقر والرعاع ممن يحسبون عليها يحاولون هدمها يوميا ام تطلب منها أن تحميك من إرهاب خفي ربما يكون جارك البعثي السابق الذي تلقي عليه التحية كل صباح !! فالبعثي كالعقرب لا يلبث الا أن ينقع سمه فينا ذات يوم وحتما ستلومني قائلا أنتي مؤمنة بها أكثر من اللازم نعم يا أبي فأنني مؤمنة بقلوب تحب الحسين ع وأتمنى أن أعينها وهذا هو حق الحكومة علينا .
حكومتنا لا تستطيع أن تحمي كل بيت في ظل ما تواجه من تحديات فحري بالمواطن أن يرى أين هو وأين يسكن فان استطاع أن ينتقل محافظا على أسرة ومذهب فليغادر وليدع هم الذي لا يستطيع للحكومة وبهذا تخفف عن عاتقها نعم يا والدي الأمر يوازي الهجرة في سبيل الله وما دمنا ننتظر الفيدرالية فلننتظرها في مكانها لماذا نعرض أنفسنا لان يقتلنا إرهابي قذر يقتل فينا حبنا لأهل البيت علمنا وأحلامنا قرارك هو قمة الاستسلام واني مؤمنة بان قلبك الطيب سيهديك الى القرار السليم قبل أن تجبر عليه والإرهابي يطردنا من بيتنا هذا إن لم يقتلنا قرر يا والدي وليت قرارك يأتي قبل أن أكون مجرد خبر عاجل في سبتاتيل قناة العراقية !!!!
وأخيرا أقول لك يا أمي سامحيني على كل لحظة اعتصر فيها قلبك من اجلي وبسببي وعلى كل لحظة قسوة مني وأنا أتمرد وأناقشكم في قراراتكم لأنها تمسني يا أمي وتمس مذهبي فأنتي تعلمين أني لا أبالي على أيام عمري فان أعيش ليس بمشكلة لكن المشكلة كيف أعيش !!! فلن ارتضي أن يمر علي اليوم بدون نصرة أبا عبد الله الحسين ع ولو بالتزامي فقط وعكس صورة جيدة لمن التزم هذا المذهب الطاهر .شكرا لكم لأنكم أورثتموني هذا المذهب أرثا رائعا وعلمتموني حتى أصبحت اصقل إرثكم لاكتشف الجواهر الكامنة فيه سأظل ممتنة كونكم جعفريين ولن احمل في قلبي لكم شيئا سوى الولاء والعرفان بالجميل .
ولا تفكري يا أمي بلحظة موتي كثيرا فرحمة الله واسعة واسأله أن لا يفجع قلبك بي ولا بأحد من أسرتنا الصغيرة وان حصل يا أمي فاعلمي إنني لن أتألم !! فلو سلط الإرهابي البعثي او العربي او الوهابي القذر على رقبتي السكين فلن أتألم لأنني سأكون مشغولة بالتفكير بـ ابا عبد الله الحسين وحقيقة كون ابن رسول الله قد ذبح هكذا وان احترقت بنار الانفجارات فلن اتالم فاساكون مشغولة بالتفكير بحرق الخيم وعيوني تترقب سيدتي زينب وهي تركض من هنا وهناك ادعي لي يا والدتي أن يمتلأ قلبي بشجاعة استمدها من تلك السيدة الطاهرة ولتكن لكي يا امي أم البنين ع قدوة ومنار في الصبر والاستبسال .
وأعان الله قلوب الأمهات على ما يجري واسأل الباري كل التوفيق لأبناء الحكومة الطيبين القادمين من أرحام طاهرة لأمهات عظيمات أن يوفقهم على ما ابتلاهم من مصائب قابعة في قبة البرلمان ذاتها التي تجمعهم !!واسأل الله أن يكون باس الأشرار فيما بينهم فمن أتى ليمكر سيمكر به الله والله خير الماكرين واسأله كذلك التوفيق لأبناء الشعب على اتخاذ قرارات وترتيب أوراقهم بشكل يوازي مقومات المرحلة الصعبة قبل رفع الشعارات نعم نحلم وان شاء الله يتحقق الحلم ببلد امن لكن فلنحمي أنفسنا أولا لنعيش الحلم واسأل الله أن يتغمد شهدائنا بالرحمة والمغفرة وان يستر على شيعة أمير المؤمنين وكل الطيبين من أبناء الوطن الجريح.
أختكم المهندسة بغداد
https://telegram.me/buratha