( بقلم : د. حامد العطية )
عندما تطايرت أشلاء الأطفال والنساء والرجال في ساحات مدينة الصدر لفظ معها صبر الشيعة على الإرهاب الطائفي آخر أنفاسه، وانطفأ آخر بصيص أمل بالتعايش والسلم والأمن، وغطت سحب الدخان التي خلفتها القذائف المتساقطة كل ألوان الطيف الاجتماعي العراقي ما عدا سواد قلوب أعداء الشيعة، ماذا يجدر أن يقال بعد سرقة المجرمين حق الفقراء في عيش يوم آخر يقفون فيه على قارعة الطريق بانتظار ما يسدون به الرمق؟ وأي عزاء يستطيع أحد غير الله تقديمه للضحايا الراحلين عنا والباقين بيننا؟احترموا مشاعر أهل مدينة الصدر، فلا تعرضوا عليهم ثمناً بخساً مقابل الأرواح البريئة التي أزهقت اليوم، وتذكروا بأن قتل مؤمن يساوي عند الله قتل الناس جميعاً، فإن أردتم دفع ديات هؤلاء الضحايا فلتكن حساباتكم وفقاً للمعادلة الربانية.
لن أدعوا المسئولين الحكوميين للضرب بيد من حديد على القتلة المجرمين ومعاقلهم، فقد كشف الإرهابيون النواصب عن هويتهم، وأعلنوا على الملأ عدائهم لنا، وصاروا يجاهرون بشتمنا نحن "الصفويين الرافضة"، فلم تحرك الحكومة ساكناً للدفاع عنا.
أيها الصامدون في مدينة الصدر لا تنتظروا مني استنكاراً أجوفاً فلقد شبعتم من بيانات الاستنكار، ولن أضيف إدانة جديدة إلى قائمة الإدانات الممجوجة الطويلة، فهل كان لتلك الإدانات والاستنكارات صدى وتأثير في نفوس القتلة سوى إغراءهم باقتراف المزيد من أعمال القتل لأنهم فهموا بيانات الاستنكار والإدانة بأنها رسائل استعطاف وتذلل وخوف وجبن، وكم من البيانات والتصريحات الواعدة والمطمئنة ألقيت عليكم من على المنابر والشاشات فماذا كانت حصيلتها سوى المزيد من التقتيل للشيعة وهدم مراقد أئمتهم وتهجير الملايين منهم، وهم أغلبية أهل العراق وأصحاب الحق فيه كله.
وبالتأكيد لن ادعوا أهل مدينة الصدر الصامدين والمحتسبين للهدوء والسكينة وضبط النفس، ووحده القادر على ضمان أمنهم وسلامتهم يحق له مطالبتهم بالهدوء وضبط النفس، وأقول مع طرفة بن العبد: إن كنت لا تسطيع دفع منيتي فدعني أبادرها بما ملكت يدي، لقد استشهد الألاف من أهالي مدينة الصدر ولم يهب أحد لنجدتهم.
وكيف ننسى أو نتناسى أمجاد هذه المدينة الباسلة، فأهلها أصحاب الفضل على جميع الشيعة في مواقفهم المشرفة والبطولية في نصرة ونجدة أهلنا الشيعة في كافة أرجاء بلدنا، في الوقت الذي تعاجز وتخاذل فيه غيرهم عن تقديم العون؟ وهل ننسى استبسال أهالي مدينة الصدر في الدفاع عن شيعة بغداد وديالي وصلاح الدين والكوت والحلة وكركوك؟ أو ليس لهم في أعناق رجال الشيعة الأحرار من أهالي الكوت دين عظيم إذ أمدوهم بالرجال والسلاح لمقارعة الأوباش الإرهابيين الذين كانوا يقطعون الطريق بين مدينتهم وبغداد؟ ومن غير الصناديد من مدينة الصدر شنوا الغارات الموفقة بالنصر الرباني على السفاحين في اللطيفية والمحمودية وغيرها من أوكار الإرهابيين في مثلث الموت؟ ولا تزال ألسنة أهالي بلد تلهج بحمدهم وشكرهم على نخوتهم التي يضرب بها المثل عندما هبوا لنجدتهم مرسلين لهم خيرة مقاتليهم للوقوف صفاً واحداً مع أهالي المدينة في التصدي للإرهابيين السنة وإيقاع الخسائر الفادحة بصفوفهم ودحرهم وحماية المدينة وأهلها؟ ألم تصطبغ جبال حمرين وديالي بدماء مجاهدي مدينة الصدر عندما هرعوا لنجدة أخوانهم المنسيين في المحافظة المنكوبة بالإرهاب السني ولم يفت في عضدهم استشهاد العديد منهم برصاص الأمريكان المجرمين؟
لا عجب أن ينقم قادة الإرهابيين من المنضوين داخل الحكومة وخارجها على مدينة الصدر وأهلها الأشاوس.
ولا غرابة ان يستهدفهم النواصب من أتباع الأراذل حكام الخليج والمستعربين بسهام الغدر.
وكان هجوم الأمريكان عليهم محتماً لأنهم يريدون شيعة مدجنين خانعين لأوامرهم ومشيئتهم ومتحالفين مع مطاياهم من الأعراب.
وهذه كلها شهادات كبرى على صواب مواقفكم وعظمة جهادكم.
واليوم بالذات وقبل أن تنفضوا من دفن شهدائكم سمعنا بأن قوات الحكومة تشترك مع القوات الأمريكية الغازية في الهجوم على مدينة الصدر،وإذا كان الأمر كله بيد الأمريكان فإعلنوها أيها الحكام على الملأ وتصرفوا بما تمليه عليكم ضرورات الحفاظ على أرواح الأبرياء من عدوان الأمريكان والإرهابيين.
أوجه خطابي لأهالي مدينة الصدر ومن هو على شاكلتهم فقط لأن البقية غير مكترثين بالحفاظ على مصالح الشيعة، وأقول لهم لقد ولى زمن السكوت على العدوان وانتظار الفتاوى وبيانات الاستنكار والتنديد وحان وقت الدفاع الرادع، لا تنصتوا لأصوات الذين يخوفونكم من النجدات التي ستصل شراذم السنة الطائفيين فيما لو أخذتم زمام المبادرة بأيديكم وطهرتم العراق من أدرانهم، فالعرب الطائفيون كما عرفتهم بحكم المعاشرة الطويلة أيام التغرب أشباه رجال، وهم كلهم طلاب مال وملذات، أما الأمريكان فعلى شفير الهاوية، ولو رددتم على عدوانهم بالمثل لولوا الأدبار إلى داخل الكويت وسفنهم الحربية الواقفة في مياه الخليج بانتظار ساعة جلاءهم القريبة.
انتظر إمامنا علي (ع) سقوط أول رشقة من سهام المنافقين من أتباع الجمل على جيشه قبل شن القتال الدفاعي عليهم، وها أنتم تلقيتم مئات الرشقات وصبرتم وقد أقمتم بذلك الحجج البالغة على الإرهابيين النواصب، وعليكم الآن واجب الدفاع المشروع عن أنفسكم ونساءكم وأطفالكم، وذلك بالتصدي للأعداء في عقر ديارهم، وكل المنطقة الممتدة من اللطيفية حتى الموصل شمالاً والحدود السورية والأردنية غرباً هي ساحة وغى، والكثير من سكانها بغاة، وقبل بدء العمليات وحقناً لدماء الأبرياء لابد من توجيه إنذار أخير لأهل هذه المناطق من غير المشاركين في الحركات والأحزاب الإرهابية لتركها واللجوء إلى محميات تحددوها في بيانكم، ومن ثم وبعد التوكل على الله كثفوا العمليات والغارات وبمختلف الأسلحة والوسائل لإفناء الإرهابيين عن بكرة أبيهم وملاحقة الهاربين منهم إلى داخل الدول المجاورة، وفي ذات الوقت إنذار حكومات الأعراب بالامتناع عن نجدة الإرهابيين وإلا فسنقوم بنقل المعركة إلى أراضيهم وبضراوة لم يعهدوها من معارضيهم.
أما مجالس العزاء على الشهداء فموعدها بعد النصر وتطهير أرض الرافدين من أدران الإرهاب والإحتلال، وأمكنة انعقادها ليس مدينتكم العظيمة وإنما المدن التي خرج منها الإرهابيون واحتضنت الوافدين منهم، آنذاك سيتحقق الوعد الآلهي بأن الأرض يرثها عباد الله المستضعفون.
https://telegram.me/buratha