( بقلم : د. حامد العطية )
عندما تصدر حكومة شرعية منتخبة مذكرة جلب أو توقيف بحق شخص فلا مناص من تنفيذها، وهذه المذكرة خطوة أساسية فيما يعرف بالعملية القانونية الضرورية أوdue process of law والتي تعتبر جوهر العدالة في النظام القانوني، وشرطاً لازماً لتحقيق مبدأ سيادة القانون، وفي غياب النصوص والاجراءات النظامية لتطبيق القانون والالتزام الجاد بتنفيذها تضيع هيبة القانون أو يحوله الطغاة أمثال صدام حسين إلى وسيلة طيعة لتنفيذ مآربهم التسلطية والقمعية، ولا تفضي المذكرة بالضرورة إلى توجيه تهمة والقاء القبض على المشتبه به، وبعد اكتمال إجراءات التحقيق فقد تزول الشبهة ويخلى سبيله أو قد تتعزز الشكوك بارتكابه ما يحاسب عليه قانوناً مما يستدعي مثوله أمام هيئة التحقيق مجدداً ومن ثم المحكمة المختصة.
لا تصدر الهيئات القضائية النزيهة مذكرت الاستدعاء أو التوقيق جزافاً، لأن التوقيف الاعتباطي بحد ذاته مخالفة يحاسب عليها القانون، وبالتأكيد لم تصدر مذكرة التوقيف بحق الضاري من دون مسوغ قانوني، والخطاب التحريضي للرجل غير خاف على القاصي والداني، ومنذ ظهوره العلني على المسرح السياسي العراقي لم ينفك عن اطلاق التصريحات المعارضة للعملية السياسية في العراق، ومع الاشارة إلى اتفاق الجميع، من حلفاء وخصوم الضاري، حول عدم مثالية العملية السياسية إلا إنه في مثل الظروف الراهنة التي يمر بها العراق فإن تعطيل العملية السياسية، بفعل تصريحات الضاري أو أمثاله، لن تؤدي إلا لتأزم الوضع الداخلي وتفاقم الخلافات بين الطوائف والأحزاب والجماعات السياسية مما يهدد باشعال فتنة واسعة تهدد وحدة العراق وتعرض كيانه لأفدح المخاطر من الداخل والخارج، وبالتالي فقد يجد البعض في تصريحات وأنشطة الضاري ما يبرر توجيه الاتهام له ليس فقط بالتحريض على الإرهاب بل الخيانة العظمى.
ليس بخاف على الضاري وأتباعه وحلفاءه من الإرهابيين والطائفيين حقائق جلية عن الموقف، فالعراقيون مجمعون على رفض الاحتلال وانهاء وجوده على الأرض العراقية في أقرب فرصة ممكنة، لذا فلا فضل ولا سابقة لهم في دعوتهم للجهاد أو النضال لاخراج المحتل، وإذا كانوا هم يطالبون بإخراج المحتلين بالقوة فقد دعت القوى الأخرى لبلوغ نفس الهدف بوسائل أخرى أقل ضرراً على مصالح وأرواح العراقيين، وأختلف شخصياً مع معظم القوى والحركات الشيعية المنضوية ضمن الائتلاف في تشكيكي بالنوايا الأمريكية، وكتبت مراراً ومنذ حوالي ثلاث سنين بأن الرئيس بوش ورئيس الوزراء بلير اتفقا مع حلفائهما من حكام الأعراب والكيان الصهيوني على خطة لتحويل الرأي العام الغربي عن المطالبة بالاقتصاص من البلدان الي ينتمي لها الإرهابيون ومنها يحصلون على التمويل والتوجيه العقائدي، وبالذات السعودية، وإفراغها من الإرهابيين السلفيين بفعل تحويل العراق إلى مصيدة، يكون الشيعة فيها بمثابة الطعم الذي يجتذب الإرهابيين للفخ الأمريكي، والدليل على هذه النظرية دعوة بوش الإرهابيين للمنازلة على أرض العراق وترك القوات الأمريكية للحدود العراقية الغربية والجنوبية من دون حراسة كافية وتباطؤهم في تسليح الجيش والشرطة العراقية، لذا فقد دعوت إلى تبني الشيعة مواقف أشد صلابة مع القوى المحتلة ومع أعدائهم من العراقيين على حد سواء حتى لا يجرأ أحد على الاستهانة بدماءنا ومصالحنا نحن الشيعة وبحقوقنا الثابتة في العملية السياسية بحكم كوننا الأغلبية التي لن تنسى ما وقع بها من ضيم وتعسف في العهود الماضية التي كان الشيعة فيها محكومين بالحديد والنار.
وافق بعض الشيعة على مشروع المصالحة الوطنية وتأليف حكومة وطنية، وكتبت معترضاً عليه من منطلق عدم انطباقه على الوضع في العراق، فالشيعة هم ضحايا الأنظمة الطائفية السابقة، وبالأخص نظام البغي البعثي، فهل من الجائز تصالح الضحايا من الشيعة مع جلاديهم وأعدائهم الطائفيين المهزومين واشراك بقايا وصنائع النظام الطاغوتي في الحكم، وهم أقلية معارضة، خلافاً للمباديء والممارسات الديمقراطية؟ وقد ثبت صواب تحذيراتي من النوايا الخبيثة للطائفيين من ورثة النظام السابق بوضعهم الشروط غير المنطقية والتعجيزية لقبولهم بالمصالحة الوطنية والمشاركة في الحكومة الوطنية، ومن ثم سعيهم المحموم لعرقلة العملية السياسية ووضع العقبات أمام توليها وتفعيلها لمسئولياتها الأمنية، فهم لا يزالون يفكرون ويتصرفون بعقلية وهمجية النظم التسلطية السابقة، مستقوين بالإرهابيين وما تسفكه عملياتهم من دماء شيعية بريئة، ومستندين للدعم المالي والإعلامي والمعنوي والشرعي الذي تغدقه عليهم بعض الأنظمة العربية وبالذات في جزيرة الأعراب، وليس الضاري وحده واجهة للإرهاب، الهادف لإعادة فرض هيمنتهم وتسلطهم، بل كذلك المدافعين عنه مثل الهاشمي وحزبه والدليمي وكتلته وممثليهم في الحكومة، والواجب أيضاً استدعائهم أمام التحقيق، وفي ضوء نتائجه فقد يتقرر إحالتهم إلى القضاء بتهمة التحريض على الإرهاب ودعمه.
الآن وبعد صدور مذكرة الاعتقال أو الاستدعاء بحق الضاري لا خيار أمام الحكومة سوى الاصرار على تنفيذ قرارها وعدم التراجع عنه لأن أي تهاون أو نكوص عن ذلك سيطيح بمكانتها وهيبتها، مما قد يسفر عن انهيارها وحدوث أزمة سياسية وربما حرب أهلية واسعة.
https://telegram.me/buratha