المقالات

التعايش السلمي ثورة لتوحيد المجتمعات

927 15:18:00 2011-01-04

وليد المشرفاوي

امتلكت البشرية خطابها في التعايش السلمي البنّاء عبر مسيرة وجودها.. ولكنّ تلك المسيرة لم تخلُ من حالات تقاطعت مع قيم هذا الخطاب عندما كانت تظهر لغة التشدّد والتطرّف. والأصل في الحياة الإنسانية أن تأخذ بكل ما يدعِّم العلائق الإيجابية ويمنحها فرص الهدوء والاستقرار.. وهذا ما أكدت عليه الديانات والشرائع والقوانين، إذ نقرأ في النص المقدس"وخلقناكم قبائل و شعوبا لتعارفوا".. وفي مجال لغة التفاعل والتخاطب جاءت الآية الكريمة لتقول: "وجادلهم بالتي هي أحسن".. وها نحن نجابه اليوم عواصف التشدّد والتطرف تحيط بمسيرة العلاقات بين شعوبنا.. حيث تمارس العناصر القليلة والمجموعات الصغيرة الضيقة أفعالها, مستغلة قوانين الحريات العامة وإتاحة الفرص واسعة للتعبير لكي تدلي بخطابات تقع بين التشنج وعدم فهم الآخر وبين التحريض على الكراهية والعنصرية والدعوة لوقف الحوارات الوليدة للـّقاء والتفاعل الإيجابيين بين الثقافات البشرية المتعددة المتنوعة...تعتبر مفردة التعايش من المفردات المهمة لتواجد الأفراد في داخل المجتمعات بل هي المفردة الأسمى لتواجد بني الإنسان ضمن دائرة الإنسانية الواحدة القادرة على البناء الإنساني المتضامن. إن مفردة التعايش بما تحمل من معان هي بحد ذاتها ثورة لتوحيد المجتمعات... ثورة على الذات الرافضة للآخر , ثورة على الآخر الرافض للذات الإنسانية وهنا مصطلح الثورة نقصد به التحرك السريع لتوحيد المجتمع ضمن مفردة التعايش السلمي ولكن وكما هو معروف لدى المفكرين والمثقفين فان مفردة الثورة بحاجة إلى التحرك المتضامن مع التنظير فالتنظير يسبق هذه الثورة لضم أبناء المجتمع ضمن البناء الواحد وان مفردة التعايش لا تخص مجتمعا دون مجتمع آخر بل هي لكل المجتمعات والإنسان بطبيعته يكون متعايشا مع الآخرين ضمن مناهج الحوار...واليوم نحن في العراق نحتاج هذه المفردة وتطبيقاتها أكثر من أي وقت مضى حيث إن بلادنا فيها من الطوائف والاثنيات والعرقيات الشيء الكثير فإذا لم يكن هناك تعايش سلمي بين كل هذه الفسيفساء الجميلة في العراق فلن نضمن استقرارا مرتكزا في هذا البلد ومبنيا على معاني الصدق والإخلاص لأبنائه فالعراق متوزع وتكمن جمالياته في أطيافه المتعددة من سنة وشيعة وكرد وتركمان وصابئة وشبك وايزيديين ومسيح وغيرهم والعراق منذ الأزل بني على كل هذه الشرائح المهمة القادرة على بنائه من جديد بعد عصف الدكتاتوريات المتعاقبة والإرهاب الحالي.والتعايش قد يتعرض للانتهاك عندما تنعدم شروطه وتغفل مكوناته في المساواة والعدالة بالحقوق والواجبات لحد انعدام الثقة في قبول العيش مع الآخر,وفي علم السياسة والاجتماع يعني التعايش وجود نواة مشتركة لفئات متناقضة في محيط معين تقبل آراء بعضها البعض وتهضم الخلاف والاختلافات بين الآخر بعيدا عن مبدأ( ألتسقيط والتهميش-التسلط والأحادية والقهر والعنف من خلال الالتزام بمبدأ الاحترام المتبادل لحرية الرأي وطرق تفكيره وسلوكه,إن مفهوم التعايش في تطبيقه المتواضع يحسم أمور كثيرة من عقبات ومخلفات فكرية واجتماعية التي يمسك بها بعض المتزمتين بالطائفية والمذهبية والعنصرية وغيرها من الأمور المفتعلة التي تثير وتأجج الصراع.فالمسلم السني الذي لا يستطيع العيش مع المسلم الشيعي , فانه لن يتمكن أيضا من العيش المشترك مع نظرائه في الانتماء المذهبي والعكس,ولهذا نرى مفهوم التعايش السلمي مفهوما حضاريا , لا يؤسس للعلاقة بين التنوعات السياسية والثقافية في داخل المجتمع , فحسب,بل يؤسس للعلاقة السلمية في داخل الإطار الواحد أيضا, ومن اجل بناء السلم الأهلي والاجتماعي بشكل صحيح , ندعو لإعادة النظر في مفهوم الوحدة , ونفي الخصوصيات , كما ندعو لإعادة النظر في مفهوم العدو ومتواليا ته من التناحر والتقاتل والعداء المفتوح , حيث إننا بحاجة ان نحدد(من نحن ) و (من هم أعداؤنا) ,وذلك حتى يتسنى لنا صياغة ذاتنا الوطنية وتحديد أولوياتها ومشروعات عملها, فالآخر الذي قد نحسبه عدوا لأول وهلة , لو اقتربنا منه لربما علمنا انه صديق يشترك معنا في أكثر خصوصياتنا, لذا ينبغي ان ننظر لموضوع الحوار على أساس انه ممارسة إستراتيجية دائمة , لا عملا تكتيكيا مرحليا , فجميل أن نعرف من (نحن) , لنعرف من هو (الآخر) , فمن نظنه الآخر قد نكتشف انه يدخل في قائمة (نحن) , إن تحاورنا معه بالتي هي أحسن ! ويكفي أن نجلس مع الآخر ونتحاور معه ,ليتعرف كل منا على التصورات الصحيحة تجاه بعضنا البعض , فالله-عز وجل-خلقنا شعوبا وقبائل لنتعارف , لا لنتقاطع , ولا لكي يحمل كل منا الضغينة والحقد تجاه إخوته في الإنسانية , وأتصور إننا لن نعرف أنفسنا جيدا إن لم نتحاور مع الآخر,فالأصل في علائق الشعوب والمجموعات الدينية يكمن في التعاضد والتعاون والتعايش السلمي وكل ما يشذ عن ذلك تعالجه البشرية بالحكمة وبما لا يعرض تلك العلاقات للهزات أو التخريب أو حتى الفتور..فلا يمكن لما يشذ عن القاعدة الأصل أن يلغي الصواب في العلاقات أو يعطل الحكمة في إدارتها الأمور.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
محمود الراشدي : نبارك لكم هذا العمل الجبار اللذي طال إنتظاره بتنظيف قلب بغداد منطقة البتاويين وشارع السعدون من عصابات ...
الموضوع :
باشراف الوزير ولأول مرة منذ 2003.. اعلان النتائج الاولية لـ"صولة البتاوين" بعد انطلاقها فجرًا
الانسان : لانه الوزارة ملك ابوه، لو حكومة بيها خير كان طردوه ، لكن الحكومة ما تحب تزعل الاكراد ...
الموضوع :
رغم الأحداث الدبلوماسية الكبيرة في العراق.. وزير الخارجية متخلف عن أداء مهامه منذ وفاة زوجته
عمر بلقاضي : يا عيب يا عيبُ من ملكٍ أضحى بلا شَرَفٍ قد أسلمَ القدسَ للصُّ،هيونِ وانبَطَحا بل قامَ يَدفعُ ...
الموضوع :
قصيدة حلَّ الأجل بمناسبة وفاة القرضاوي
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
فيسبوك