( بقلم : عدنان آل ردام العبيدي / رئيس تحرير صحيفة الاستقامة / رئيس اتحاد الصحفيين )
مائة عام او اقل من ذلك ببضع سنوات، هوعمر العراق الحديث والمعاصر، واذا ما كان الوطن العراقي قد تميز بتنوعه (اديان، طوائف، قوميات) فانه وطوال القرن الماضي وحتى يومنا هذا كان قد شهد تعددية الانظمة التي توالت على حكمه.. فمنذ عقد العشرينيات وحتى نهاية الخمسينيات كان العراق ملكياً وتوالى على الحكم فيه ابناء واحفاد الشريف الحسين بن علي ملك الحجاز الاسبق.. وكان الابناء والاحفاد من العرب السنة، وعند وفاة أي منهم كانت الحياة بكل مكوناتها لا تتوقف ولا تحدث عواصف او زلازل لموت الملك.وبعد سقوط الملكية وقيام النظام الجمهوري في اواخر الخمسينيات تولى حكم العراق الزعيم عبد الكريم قاسم ومن بعده العقيد عبد السلام عارف، وتلاه شقيقه العقيد عبد الرحمن عارف وانقض عليه العميد احمد حسن البكر ليزيحه من السلطة ويمتطي كرسيه.. وكل هؤلاء الذين حكموا العراق هم من العرب السنة ايضاً، ولم تضطرب الاوضاع الامنية ولم يلوح احد من السياسيين، من انصار الحكام السالفين او من خصومهم بحرب اهلية، تمسكاً بهم او كرهاً لهم!.
وبعد سقوط نظام صدام رأس البلاد العراقية الياور وهو عربي سني، واودع البرلمان العراقي الدائم ثقته بالرئيس جلال الطالباني ليتولى رئاسة العراق لسنوات اربع قادمة، والطالباني كردي سني ولم يحدث اضطراب او فوضى عندما غادر الياور منصبه ولن يحدث ذلك حين يغادر الرئيس الطالباني مقره في القصر الجمهوري بعد اقل من اربع سنوات.
غير ان صدام الذي تولى حكم العراق قسراً ورسمياً في عام 1979 قد اسس لنظام جديد، هو النظام الدكتاتوري الحزبي والشمولي وقد حوّل هذا النظام وعبر سنوات حكمه الثقيلة الى نظام مناطقي، ثم عشائري، واخيراً عائلي.. وبذلك يكون صدام قد اسس لنظام غريب لم يشهده تأريخ العراق الحديث على امتداد ثمانين سنة من عمره السياسي.
وكذلك أسس صدام لحروب وكوارث ونزعات مع الجوار، وخلق فوضى في الداخل، فوضى غياب الدولة وحصرها، لحل الدولة ومؤسساتها في شخصه، والمشكلة في قضية صدام تختلف تماماً عما سبقه من حكام لان هذا الاخير لم يكن حاكماً يعمل بنفس الآليات التي كان من سبقوه يعملون بها وكل الازمات والحروب والكوارث والدمار الذي حل بالعراق خلال فترة حكم صدام لم يشهدها العراق خلال ما يقرب من قرن من الزمان.
ان المشكلة التي يعيشها العراقيون اليوم هي انهم يعملون كي لا تتكرر تجربة كتجربة صدام ضماناً للعراق كدولة وللعراقيين كشعب. وما نأمله من الجميع، طوائف واقليات وكيانات سياسية هو ان يدركوا باننا الان امام حقبة جديدة، ومرحلة مفصلية وان التأريخ لم يقف عند شخص بحد ذاته، فالعراق باقٍ وشعبه باقٍ والحكام زائلون.
ونستطيع ان نقول ايضاً بان الشعب العراقي بريء مما تشهده الساحة العراقية حالياً من دمار وارهاب وفوضى، انما الذي يحصل في العراق حالياً هو تحصيل حاصل لثقافة القرية الشاذة والتي لا تنتمي لاي من قرانا الجميلة ولفوضى العشيرة التي تنزهت عنها كل عشائرنا الشريفة وللاسرة المفككة التي تعففت عنها اسر العراقيين جميعاً. ما يحصل الآن هو نتيجة طبيعية لثقافة المافيا والبلطجة التي شيد صدام نظامه على اساسها.
https://telegram.me/buratha