( بقلم : عبد الاله البلداوي )
تصنيف وتشخيص الأزمات:1- تصنيف الأزمات:أول مهام غرفة عمليات الادارة للأزمة هي تحديد نوع وطبيعة الأزمة، لكن تحديد نوع الازمة ليس عملية سهلة، لأن أية أزمة بحكم طبيعتها تنطوي على عدة جوانب متشابكة إدارية واقتصادية وانسانية وجغرافية وسياسية، وبالتالي تتعدد وتتنوع التصنيفات بتعدد المعايير المستخدمة في عملية تحديد أنواع الأزمات.وعلى هذا الاساس يمكن تصنيف الازمات استناداً الى المعايير التالية:1- نوع مضمون الأزمة : فهناك ازمة تقع في المجال الاقتصادي او السياسي إلخ، ووفق هذا المعيار قد تظهر ازمة بيئية، أو أزمة سياسية، أو أزمة إجتماعية، أو أزمة إعلامية، أو أزمة إقتصادية، وفي داخل كل نوع قد تظهر تصنيفات فرعية مثل الأزمة المالية ضمن الأزمة الأقتصادية، وهكذا.2- النطاق الجغرافي للأزمة: ان استخدام معيار جغرافي يؤدي الى ما يعرف بالازمات المحلية التي تقع في نطاق جغرافي محدود أو ضيق، كما يحدث في بعض المدن أو المحافظات البعيدة كأنهيار جسر أو حادث قطار، ثم هناك أزمات قومية عامة تؤثر في المجتمع ككل كالتلوث البيئي أو وجود تهديد عسكري من عدو خارجي، وأخيراً ثمة أزمات دولية كأزمة كوسوفا، أو أزمة الأنحباس الحراري أو أزمة الحاسوب ونظم المعلومات. 3- حجم الازمة: يشيع معيار الحجم أو الضخامة في تصنيف الأزمات فهناك:- أزمة صغيرة أو محدودة تقع داخل أحدى دوائر أو مؤسسات المجتمع.- أزمة متوسطة.- أزمة كبيرة.ويعتمد معيار الحجم أو الضخامة على معايير مادية كالخسائر والأضرار الناجمة عن أزمة المرور أو تعطل في توليد الطاقة الكهربائية، ثم هناك في كل أزمة معايير معنوية كالأضرار والآثار التي لحقت بالرأي العام وبصورة المجتمع أو المؤسسة التي تعرضت للأزمة.4- المدى الزمني لظهور وتأثير الازمة: يعتمد هذا المعيار على عمر الازمة، وفي هذا الاطار هناك نوعان من الازمات:أ- الأزمة الأنفجارية السريعة: وتحدث عادة فجأة وبسرعة، كما تختفي أيضاً بسرعة، وتتوقف نتائج هذه الأزمات على الكفاءة في إدارة الازمة، والتعلم منها، مثل: اندلاع حريق ضخم في مصنع لأنتاج المواد الكيمياوية .ب- الأزمة البطيئة الطويلة: تتطور هذه الأزمة بالتدرج، وتظهر على السطح رغم كثرة الإشارات التي صدرت عنها، لكن المسؤولين لم يتمكنوا من إستيعاب دلالات هذه الإشارات والتعامل معها، ولا تختفي هذه الازمة سريعاً، بل قد تهدد المجتمع لعدة أيام، من هنا لابدَّ من تعديل الخطة الموجودة لمواجهة الأزمة أو وضع خطة جديدة، والتعامل مع الأزمة في سرعة وحسم وبلا تردد، فكل دقيقة لها قيمة، وفي كل دقيقة ستواجه بتحديات وضغوط من رؤسائك، ومن الجمهور، بل ومن بعض وسائل الأعلام المحلية أو الخارجية، لكن كل هذه التحديات قد تكون فرصة لأختبار مدى قدرة فريق الأزمة على التصرف، كما قد تكون فرصة أمام العاملين لإثبات تماسكهم ووحدتهم، مثل: وجود مشكلات بين العاملين والإدارة حول ساعات العمل والأجر الإضافي وظروف العمل، والدخول في مفاوضات بين الطرفين، وفشل المفاوضات.5- طبيعة التهديدات التي تخلق الأزمة: تختلف التهديدات التي تواجه المنظمة أو المجتمع، وبالتالي يمكن تصنيف الأزمات إستناداً الى نوعية ومضمون التهديد، فهناك تهديدات خارجية موجه ضد المعلومات، ومجموعة متعلقة بالأعطال والفشل، وتهديد خارجي موجه ضد إقتصاد المنظمة، والخسائر الفادحة، وتهديدات نفسية، والأمراض المهنية.6- أسباب الأزمات: اعتماداً على الأسباب المؤدية للأزمات يمكن تقسيمها الى:- أزمات تظهر نتيجة تصرف أو عدم تصرف المنظمة وتتضمن الأخطاء الإدارية والفنية أو الفشل في تحقيق أساليب العمليات المعيارية.- الأزمات الناتجة عن الإتجاهات العامة في البيئة الخارجية.- الأزمات الناتجة من خارج المنظمة وليس للمنظمة أي سبب في حدوثها.- الأزمات الناتجة عن الكوارث الطبيعية كالفيضانات والزلازل والبراكين.7- طبيعة أطراف الأزمة: استناداً إلى طبيعة الطرف أو الأطراف المنخرطة في الأزمة أو تأثيرها على الدولة يمكن التمييز بين الأزمات الداخلية والأزمات الخارجية، فإذا تعلق الأمر بأحد جوانب السيادة الخارجية للدولة أو انخرط طرف خارجي في الموقف كانت الأزمة دولية خارجية كما هو الحال في النزاعات البرية والجوية والحروب والتهديد باستخدام القوة العسكرية، وقطع العلاقات الدبلوماسية،.. الخ، أما إذا أرتبط الأمر بتفاعلات القوى السياسية والمجتمعية في الداخل كانت الأزمة داخلية وفي اطار الأزمات الخارجية فإن التصنيف الأكثر لأهمية الازمات هو ذلك التمييز بين الأزمة منخفضة الحدة والأزمة ذات الطابع الإستراتيجي أو الهيكلي.والأزمة الدولية الإستراتيجية هي موقف تدهور خطير في عناصر البيئة الداخلية أو الخارجية لأطراف الأزمة يمثل تهديداً للقيم والأهداف الرئيسية للدولة، وقد يصاحبه إحتمالات كبيرة لأستخدام القوة العسكرية الشاملة، مع وجود وقت محدود لأتخاذ قرارات حاسمة بشأن هذا التدهور أو التهديد الخطير.وتنطوي التصنيفات السابقة على قدر كبير من التداخل، كما ان أي تصنيف منها لا يستطيع ان يحيط بكل جوانب الأزمة، من هنا انتشر بين الباحثين والخبراء استخدام اكثر من معيار لتحديد أنواع الأزمات وهو ما يعرف بالمعيار المركب الذي يدخل في اعتباره اكثر من معيار.ولاشك ان المعيار المركب هو الأكثر ملاءمة للتعامل مع الأزمات سواء في مرحلة التخطيط للوقاية من الأزمة أو مرحلة احتواء أضرارها، فالأزمة أيا كانت طبيعتها ومجالاتها تؤثر في المجتمع ككل، فقد تحدث أزمة في قرية بعيدة لكنها تؤثر في المجتمع ككل، كذلك فأن الأزمة المالية مثلاً لا تؤثر في النظام الاقتصادي فقط، بل تؤثر في المجتمع ككل، وبالتالي ينبغي التعامل مع أي أزمة إعلامياً من منظور مجتمعي شامل، وثمة اتفاق بين الخبراء والباحثين على هذا المنظور الذي عكس نفسه في تركيب فريق إدارة الأزمة حيث يتكون الفريق من خبراء ومتخصصين من كافة المجالات ذات العلاقة بالأزمة.مما سبق تظهر أوجه التكامل والتداخل بين الأزمات من هنا يمكن أن تتحول على سبيل المثال أزمة اقتصادية في محافظة أو أقليم محدود الى أزمة عامة بحسب مدى سرعة آثارها الاجتماعية والنفسية، في الوقت نفسه فإن إتجاه الأسهم في الشكل يكشف عن التداخل والترابط بين أنواع الأزمات، وعن الآثار المادية والنفسية الناجمة عنها، وكيف يمكن ان تتحول الى سبب لأزمة اخرى أو ان تكون الأزمة نفسها هي نتيجة لأزمة أخرى، أو نتيجة لكارثة ما.2- مناهج تشخيص الأزمات:يُعدّ التشخيص السليم للأزمات هو المفتاح السهل للتعامل معها، وبدون هذا التشخيص السليم يصبح التعامل مع الأزمات إرتجالاً، وأساس التشخيص السليم هو وفرة المعلومات، المعرفة، الخبرة، والممارسة، ولذا فإن مهمة التشخيص الدقيق والسليم لا تنصرف فقط إلى معرفة أسباب وبواعث نشوء الأزمة والعوامل التي ساعدت عليها، وإنما إلى تحديد كيفية معالجتها، ومتى وأين تتم معالجة الأزمة، ومن يتولى أمر التعامل معها، وما تحتاجه عملية إدارة الأزمة من معلومات واتصالات وأدوات مساندة، وسيناريوهات أساسية وبديلة للتعامل مع الأحداث التي سببتها الأزمة ووقف تصاعدها ونموها، وأحتوائها وأمتصاص ضغطها.... إلخ.فالأزمة تعد بمثابة مرض فجائي أصاب إنساناً معيناً ويهدد حياته ويحتاج إلى:- معالجة سريعة.- معالجة حاسمة.- شفاء المريض.ولن نستطيع تحقيق أي من هذه الأهداف دون تشخيص حالة المريض، ليس فقط لمعرفة ما هو المرض الذي أصابه، ولكن أيضاً لمعرفة مدى قدرة المريض على تحمل العلاج المقترح، والبدائل المناسبة للتعامل مع الحالة المرضية على أقصى درجة من السرعة والدقة والكفاءة وهي أمور كلها تمارس تحت ضغط الأزمة الرهيب.ويستخدم في تشخيص الأزمات عدة مناهج أساسية، فقسم من الباحثين يقسمها الى سبع مناهج وقسم آخر يقول انها ثمان ولكننا من باب الأختصار نذكر المهمة منها: 1- المنهج الوصفي التحليلي: يقوم هذا المنهج على تحديد مظاهر الأزمة وملامحها العامة والنتائج التي أفرزتها وتأثيرها على الوضع العام في الدولة، وينتهي هذا المنهج بتوصيف الأزمة وعرض أبعادها وجوانبها والمرحلة التي وصلت إليها والتداعيات التي قد تصل إليها.2- المنهج التاريخي لتشخيص الأزمات: يعمل هذا المنهج وفقاً لنظرية أن أية أزمة من الأزمات لا تنشأ فجأة وليست وليدة اللحظة، وإنما نتاج تفاعل أسباب وعوامل نشأت قبل ظهور الأزمة تاريخياً، ومن هنا فإن أي تعامل مع هذه الأزمة يجب أن يبنى أساساً على معرفة كاملة بالماضي التاريخي وكيفية تطورها، فالتعمق في تشخيص الأزمة، وردها إلى أصولها التاريخية الحقيقية هو المقدمة الضرورية لطرح المعالجة وأدوية العلاج.3- منهج دراسة الحالة: ويعتمد على دراسة كل أزمة على حدة لإكساب الخبرة في التعامل معها.4- منهج الدراسات المقارنة لتشخيص الأزمات:ويقوم هذا المنهج على دراسة الأزمات التي تمت في الماضي ومقارنتها موضوعياً بالأزمات التي نواجهها في الحاضر، ومن خلال دراسة المقارنة يتبين أوجه الإتفاق، وأوجه الإختلاف، ومن ثم يتم تجربة استخدام العلاج فيما اتفق ونجح في الماضي، واستحداث علاج فيما وصل اليه في الحاضر.وأساس المقارنة وفقاً لهذا المنهج قد يكون أحد الأسس التالية:- مقارنة زمانية تاريخية.- مقارنة مكانية جغرافية.- مقارنة نشاطية يتصل بالنشاط الذي حدثت به الأزمة.- مقارنة من حيث الحجم الذي بلغته الأزمة أو الشدة التي وصلت إليها.
عبدالاله البـلداويباحث في الدراسات الإستراتيجية والأمنية
https://telegram.me/buratha