خيرالله علال الموسوي
امتاز العرب قديما وحديثا بالفصاحة والبلاغة, وقد نزل القرآن الكريم متحديا للعرب كي يثبت الله سبحانه وتعالى قدرته وليكون معجزة الرسول (ص وآله),وعندما عرفوا انه ليس من كلام البشر اذعنوا وآمنوا .والشعر الذي كتب قبل الاسلام هو خيرشاهد على فصاحة وبلاغة العرب .للشعر الحظ الاوفر في الحفظ لانه كلام مكثف المعنى قريب الى النفس لانه ينطلق او يخرج من الوجدان وتتقبله النفس البشرية بسرعة اكثر من النثر .وكان الشعر من اهم الفنون الادبية الاخرى التي يعبّر به الشاعر عن خلجات نفسه ,كما انه يعتبر احد الوثائق التاريخية المهمة التي يُعتمد عليها حيث حفظ لنا الكثير من المآثر التاريخية الهامة ,لانهم لايمتلكون انذاك وسائل تدوين فكان الشعر هو وسيلتهم الاعلامية والتوثيقية الوحيدة.ولو تفحصنا انتاج جميع شعوب العالم من الشعر لانجد (الابوذية )الا في العراق.اين وكيف نشأهذا النوع من الشعر؟نشأ هذا الشعر في جنوب العراق في محافظة ذي قار وبالاخص في مدينة(سوق الشيوخ) .اما التسمية فهي لاتحتاج الى كثير من الجهد لكي تعرف فهي من الاذية اي الالم واللوعة والضيم والمعانات.وانا هنا لا اريد ان اجري بحثا ادبيا حول (الابوذية) انما اريد ان اشير للبعض على ان الابوذية خرجت من سوق الشيوخ ,وخروجها ماكان الا لما مرت به المدينة من لوعة ,محاولا قدر المستطاع تسليط الاضواء على ان نشوء هذا الشعر نتيجة الظروف الاقتصادية والسياسية التي يمر بها ابن الجنوب, وهما متلازمان السياسة تؤثر في الاقتصاد والاقتصاد يؤثر في السياسة وكلاهما يؤثران على الحالة النفسية سلبا او ايجابا , مما يولد انفعال وهذا الانفعال بدوره يعطي ادبا يعبّر عن الحالة النفسية التي يمر بها الشاعر.
والابوذية هي نوع من انواع الشعر الشعبي ,وتتكون من اربعة اشطر ,تنتهي الاشطر الثلاثة بنفس الكلمة ولكن تختلف من حيث المعنى ,والشطر الرابع ينتهي بكلمةآخرها يتضمن (يه) كقول الشاعر:عجز من شيل هدمي مالمتني وعلي ضاكت الوسعه مالمتنيلون تدري الوادم مالمتنيله الظاهر وانا علتي خفيه ولتحليل هذا البيت لغير العراقي اوللذي لايعرف لهجة الجنوب يصور الشاعر عجز متنه من تحمل (الهدم) وهي العباءة الرجالية وذلك بسبب الحالة النفسية المتازمة التي يمر بها الشاعر التي اوصلته الى عدم تحمل العباءة التي لايتعدى وزنه المئة غرام اويزيد قليلا,والشطر الثاني يقول فيه ان الدنيا على اتساعها ضاقت بي وهو تعبير دقيق للالم النفسي والكآبة الحادة التي يمر بها الشاعر,وفي الشطر الثالث يقول فيه لو تعلم الناس بما امربه لما لامتني لان عدم لبس العباءة في العرف شيئ غير مقبول و سوف يتعرض للانتقاد من قبل المجتمع لان المجتمع لا يسمح له ان يخرج دون لبس هذه العباءة التي هي زي عربي اعتاد عليه العرب ,لذلك يخاطبهم ان لايلومونه لانه وصل به الالم على انه لايجد طاقة لتحمل هذه العباءة الخفيفة .لقد صور الشاعر المه بدقة متناهية ونقل عمق حزنه ولوعته التي يمر بها وهذا يعني ان (سوق الشيوخ )انفردت بالاذية من بين جميع مناطق العالم مما ادى بها الى ان تنتج لنا هذا اللون من الشعر المؤلم ,وهو بحد ذاته يُعبر عن معانات ابن الجنوب على وجه الخصوص الذي انفرد بمرارة المعانات وضيق العيش وتوالي المصائب .نستنتج من هذا كله ان المرارة التي يمر بها العراقي وابن الجنوب لم يمر بها انسان على البسيطة ابدا .والسؤال الذي يُطرح لماذا كُتب على العراقي ان يكون مظلوما وهو وريث هذه الحضارات العريقة ؟وببساطة ان الحضارات العربية تتركز في ثلاث بلدان العراق ,ومصر ,واليمن وهذه الدول سحقت تماما ,وربما الحضارة هي السبب لان الانظار توجهت لهذه الدول وحاول الاعداء والحكام جاهدين ان لا تنهض هذه الشعوب ثانية ابدا وتبقى تقاسي مرارة العيش ,وان كانت مصر قد خرجت من هذا القياس كي تنعم بشيئ من الراحة واليمن بدات تستعيد عافيتها ,اما العراق فلم يستعيد عافيته ابدا لانه كتب عليه الشقاء ,وللحاكم الدور الاكبر في شقاء الشعب العراقي على طول الخط.لقد تناخى الحُكام قديما وحديثا على ان يبقى العراقي مشرد ضائع من بين جميع شعوب العالم ,علما ان دول العالم تنظر له على انه بلد (الحضارات والخيرات والبركات )ولكننا في الحقيقة لا نمتلك من الثلاثة الا التسمية فقط ,لان الحُكام ابدا لم يكونوا جادين في خدمة الشعب العراقي المظلوم .لذلك سوف يبقى الشعراء في جنوب العراق ينشدون هذا النوع من الشعركي يواسوا انفسهم وللتفريغ عن معاناتهم ولوعتهم.فسلاما سلاما على الحُكام لانهم حافظوا على هذا النوع من الشعر كي لا يندثر وهذه حسنة تحسب لهم!!!!!!!.
https://telegram.me/buratha