المقالات

السيد السيستاني في نقد صحيفة واشنطن بوست

2372 03:47:00 2006-11-07

( بقلم : د. حيدر البابلي )

إنتقدت صحيفة واشنطن بوست على لسان "كولبرت كنغ" كاتب مقال موقف السيد السيستاني الرافض للقاء القادة والمسؤلين الأميركيين, ولكن متى حصل ذلك؟حصل ذلك بعد أن فتشت الصحيفة في رصيد المرجعية عن مثلبة أو منقصة -حاشاها- ,أو تخطئة في قول ,أو خطلة في فعل فلم تجد ,فعمدت الصحيفة الى ما شرف من مواقف المرجعية لتحيلها الى مستهجن مذموم, خلاف ما يأباه الضمير,ولكن ترتضيه مصالحهم,فذكرت الصحيفة أن لأميركا الفضل في تحرير السيد السيستاني من وطأة النظام الصدامي وقد كانت المرجعية تتمتع في فترة حكمه بأقل قدر ممكن من النشاط السياسي. ويترجم "كولبرت كنغ" صاحب المقال - بعقلية تحريضية - رفض السيد السيستاني للقاء المسئولين الأميركيين لأنهم غير مسلمين وانهم كفار, وأنه أرفع مستوى منهم وينتهي صاحب المقال الى أن نتيجة ما وصل إليه العراق اليوم سببه وقوع البلد تحت نفوذ رجال الدين, وينهي مقاله زاعماً أن السيد السيستاني هدفه الترويج للمذهب الشيعي, وتحويل العراق إلى دولة ديمقراطية بالاسم وإسلامية في الجوهر.

وأنت ترى أيها القارىء الكريم مؤاخذات صاحب المقال وهي –في حقيقة الأمر- ليست بمؤاخذات وإنما تأويلات باطلة, وافتراءات كاذبة مغرضة لمواقف شريفة, وعليه نسأل سؤالاً: ما غرض الصحيفة فيما ادعت وزعمت؟أود –أولاً- الوقوف لأصف المقالة وصفاً تقييمياً عاماً ثم أقف على مفردات مزاعمها مفردة,مفردة.أقول: يبدو واضحاً أن الغرض من الاتهامات تسقيط المنزلة الرفيعة للمرجعية الدينية الشيعية وليست أية مرجعية أخرى, وقد مهّد صاحب المقال إلى ذلك بتحميله رجال الدين واستبداد نفوذهم وزر ما انتهى إليه البلد من التدهور والتشكيك بنوايا المرجعية محاولة في ترجمة ذلك فشل الأنظمة الإسلامية في امتلاك زمام الأمور وإدارتها شؤون البلاد, وأنها أنظمة شمولية استبدادية, ولاسيما أن الواقع أفرز للعالم أجمع صورة من ذلك نظام طالبان وتنظيم القاعدة .

بعبارة أدق:أراد –بخطاب تحريضي- تعميم سلوك الفكر الديني المتطرف ,والعنف التكفيري ليشمل صوراً أخرى لطائفة لا ترى تكفير الناس –كالقاعدة – لكنها تسلك سلوكهم في الاستبداد ومصادرة الحريات والتجاوز على حقوق الآخرين بالقتل والعنف والتحريض عليهما وانها سياسات أنظمة فاشلة لاتتماشى مع عجلة التحضر والتعايش بروح الديمقراطية مع غيرها.هو ذلك الغرض –كما أظن- قد دفع باتجاهه "كولبرت كنغ",وهنا أقف عند سؤال آخر:لم هذا السعي في توظيف الأمكانات وتكثيف الجهود لأسقاط المرجعية الشيعية؟أجيب عن ذلك: لأن المرجعية الدينية الشيعية الكيان الوحيد الذي أفرزه الواقع, واستطاع عبر امتداده العقائدي والفكري المتين أن يحافظ على توازنه العقائدي والفكري والسياسي في وسط تناقضات الساحة السياسية والعقائدية والفكرية واستطاع أن يثبت جدارته في وسط تساقط الأنظمة السياسية وتراجعها أمام ثباته وتثبته في اتخاذ القرارات المصيرية وتولي زمام الأمور, وهو الكيان الوحيد الذي اجتهد لاسقاطه أصحاب المطامع السياسية –ومنهم أميركا- وألاغراض النفعية لكنهم لم يفلحوا.والآن آتي على مؤاخذات الصحيفة لأحيلها هباءً منثوراً.تزعم الصحيفة أن السيد السيستاني كان ذا نشاط سياسي محدود في فترة حكم الطاغية صدام, ولولا تحرير العراق لبقي هو وأتباعه تحت وطأة حكمه.إذن للمحتل فضل عليه –كما تزعم الصحيفة - فكان ينبغي امتناناً لهم أن يلتقي بهم ويشكرهم.وأجيب :ان المرجعية لم تطلب يد المساعدة والعون من أحد, واستطاعت -كما ذكرنا – أن تحافظ على كيانها وتوازنها في خضم فترات الحكومات السابقة وسياساتها الظالمة, وعاصرت فترات الاحتلال المتعاقبة في تأريخ العراق وغيره من غير أن تؤثر على قرارها .أما نشاطها الحدود, فإنه نشاط يتناسب مع ظروف المرحلة, وليعلم الجميع أن سياسة المرجعية في معالجة الأمور وإدارتها ليست خاضعة لورقة عمل حزب أو منظمة سياسية, لأن سياستها تدور مدار الحفاظ على الشريعة الغراء, والحفاظ – ما أمكن – على المصالح العليا للناس ,لكن فترة التحول السياسي التي شهدتها البلاد بعد سقوط الطاغية اقتضت من المرجعية أن تتحرك في دائرة أوسع لملىء الفراغ السياسي, ومواقفها المشهودة على الساحة العراقية كفيلة بالثناء والاحترام, والتبجيل.2- يزعم صاحب المقال أن سبب رفض السيد السيستاني لقاء المسؤلين الأميركيين لأنه يراهم كفارا غير مسلمين.اقول يعلم صاحب المقال زيف ما يقول وخداع ما يفتري, والخبر اليقين لأن سماحة السيد "دام ظله" لا يريد أن يمنح الأميركيين أية شرعية لوجودهم في البلاد, فهو رفض ترجمة السيد "دام ظله" بصمته البليغ الذي هو أبلغ من البيان عن عدم شرعية وجودهم وليس هو استعلاءً واستكباراً على إنسانية الانسان -كما يزعمون -. والمسئولون الأميركيون يدركون ذلك لذا حرصوا على لقائه مرارا لترجمة أي لقاء مع سماحته تأييدا لهم على وجودهم, لأنهم يعلمون أن المرجعية مستقلة في اتخاذ القرار عن أية جهة وهي الثقل الحقيقي الوحيد القادر على توجيه وتحريك الإرادة الجماهيرية, وبعد ذلك كله فهم يرون في المرجعية الخصم الحقيقي والند لهم, واستمالة ولائها كسب لهم.ولو كان الأمر كما تزعم الصحيفة لما قابل سماحته قبل ذلك شخصيات دولية غير مسلمة ولرفض مقابلتهم أو اعتذر منهم من أمثال ممثل المنظمة الدولية "ديميللو". ولو كان الرفض من لقائهم بوصفهم كفاراً لما طالب سماحة السيد السيستاني إشراك الأمم المتحدة طرفا مقيِّماً للوضع الأمني للعراق آنذاك لغرض إجراء انتخابات برلمانية في العراق على الرغم من علم المرجعية أنها جهة لا تتمتع بمصداقية كبيرة.3- يزعم صاحب المقال أن نتيجة ما وصل اليه العراق اليوم سببه نفوذ رجال الدين , محاولا بالتفاتة خبيثة أن يطبق مصداق كلامه على المرجعية, وليته اتهم طرفاً مناوئا فعلاً لكنه عنى من كلامه مقام المرجعية.أقول:أراد صاحب المقال أن يغتنم فرصة استغلال العنوان الديني الذي أساء استخدامه المغرضون والمفسدون وتطبيقه على سماحة السيد "دام ظله"، والمرجعية أبر وأتقى من أن تسيء الى جلال الوظيفة الشرعية وإهانة العنوان الديني كيف وأن مناط التصدي لها –لو علموا- العلم والتقوى والورع, فلم تقحم المرجعية نفسها –كما يظنون أو يتظاهرون – في موارد الهلكة كما فعل الكثير وافتضح أمرهم, إذ تعاملت المرجعية مع الحدث بحكمة بالغة وحيطة وتدخلت في العمل السياسي تدخلا مثمراً حافظت به على الثوابت الدينية والوطنية لهذا الشعب, وتركت سفاسف الأمر لصراع الأحزاب والقوى السياسية, ولو عرف –أيها القارئ الكريم – عن المرجعية موقفاً متخاذلاً أو متواطئاً لما طلع صبح على أعداء الدين حتى يفضحوا أمرها, وأولهم صاحب المقال هذا لكنهم لم يجدوا مثل ذلك فعمدوا الى أمور يجهلونها ويحسبونها هجينة قبيحة في أدبياتهم كتحريم الشطرنج ومصافحة الرجل المرأة وزادوا على ذلك افتراءً, وهي أمور تمتدح عليها لا أن تذم.4-يزعم صاحب المقال أن غاية السيد السيستاني هو الترويج للمذهب الشيعي, وتحويل العراق الى دولة ديمقراطية بالاسم, إسلامية في الجوهر.أقول : ا- على فرض صحة ادعاء صاحب المقال فليس فيه شيء تؤاخذ عليه المرجعية أو أن توضع تحت مطرقة النقد, لأن حرية الدين والمعتقد مكفول للجميع, ولا تتعارض هذه الدعوى مع الموازين القانونية والحضارية, كيف وهي دعوى تنبثق من موازين شرعية.ب- ما الضير ان تكون هناك دولة إسلامية في الجوهر –كما يصفها صاحب المقال – طالما جاءت توصيات المرجعيات وتوجيهاتها متماشية مع روح الديقراطية التي دعوا إليها وآمنت بإرادة الشعب في تقرير المصير, فلم إذن هذا الاستهجان؟ج- ماذا ينتظر - إذن – من مرجعية وظيفتها الحفاظ على الشريعة وصونها من الانحراف عن الجادة, أتنادي بالديمقراطية الليبرالية وترغب الناس بها ليكون- بحسب ظنهم – معتدلاً ورجل سلام؟وعليه فإذا كانت المرجعية تروج للتشيع وإقامة دولة إسلامية في جوهرها فهو أمر طبيعي لا شائبة فيه لبلد تشكل نسبة المسلمين فيه قرابة 95٪ , وأغلبية مذهبية بنسبة 65٪ تقريباً, والأهم: أن الترويج للتشيع –على فرض صحته – لا يدعو الى خلق صراع مع المذاهب الاسلامية الأخرى كيف وهي منسجمة متعايشة مع بعضها ولا سيما في بلد مثل العراق, وأقول لصاحب المقال بعد ذلك كله: هذه الساحة أمام الجميع وهي مسرح صراع الإرادات بين تيارات إسلامية وليبرالية ,إذن فليدلِ كل بدلوه.د- أما حقيقة الأمر في الواقع فدونك –أيها القارئ - ما بينته المرجعية في خطاباتها وبياناتها التي كانت تؤكد فيها الهوية الوطنية أساساً في الانتماء لهذا البلد والى الهوية الدينية معتقداً تعتنقه الأغلبية الساحقة من سكانه المسلمين, فأين التحريض المزعوم والترويج ؟.والمتتبع لمواقف المرجعية خلال السنوات الأربع المنصرمة يدرك جيداً الخطاب الوحدوي الذي عرفت به المرجعية, وقد انطلقت في مواقفها من احترام سيادة القانون, والقضاء على المظاهر المسلحة غير القانونية والدعوة الأكيدة الى وحدة العراقيين ولمّ شملهم ونبذ العنف والتطرف والقتل على الشبهة والظنة, وكان هذا ديدن المرجعية المباركة منذ أول يوم شهدت فيه البلاد اضطراباً.

ولو استحقت المرجعية كلمة منا لما كانت غير الثناء والإجلال والإكبار لقلب احتوى آلام العراقيين وعاش همومهم وكان أمل العراقيين المشرق في الغد القريب, ودونك يا صاحب المقال أمنية بريمر في لقائه, وامتداح بوش وكميت وغيرهما لمواقفه, بل ممن كان رافضا للعملية السياسية, ومحرضاً على رفض الدستور من أمثال صالح المطلك وقف ذات مرة ممتدحاً مواقف المرجعية في حيادية طرحها ونزاهة توجهها, فلله درها. د:حيدر البابلي

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
التعليقات
ثائر الزيرجاوي
2006-11-07
صدقت يا دكتور حيدر . واقول ان السيد السيستاني شخص عجيب حير الالباب وهو ذو الحكمة الواسعة، الذي سلب عقول محبيه وكسب احترام الجميع اسلامييهم وعلمانييهم . وقد اصبح صمام العراق بدون ان يحرك قطعات عسكرية او ان يطلق هتافاً او خطاباً . كسب الجميع دون ان يقول اية كلمة طائفية او فئوية او تحريضية ضد احد لغرض كسب التأييد . هو الشخص الذي نادى بالانتخابات يوم كانت الامور معدة لحكومة مفروضة على الشعب وهو المطالب بالدستور وهو منقذ النجف بمجرد مرور موكبه فيها وهو الذي لم يعط فتوى قتل ضد احد ولو كان بعثياً.
خادم اهل البيت
2006-11-07
بسم الله الرحمن الرحيم لا فض فوك وجزاك الله خير جزاء المحسنين وجعلك من جنده الذين ينصرون الحق
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك