( بقلم : د. وليد سعيد البياتي )
حييت قلمك سيدي:
لعقود ونحن نداوي جراحنا بالملح كي تبقى نابضة ولنوقظ فيها ذاكرة الانين، نحشوها بالملح الخشن كي تبقى مستفزة ولنعيد على ايقاع الانين رسم خارطة الوجع، لعقود ونحن نرفض ان يخلد هذا الوجع للسكينة، ان تأخذه غفوة فينسى او يتناسى جلاديه واقبية التعذيب وليالي التحقيق والدماء والصبر فياللصبر وياللغضب، للجراح غضب يمتد على مساحة التاريخ وللانين غضب ولآهات الثكالى هدير يعصف بعروش الطواغيت ويعيد ترتيب الحقائق، لعقود والطواغيت قد حشوا حناجرنا حسكا وخناجر آن لها ان ترتد في صدورهم، لعقود والثكالى مجبرات أن يدفعن ثمن رصاصات الجلادين وهم يعدمون الابناء والاحبة. من اجل الانامل التي خطت اسماءها على الجدران الصامتة لزنازين رقم واحد والخاصة والشعبة الخامسة والامن العامة ونكرة السلمان والى ما لانهاية من سجون ومعتقلات الطاغية، من اجل الاعراض التي انتهكت والدماء التي سالت من اجل من دفن في المقابر الجماعية، من اجل عيون الاطفال التي لم تنعم بالنظر الى الاباء الذين رحلوا في قوافل الاملاك، من اجل النساء الامهات والزوجات والاخوات اللواتي كن يقفن ساعات طوال امام بوابات المعتقلات في قيض تموز والبرد الراجف يرجون حراسا اجلافا ان يسمحوا لهن بلقاء الاحبة، من اجل الاهات والانين، قررنا ان نحشو جراحنا بالملح الخشن كي نبقى متيقظين، كي نصبر منتظرين ساعة ان ينطق الحق، ساعة ان يجول ذلك القلم الرائع على صفحات التاريخ ليعيد ترتيب الاحداث على ايقاع الجراح وآهات الامهات والثكالى، فالقاضي رؤوف عبد الرحمن لم يكن فقط رجل الساعة، وهو لم يقدم من مجرة اخرى أو من عالم آخر، فهو رجل من صميم الواقع العراقي لكنه استطاع بصلابته ان يبقى متجردا ولم تستفزه اهانات المجرمين، وعلى الرغم من ان الحكم كان قد صدر بالتداول بين اعضاء هيئة القضاء وهم خمسة من خيرة قضاة العراق، إلا ان نطق القاضي رؤوف رشيد عبد الرحمن بالحكم كان له ايقاع آخر باعتبارة القاضي الاول الذي شهدته هذه المحاكمات.
ففي الصباح وانا انتظر على الشاشة نطق الحكم، ملأت صدري بالهواء فاحسسته نقيا كما لم اتنشق من قبل وابقيته هناك اتلمس روعته بين تجاويف رئتي قبل ان يغادر شفتي براحة تامة، فلك سلاما سيدي القاضي والف تحية، فيحق لنا ان نضع قلمك الرائع هذا في متحف، يحق للجراح ان تخرج من دائرة الانين، يحق للحناجر الثكلى ان تمتلأ زغاريدا ودعوات، سلاما وحييت سيدي.
أصوات وأصوات:
بعص الاصوات لها ايقاع الشعر ورنة النغم وزغردة العصافير وهي تاتي متوافقة مع الاحاسيس ومن هنا تتقبلها الاسماع، وتهفو لسماعها الانفس قبل الاذان، ولهذا وبعد ان صدر الحكم باعدام الطاغية شنقا حتى الموت، وجدت هذه الاصوات الرائعة تؤكد انسانيتها وعراقيتها فلم تتخلى عن تاريخ الجراح وآهات الثكالى فاعلنت بصراحة تاييدها لهذا الحكم العادل، فهذه الاصوات الشريفة تدرك حق الضحايا في الانتقام من الجلادين، هذه الاصوات الشريفة تعلم ان للباطل جولة وأن الظلم الى نهاية، وأن الطواغيت سيهملون ويبعدون ككومة من عفن.
ومن جانب آخر هناك على الدوام اصوات نشاز تسبب للاسماع صداعا وتثير في النفس قرفا حد القيء، لقد تعودنا ان تنعق غربان المثلث الغربي على انغام الاردن والسعودية والكثير من الدول التي باعها صدام تاريخ العراق في بورصة النفط مرة وفي بورصة البغاء العربي أخرى، ولا استغرب ان يلبس البعض ثياب القومية العربية، ليسوق الينا بضاعتة الكاسدة فيجعل من الطاغية بطلا وهو يعرف انه لا ينفع ان يكون فزاعة لحفنة من العصافير البائسة, كنا نتوقع هذه الاصوات النشاز فلطالما اقرفوا اسماعنا ببكائياتهم على الزمن المنصرم عندما كان ازلامهم يروعون الثكالى وهم قد تحولا الى منهجية اكثر بؤسا بعدان تبنوا شريعة الارهاب، كنا نسمعهم على فضائيات جزيرة الفيل المترهل، والعربية (عفوا اقصد العبرية)، ثم لتاتي البغدادية لتنظم الى جوقة البكائين على ماضي صدام، ولم استغرب من الكثير من الاصوات البعثية التي ضلت تنعق هنا وهناك، سواء في دول الحاضنات او في اوربا مستغلين فسحة الحرية التي لم يمنحوها للعراقيين ايام كانوا في السلطة، وطبعا لم استغرب عندما ياتي بعض الشيوعيين المخضرمين مثل عبد الحسين شعبان ليشكك بعدالة الحكم والمحكمة والقضاة، ولا ادري ان كان لايزال يحن الى التحالف البعثي الشيوعي الذي كان اواخر السبعينات، نحن لا نحجر على اصواتهم كما كانوا يفعلون معنا، ولكن كنا نرجو ان يبقوا على شيء من انسانيتهم بعد ان تجردوا من عراقيتهم.
ليخرج من يشاء في العوجة والمثلث وليرفعوا صور الطاغية فان حركة التاريخ قد قضت بان تنتهي هذه المرحلة وسيف القضاء بدء يجول على الرقاب الظالمة، وطبعا ستتهاوى كل رؤوس الطواغيت ولنا في قتلة الامام الحسين عليه السلام أسوة، وهاهو سيف المختار يعود بعد الف واربعمائة عام.
المملكة المتحدة – لندن
https://telegram.me/buratha