بقلم: علي عبد الهادي الاسدي
يوم أمس كان يوما عراقيا تاريخيا لطالما انتظره العراقيون بلهفة عارمة ، أو بقلق شديد ، انه يوم النطق بالحكم على صدام وأعوانه في قضية الدجيل الشهيرة هذه الأيام ، وهو يوم حاسم – أيضا - في مستقبل العراق والعراقيين . ورغم أن تلقيهم للحدث لم يكن على حد سواء، لخلافهم أو لاختلافاتهم في اتجاهاتهم الفكرية ، وميولهم النفسية ، أو رغباتهم وأمانيهم ، وليس في هذا الاختلاف أو الخلاف من جديد في سيرة العراقيين وديدنهم ، فلقد تمرسوا عليهما - الاختلاف والخلاف – منذ القديم ، وتعايشوا فيما بينهم على مدى حقب التاريخ ، إلا ما كان من هنات تقع أحيانا هنا وهناك من قبل هذا الطرف أو ذاك ، بل لقد انسجمت علائقهم الاجتماعية والاقتصادية في ظليهما . لكن الجديد في الأمر أنهم امتازوا اليوم – بسبب صدور حكم الإعدام بحق الطاغية صدام - إلى فريقين فقط ، فلم يؤد - الخلاف أو الاختلاف بينهم - إلى تعدد في فرقهم ، أو تكثر في أحزابهم .نعم فريقان فقط .فريق مع حكم الإعدام ، فهو مستبشر جذلا و سرورا ، فطاف الشوارع والأزقة معبرا عن فرحته البالغة ، وسروره الأكيد ، وليس من عتب أو لوم على هذا الفريق ، وهم القسم الأعظم والسنام الأضخم من العراقيين ، من الذين اكتووا بنار الطاغية وإجرامه المرعب ، وقلما افلت بيت عراقي من جور النظام البائد ، أو من ظلمه اللعين ، لكن فرحة هذا الفريق لم تخلو من تنغيص وكدر ، فرضهما تذكر ضحايا المجرم، ومن منا لم يفقد عزيزا أبا كان أو أخا أو عما أو خالا أو ذا قرابة قريبة ، بل حسبنا ألما وتنغيصا لفرحتنا أننا فقدنا أعزاء ، كانوا يحلمون بمشاهدة الطاغية صدام وأركان نظامه البغيض في قفص الاتهام ذليلا صاغرا ، يثير منظره السخرية والتندر ، وسلوكه التهكم والاستهزاء . فرحمة الله على جميع الذين غادروا الدنيا حاملين معهم هذه الأمنية . أما الفريق الآخر ؛ وهم المطالبون بإطلاق سراحه ، أو العفو عنه ، أو أمر آخر هو قريب منهما ، وهؤلاء هم القلة القليلة من العراقيين ، والشرذمة التافهة من العرب ، بل الأعراب ، بل المستعربين . ويحق لهؤلاء جميعا البكاء والعويل ، والصراخ والنحيب ، ذلك أن مولاهم ومعبودهم ، وصاحب النعمة عليهم سوف يصبح في خبر كان عما قريب ، وعلى الرغم من إن مصيبة فريدة قد جمعتهم ، وكارثة واحدة قد حلت بهم ، إلا إنهم – مع ذلك - يتوزعون على أصناف عديدة ، وألوان مختلفة . لذلك لابد من تقديم العزاء لكل صنف على حدة ولكل لون أيضا . وأكثر هذه الأصناف حرقة وألما ، وإحساسا بفداحة المصيبة ، هم ليسوا أهل بيته وزوجته ؛ ذلك لأنهم لو عاد إليهم صدام لفعل بهم كما يفعل العدو بعدوه تعذيبا وتنكيلا - على ذلك جبلت نفسه القذرة - بسبب إضاعتهم الأموال الطائلة على مجموعة محامي الدفاع - عنه – الأغبياء بل الحمقى ، لا سيما بشرى الخليل ورمزي كلارك الأمريكي الفاشل . لذلك لا عزاء لبناته وأحفاده وزوجته أو زوجاته ، لقد تخلصوا منه ، وخلا لهم الجو لعبا وتنعما بالمال الحرام الذي سرقوه من العراق .نعم . إن أكثر الأصناف حرقة وألما ، هم أهل قريته ( العوجه ) ، ولأمر ما سميت ب( العوجه ) ، ربما بسبب اعوجاج أخلاق أهلها ، وتلوث فطرتهم وعقولهم بعلل وأمراض مزمنة لا شفاء لها إلا بالكي والقطع ، وعزاؤنا لهؤلاء إن النوح والبكاء يخفف من حرقة المصاب فخذوا منهما حد الشبع ، فقد ذهب ولي النعم إلى غير ذي رجعة ، ولن تجدوا بعد اليوم منعما مثله . وصنف آخر هم اؤلئك المتباكون على العدالة الضائعة في كل اجراءت محكمة الجنايات الخاصة ، وشيوخ هؤلاء ، هم حارث الضاري ، وصالح المطلك ، وخلف العليان ، وطارق الهاشمي ، ومن لف لفهم من أيتام ولي النعمة صدام ، ومشكلة هؤلاء تكمن في أنهم منافقون من الطراز الأول ، ويؤكد هذه الحقيقة قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) في وصف المنافقين قال (عليه السلام) : (( قد أعدوا لكل حق باطلا ، ولكل قائم مائلا ، ولكل حي قاتلا ، ولكل باب مفتاحا ، ولكل ليل مصباحا ... يقولون فيشبهون ، ويصفون فيموهون .. فهم لمة الشيطان .. )) وعزاؤنا لهؤلاء جميعا ؛ إنكم وان اعتدتم على الدجل والنفاق ، فإنكم قد تعودتم على حكم أنظمة الطغاة والدكتاتورية اللعينة ، ولم تجدوا إلا فيها متنفسا لأهوائكم وشهواتكم في الحكم والسلطان ، بل لقد أصبح الولاء للطغاة جزء من ثقافتكم وتكوينكم الفكري مذ قال عبد الله بن عمر (( أطيعوا الأمير وان كان عبدا حبشيا مجدع الأنف )) والى يوم الناس هذا . واليوم وقد زال طاغيتكم فما لكم – إن أردتم الحق والصدق والسلام - إلا إن تعترفوا بالمعادلة السياسية الحاكمة في العراق اليوم ، فهي التي تعطيكم حقوقكم بقدرها واستحقاقها بدون إرضاء لشهواتكم المريضة في السلطان ، ورغباتكم الظالمة في الحكم . اجل أنكم وجميع أطراف المعادلة على حد سواء في الحقوق والواجبات . فان أبيتم إلا الإصرار على المعادلة القديمة فتذكروا قول علي عليه السلام (( قلما أدبر شيء ثم اقبل )) ، ثم تذكروا أننا ما زلنا رافعين شعارنا (( ما ضاع حق وراءه مطالب )) . وصنف ثالث ؛ وهو أبشع الأصناف دجلا وجريمة ، وانحرافا وتخبطا ، إنهم بقايا النظام ، وخريجو مدرسة الجرائم الكبرى ، وحثالة التكفيريين من العراقيين ومن الأعراب ، وكلهم من الذين لا يفقهون من القران آية ، ولا من السنة النبوية المطهرة حديثا ، بل لا يعرفون للحياة الإنسانية معنى غير سفك الدم الحرام ، وتعذيب الإنسان بأدنى مناسبة ، إرضاء لشهوة مريضة يعيشون في ظلها ، واستجابة لعقل ملوث معوج يقودهم إلى مدارج الهلاك والبوار . هؤلاء هم سفلة الناس وأوباشهم ، ولمثلهم كان السيف ، والنفي من الأرض ، ومقاصل الإعدام دواء ناجعا مبرأ لأدوائهم وأمراضهم ، فليكن فعل هذا عزاءنا لهم ، كما كان لمثالهم وإمامهم طاغية العصر صدام (( فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم )) . والصنف الرابع الأخير ، وهم أصحاب الأقلام المأجورة ، والفضائيات الخبيثة الماكرة ، وكل من طرب لكلماتهم ، وتناغم مع أصواتهم ، فعزاؤنا لهم ؛ ابحثوا عن طاغوت آخر في جوارنا الإقليمي ، أو في ما كان قريبا من العراق ، فإنكم ستجدون طواغيت آخرين يشترونكم ، ويغدقون عليكم من خزائن السحت والحرام الذي لا تستطيعون إلا إياهما هضما واستمراء ، وأما نحن فقد رفعنا شعارنا (( القافلة تسير والكلاب تنبح )) فلم يعد يجدي نفعا صراخكم وعويلكم ونباحكم . علي عبد الهادي الاسدياشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
https://telegram.me/buratha