احمد عبد الكريم الخطيب
شاب يبلغ من العمر اربعون سنة,قلت له اسرد لي قصة حياتك باختصار شديد لضيق الوقت, بدأ بحسرة وتنهد ثم قال ,لااعلم فقد بدأ وعيي بعمرالست سنوات ولا اذكر قبله, ذلك اليوم عندما ساقت القوات الامنية عمي بنهمة كونه شيوعي الى الامن العام ومعه جميع أصدقاءه في الحي, وتوالت الاحداث بسرعة على الشيوعيين العراقيين,هذا الجزء من الشعب الذي لم يوفيه التاريخ حقه من الانصاف بتذكر شهداء الحزب الشيوعي اليوم وسط كل طبقات الشعب ذو الاتجاه الديني في اكثر مدن العراق والقومي في شماله,ويكمل صديقي القاص,بعدها جاءت تصفية اعضاء حزب البعث بتهمة مؤامرة على العراق,ثم جاء دور الاحزاب الاسلامية ونالت ذات العقاب المبتكر بفنون التعذيب والبطش وهتك الاعراض, ثم يكمل, بدأت الحرب الظالمة على ايران واستمرت لثماني سنوات, وختم النظام هذه السنة بمجزرة حلبجة لتكون ثالث مدينة تستشهد بعد هيروشيما وناكازاكي في التاريخ, بدأت بعدها ظواهر أزمة مع الجارة الاخرى دولة الكويت وتطورت هذه الازمة لتتحول الى احتلال,نال الشعب الكويتي نصيبه من القائد الفذ من سرقة بلد كامل وانتهاك الاعراض والقتل والتشريد..الخ, يكمل صاحبي,بعدها جاء تحرير الكويت ودمر العراق وشق الصف العربي وحرق صدام الكويت قبل ان يتركها ,وانتفضنا وقلنا كفى, فولدت من تلك ال( لا) انتفاضتي الشمال والجنوب ,ولكن جاءت خيمة الذل في صفوان على الحدود الكويتية لتعطي روح ثانية لهذا النظام لتأخذ هذه الروح الثانية مئات الالاف من ابناء العراق الذين أنتفضوا في شماله لتبني قلعة من أجساد ضحايا الانفال اعلى من قلعة اربيل في الشمال ,وفي جنوبه الالاف من المقابر الجماعية لتحاكي سيد الشهداء وتقول له: يا ابا عبد الله, لم نكن معك سيدي فهل فزنا فوزا عظيما,يمسح دموعه ويكمل,ثم جاء الحصار الظالم الذي زاد النظام قوة والشعب ضعفا وفقرا,فقد عانينا حصارين,الاول من العالم على العراق والثاني من النظام على الشعب لكي نكون مثلا يستخدمه أزلامه في المعاقل الدولية ليتاجروا بصور المرضى وأطفال فراش الموت لكسب قرار دولي من أجل مصلحة النظام في دهاليز الامم المتحدة مقابل بطاقة تموينية عالمية ابتدعها صدام انذاك وعرف اسمها فيما بعد بكوبونات النفط.ليتحول العراق الى (سوق هرج),ناس تفضل أن تبيع كل ما تملكه من اثاث كي تصل بالعائلة حتى نهاية الشهر على ان تبيع ضمائرها,واخرون يشترون ذكريات الناس واثاثهم لانهم أستطاعوا أن يتأقلموا مع الوضع الجديد ببدلة جديدة لبوسوها بدل الضمير الذي علقوه بمكان تلك البدلة في خزنة الملابس,وكنا نعيش ليومنا ودفنا المستقبل المبهم مع الماضي المظلم,ولكنا عدنا لنخرجه عندما جاء القرار الاميركي بالتخلص من نظام صدام,ولأول مرة يكون هناك ضوء خافت في هذا النفق المظلم,شعور ممزوج بالفرح والحزن,فرح لامكانية التخلص من حكم صدام وحزن لأنه على يد اميركا,وجاءت الحرب ودمر العراق مرة اخرى ,ولكنا اصبحنا بدون حكم الاستبداد وهناك امل في المستقبل,وممرنا بفترة سيئة حين نشل بريمر من جيوب المعارضة حق العراقيين في قراراتهم ,ليعيد العراقيون ذلك الحق بدماءهم مطالبين بحقهم في الحياة وتحديهم للارهاب حين خرجوا بالملايين وهم يحملون اكفانهم على ورقة الانتخابات, وجاءت الحكومة الانتقالية وشاركها الحكم قوى الظلام والارهاب فقدمنا الاف الشهداء لينضموا للذين سبقوهم من ضحايا هذا الوطن لينافسوهم في امكانهم تحت الارض التي اصبحت مكتضه من ابناء الرافدين, دجلة والفرات الذين اصابهما الجفاف من الحزن على أبناءهم.الان يا أخي أنا حائر فقد خرجنا مرة ثانية للانتخابات وقارعنا الموت وتحدينا الارهاب, وها نحن ننتظر منذ اكثر من سبعة أشهر,الشئ الوحيد الذي قدمناه للعالم من خلال هذه الحكومة هو فشل تشكيل حكومة جديدة منذ الانتخابات في كتاب (كينيس) فدخلنا التاريخ, للاسف فقد تحول هذا الحق العظيم الذي ناضل جميع الشعب العراقي من أجله وقدم التضحيات الى (وقف) ملك للحكومة لايمكن للشعب أن يتصرف به, لان الكرسي لا نعطيه, فقد شهدنا فشل فوق فشل من هذه الحكومة,من وضع أمني يتفاخر به مثلما تتفاخر النساء بلبس الذهب وهو (شب) ليس ذهب,وخطة اقتصادية لم ولن تولد لاننا تعلمنا القليل من الفلسفة وأن فاقد الشئ لايعطيه, والخدمات والتي بغيابها غابت هي الاخرى بغير رجعة مع تلك الطموحات بالمستقبل التي وقف الشعب ينتظرها بطابور طويل من المساكين والمحرومين على أمل أن يأتي دورهم لنيلها وطال الانتظار ولن يأتي دورهم لأنهم يحتاجوا الى واسطة بسبب الفساد المستشري فيه حتى العظم,وأذا كان هناك من يفضح هذا الفساد يعاقب وترفع عليه قضايا تشهيرية ويحاصر, لكي نعود ونغتال السلطة الرابعة مثلما اغتيلت منذ ثلاثون سنة, والتي في بلدان تعلمت من ارض الرافدين القوانين والكتابة كفيلة بتغيير حكومات بواسطة الانتقاد البناء وغير الجارح وفضح الفساد مع أدلة ولكننا لسنا هؤلاء, لان هؤلاء لديهم احترام لحقوق مواطنيهم وأن الاصل في الدولة هو المواطن,ولكننا بنينا هذه الدولة بخريطة الحكومات السابقة لكي لانستخدم مهندس جديد, بل نفسه الذي رسم كل شئ في الوطن ليكون بخدمة الحاكم,وتعود تلك الدولة لتهدد بأستخدام القوة وباسم قائد القوات المسلحة تطلق التهديدات اذا لم يعاد الفرز بعد الانتخابات,وها نحن اليوم بمخاوف عدم التداول السلمي للسلطة, وتحولنا الى رهينة بيد السلطة التنفيذية والتي اساسا يجب أن تكون تحت اشراف السلطة التشريعية التي بدورها تعمل لخدمة الشعب الذي أئتمنها مؤقتا لمدة أربع سنوات, فمتى ستكون لنا هدنة مع الموت والتهديد والخوف من المستقبل,ومتى سنلتقي بالملايين الذين فروا هذا الوطن؟ هذه قصة حياتي ياصديقي,فهل من أمل؟ومتى يأتي هذا الامل؟وبأي ثمن؟.
https://telegram.me/buratha