( بقلم : المحامي طالب الوحيلي )
اعرف انك ما نسيت يوما ساحة الخمس وخمسين منذ ان كانت مثقلة بالوحل حتى صارت مسطرا للعمال ،يؤمها كل غبش فقراء مدينتنا الحزينة ،عفوا فاهلها كلهم فقراء الا من عشقهم الازلي وثورتهم التي تنبثق كل حين.. فلا يشوبها أي انطفاء حتى ولو تمترس جيش الطغاة واحتووها بالوان زيهم القبيح ،فمدينتك ثائرة كل حين ملتحفة راياتها التي صارت مكمن رعب الصداميين واقدام ابنائها الحفاة حين يدوسون خوفهم باتجاه مدن التجلي ..
مدينتك تفرح على طريقتها الخاصة حيث لافرح وتختلق كرنفالاتها رومانتيكية كانت او تراجيدية او شفافة كاعراسها واحزانها النابعة من ذروة الصدق والحقيقة وإسرار الأساطير اطفالها الحلوين برغم ذبول خدودهم كبروا وكبروا وكبرت معهم أحزانهم واعترى وجوههم شيب كثيف،فكيف ينسون اقرانهم الذين سيقوا الى الموت عبر مفارم الأمن العامة او مصاهر الأجساد في أحواض الاسيد او ذهبوا ولم يعودوا لا اجساد لهم ولا اوراق ثبوتية تعلن موتهم ولا صورا تحتضنها جدران بيوتنا البائسة في زمن الثراء البخيل والرساميل المهربة الى بنوك الكون المخادع..
حين كتب سعدي يوسف أشعاره تحت جدارية فائق حسن في ساحة الطيران كان الربع الاخير من القرن الغابر،وكان العمال يبيعون اذرعهم في ساحة الطيران ..سيدي جسها انها قوية..فيسأله المقاول امس اين اشتغلت ..وتطير الحمامات تطير تتبعها البنادق في ساحة الطيران وتسقط على اذرع من جلسوا ...
مقاول سعدي يوسف غادر ولم يبقى واستحل حقه عتاة البعث حتى هذا الحين برغم اندحارهم فقد توحدوا مع أوباش من المدن الغريبة وتشظت حمامات فائق حسن الى فتات لحم متطاير كلما انفجرت عبوة مستهدفة مساطر العمال في ساحة الطيران او في الكاظمية او بغداد الجديدة او مقابل البانزينخانة في الثورة داخل او في ساحة خمسة وخمسين انت تعرف هذه الاماكن.. يعرفها كل الطيبون ..
عند الغبش خرجوا من بيوتهم يؤملون أطفالهم بانهم سوف يجلبون لهم ما يشتهون حين يحالفهم الحظ برزق يبعثه رب العالمين وعبر انتظار ثقيل تحترق الارض من حولهم وتتصاعد رائحة شواء غريب وتتقطع الاجساد ..من الفجر خرج على باب الله وعاد للبيت شهيد..واطفاله لم يحظوا لا بفاكهة ولا بلعبة او أي شيء مما وعدهم به عاد مسرعا ولكن مجرد كومة لحم وأشلاء تلاميذ المدارس المجاورة لمكان الفجيعة صاروا فجأة مراسلين صحفيين اصدق منا جميعا ..لقد احصوا القتلى والجرحى والعربات التي نقلت مزق اللحم ووصفوا بحرا من دماء
عجيبة يامدينتنا حين تحشد الجيوش وتزحف لتعبر قناتك المهملة حين هزمت صدام الصلاة، تزحف نحوك الغيلان والسعالي تفخخ أجسادها او أشياءها او أشباحها وسط لهوك البريء او أسواقك الكثيفة الوجوه او يستبيحك الجندي الأجنبي المدجج بالحضارة فيعتم نهاراتك المغبرة او يهتك هدأة الليل الدامس وحلمه الثقيل،وعجيبة حين أعلنت فجرك البنفسجي اذ استبدلت فتياتك حنتهن بصبغة قالوا انها سوف تمنحنا عراقنا المغصوب ولوننا المسلوب وعمرنا المستفز بالخوف وأسماءنا التي نخشى البوح بها!!فهل تظلين تلملمين اشلاء قتلاك وتلحسين عرق عمال المساطر وتنامين على وسادة من طين؟!!هل تصدق الآن صارت جسور قناة الجيش معابر كمعبر رفح وحين تقاطرت عربات الإسعاف ناقلة الجرحى صوب مستشفيات العاصمة انكفأت على أعقابها تحت حراب الأمريكان !!!!ــــــــــــــــــــــــ*الكاتب محسن راضي الدراجي المقيم في الدنمارك
https://telegram.me/buratha