( بقلم : المحامي طالب الوحيلي )
ابرز ظاهرة يشعر بها المواطن العراقي هذه الايام هي تخلصه من مشكلة التفاؤل المفرط الذي كانت تصاحبه منذ اللحظات الاولى التي بشرت بسقوط الصنم ،حيث تواردت الخواطر الجميلة وتتابعت الاحلام الرومانسية بالديمقراطية المفعمة بتحضر مفرط وبحياة سياسية تنأى كثيرا عن العنف بين الاطراف المنتصرة سياسيا والمهزومة ،على قاعدة التسامح وتناسي جراح الماضي بالرغم من ثورة سكان المقابر الجماعية الذين تحررت رفاتهم بفعل الاكتشافات المتوقعة لتلك الحقائق الدامغة التي تتجاوز ادانتها الطاغية صدام الى نمط او منظومة سياسية وجدت ديمومتها بواسطة القتل الجماعي لابناء الشعب العراقي بمعية ودعم المؤسسات الإقليمية والدولية الراعية لها .
فاذا ما خلصنا الى ان النصر سهل تحقيقه قياسا لمدى المحافظة عليه وتطويره الى انتصارات اكثر تجذرا ،فقد خبر اعداء شعبنا المظلوم كيف يستثمرون هزائمهم في البقاء والعودة الى طغيانهم بصورة اكثر دموية واشد صرامة ،وقد عاصرنا عهد صدام وهزائمه المتكررة في كافة حروبه الداخلية او الاقليمية عبر وجهين اولهما الخسائر المزرية ماديا ومعنويا ،وثانيهما اختلاق صورة القائد المنتصر كلما امكنه ذلك من التمسك بكرسي الحكم عبر مايحلو له تسميته بالصفحات ،إذن فهم اليوم يعتقدون بانهم ينفذون آخر الصفحات من اجل بلورة انتصاراتهم على الحكومة الوطنية ذات التمثيل الأوسع للأغلبية المستعبدة(بفتح الباء)من قبل اجهزة النظام القمعية والطغيان البعثي ولسطوة بعض القبائل التي دنسها صدام بتقربه منها بالرغم من تهشيمه لهيبتها في مناسبات عديدة.
نحن نعرف ان العالم مقسم الى مناطق لاسيما في العصر الحديث ،وان منطقة الشرق الاوسط هي من اهم تلك المناطق واكثرها عرضة للنزاعات والانقلابات الايديلوجية والعسكرية ،وبلاشك فان ثمة مؤسسات متخصصة لدراسة واقع تلك المناطق وجمع كل المعلومات عنها ووضع الخطط الاستراتيجية لها وتمحيصها على نار هادئة بعيدا عن الارتجال او الخضوع للفعل المباشر ولردود الافعال المقابلة له ،لذا فان لاخطأ مغتفر في تنفيذها لسياساتها ،بل هي تدعي الاخفاق مرة او الخطأ بغية التنصل عن هدف معلن تجاهلت اسبابه وتعمدت تكذيب الحقائق التي لابد ان تصطدم بها مادامت مقرونة برغبات الشعب الذي لايمكن استيعابه لانه تفوق كثيرا عن خطاب الايديلوجيا النظري بعد ان كتب نظمه الحياتية بمائه وبتراب قحطه ،أي بمعنى صريح هو ان الولايات المتحدة لم تتمكن من استيعاب الشعب العراقي بالرغم من معاهد الدراسات الإستراتيجية وغيرها لانها ارادت للعراق ما لم تقرره مؤتمرات المعارضة في لندن او في غيرها ،فهي لم تضع في حسبانها نجاح خيار الانتخابات لاسيما وإنها حاولت إحراق كل أرضية صالحة لذلك عبر معالجاتها السيئة للملف الأمني وعبر اصدار قوانين يشوبها الكثير من سوء الفهم كونها لم تخرج من صلب الحاجة العراقية ،وقد كان الخيار العراقي مؤجلا لحين إجراء الانتخابات وتأسيس الجمعية الوطنية التي كتبت الدستور العراقي الذي اقر عبر الاستفتاء العام ومن ثم أقيمت الانتخابات العامة على وفق أحكام الدستور العراقي الدائم وكل ذلك ثمرة للصبر وتحمل القتل اليومي الذي يجري على مقربة وتحت انظار القوات المتعددة الجنسيات دون ان يحركها هاجس او يوقفها امر امام مسؤولياتها التي الزمت نفسها بها ،بيد ان المشكلة هي عدم اقرار الاستحقاق الانتخابي الذي خرجت به نتائج الانتخابات الذي يشير الى ماهو خارج نطاق المناخ الاقليمي لاسيما ما يحكم الانظمة العربية من انماط متقاربة تعني حدوث خرق لجدارها لو تحقق للشعب باغلبيته الشيعية والكردية ما ارادته صناديق الاقتراع ،فحدث التداخل الفضيع بين ان تحكم العراق حكومة مشاركة وطنية تتحمل اعباء مسؤولية بناء البلاد وانهاء الظروف الغير طبيعية تحت ولاية دستورية وولاء تام للعملية السياسية التي يجب ان تقام على أنقاض عهود التهميش ورفض الآخر ،وبين حكومة وحدة وطنية وجد البعض انه اكبر من حجمه بكثير في فرض وجوده والتي مثلت أول انقلاب على العملية السياسية ونتائج الانتخابات، والتي كانت قد منحت الإرهابيين حصانة سياسية ومظلة قانونية للتحرك من خلال العملية السياسية، وهم الذين لم يؤمنوا بها قيد انملة، فيما أصابت الأغلبية من العراقيين الذين يتشوقون للعملية السياسية والديمقراطية الجديدة، بالإحباط وهم يرون ان (أغلبيتهم) ذهبت مع الريح وإدراجها، وانها فقدت معناها الحقيقي والجوهري.
مصادر خبرية وسياسية تهمس مرة وتصرح مرة اخرى بما يسمى انقلاب على حكومة المالكي ،او توجيه انذارات نهائية من قبل الادارة الامريكية لانهاء العنف في العراق ،بين تصريح او تلميح الرئيس الاميركي جورج بوش اسبوع الماضي، والتي قال فيها ان لصبر الولايات المتحدة حدودا، وانه سيدعم حكومة المالكي «طالما اتخذ قرارات جريئة». وقال دولة رئيس الوزراء ان الأمريكيين اذا اطاحوه فانهم «سيحرقون شعاراتهم». جاء ذلك في مقابلة مع وكالة رويترز مضيفا «لا اعتقد ان السياسة الاميركية سترتكب خطأ استبدال رئيس حكومة عراقية، وإن فعلوا ذلك، فانهم سيحرقون شعاراتهم». واضاف «لا اعتقد انهم يفكرون على هذا النحو لأن ذلك سيعني فشل العملية السياسية برمتها». مؤكدا «بصفتي رئيسا للوزراء انا القائد الاعلى للقوات المسلحة، لكنني لا استطيع تحريك كتيبة واحدة بدون موافقة التحالف بسبب تفويض الامم المتحدة»
من جهته أشار جورج كيسي ان جاهزية قوات الامن العراقية سوف تكتمل في ظرف 18 الى 20 شهر لكي تستلم الملف الامني بالكامل ،فيما تدل الاحداث على السطح ان القوات العراقية لو اطلقت لها اليد تعبويا او تجهيزا فهي قادرة على فرض سيطرتها في اقسى الجبهات وقد تمكنت من تحرير المناطق التي استلمت فيها الملفات الامنية لو تركت دون تدخل القوات المتعددة الجنسيات ،كما يؤكد الواقع ان المناطق التي تحت نفوذ القوات تلك هي معاقل للارهابيين وقد اعلنوا امارتهم فيها ،الى ما لغير ذلك من إشارات لا يتردد المواطن العراقي في توجيهها اليهم وكلها تصب في إدامة الإرهاب وعدم مكافحته بصورة جادة .
التصريح الاخير لكبير مستشاري وزيرة الخارجية الأمريكية لشؤون العراق ديفيد ساترفيلد الذي غادر اخير العراق بعد اكثر من عام قضاه فيه ان الولايات المتحدة تتوقع من المالكي ان يأخذ زمام المبادرة في العراق معربا في الوقت ذاته عن دعم بلاده القوي للحكومة العراقية.واضاف ساترفيلد في مؤتمر صحافي أن "الولايات المتحدة تتفهم الظروف الصعبة للغاية في العراق حاليا وكيف ان اتخاذ الحكومة العراقية للقرارات الواجب اتخاذها حيال الامن والمصالحة السياسية يعد مسألة صعبة الا ان ذلك لا يمنع ان تلك القرارات تعد حيوية وينبغي اتخاذها".
ورأى ساترفيلد ان تأجيل اتخاذ تلك القرارات سيؤدي الى تكبيد الشعب العراقي ثمنا لذلك فضلا عن انه سيؤثر سلبا على الاستقرار والسلام والديمقراطية في العراق.وذلك يعني الكثير بالنسبة للشعب العراقي ولمستقبل التجربة العراقية اذ لابد من تضافر الجهود بالنسبة للكتل العراقية المنسجمة في الحكومة العراقية واحداث الانقلاب الفعلي ضد قوى الارهاب وحواضنه في الداخل والضغط على عمقها في الخارج تحت الغطاء الشرعي الذي وفرته وثيقة مكة المكرمة لانها تعني بتلك الحواضن اكثر مما تعني غيرها وذلك ما عناه بعض من وقعها كمجرد ذر رماد في العيون ..
https://telegram.me/buratha