( بقلم : مروان توفيق )
أن من شر افات الشعوب انها لاترعوي ولا تتعظ الا بعد أن تكتوي بنيران الحروب والمصائب على الرغم من وجود المبادئ والقيم التي تبين للناس اصل الخراب ومصادر الفساد. تمر الشعوب بفترات انهيار ودمار وتعاني من حروب طاحنة وتخسر ابناءها ومدنيتها ثم تعود لتبدأ من جديد ولكن بعد عودة الوعي الذي بينته الحروب و القلاقل والمصائب للجهال من عوام الناس وللمفسدين من اهل الاطماع . حيث يسود عهد جديد من بناء الى ان تأتي اجيال جديدة لتعيد دورة الخراب والحروب ثانية الا اذا حكمتها انظمة واعية تسعى لخدمة الانسان.في عراقنا نعاني ذات المشكلة من سنين طويلة تعود بنا الى عهود قديمة, وما وصل اليه الحال في بلادنا ليس الا عن جهل الناس بتاريخهم و وجهلهم باهل الفساد والافساد .
على مسار أكثر من 35 سنة من عهد الحكم البائد وما مر بالناس من حروب وافات ومصائب نتيجة تسلط طاغية مريض وحزب خبيث نجد من لا يزال يتباكى على ذلك العهد بل من يتمنى عودته لا اقول من اهل المصالح واصحاب المناصب الذين فقدوا عز المال والجاه بل من عامة الشعب الذين ارهقتهم السنين الاخيرة فتراهم يتحسرون على ايام الطاغية ويتحسرون على ايام الذل والخيبة وهم في ضعفهم ويأسهم اشبه بالبهائم التي لا هم لها الا بطونها وسلامتها. وهناك طائفة اخرى تناصر وتؤوي شذاذ الناس من مسوخ القاعدة الذين يسعون لقتل الناس الابرياء وتبرر تلك الافعال الاجرامية بعلة الجهاد وطرد المستعمر وغيرها من حجج اقبح من ذنب, ثم يأتينا من يؤيد بعض الاحزاب التي ماهي الا وجه جديد من الحزب البائد ولكنها اصطبغت بصبغة الايمان كالحزب الذي يتسمى باسم الدين وجل اعضاؤه كان يتنعم بمكرمات الطاغية وكان له باع طويل ايام (الصحوة الايمانية) ثم اصبح في عهدنا الحاضر مدافعا عن بيضة الدين ومدعيا مقاومة لطرد الغزاة ثم فضحته اوكاره التي يستخدمها لقتل ابرياء الناس من عموم الشعب .
بعد هذه المطاحن والمصائب التي اصابت شعبنا واهله المظلومين ظهرت بوادر صحوة واخذت تسري بين الناس ولكن المصيبة ان هذه الصحوة لم تأتي الا بعد أن عانى الناس وتضرروا على ايدي العصابات المجرمة. وكأننا اصبحنا نمشي ونتقدم في مراحل تجريبية ندفع ثمن كل مرحلة دماء وموت , مرحلة تلو مرحلة!المرحلة الاولى بدأت بفض يد الناس من الحزب العفلقي المقبور, فبعد ان كان بيننا الكثير ممن برر افعال بعض اعضاء الحزب الفاشي بحجة انهم كانوا (مجبورين) على افعالهم بقولهم : خطية كان مجبور!!! ويذكرنا هذا بالفلم الهندي (مجبور)..اي خطية كانوا مجبورين على دخول الحزب !! نقول لهم من كان مجبور عليه ان يعلن براءته من اعماله ويتجرد عن استعلاءه ويعود الى انسانيته عند ذلك يمكننا القول انه (خطية مجبور), والا لايوجد جرذ نظيف وجرذ قذر فكل الجرذان يحملون افات وامراض شتى ويأكلون من مزبلة واحدة. بعد مرحلة البراءة من الحزب المقبور, مررنا بمرحلة البراءة من القاعدة,وصحوة عشائر الانبار في حربها للتكفريين مثال على ذلك, وكذلك أحاديث الناس في معايشهم تعطينا انطباع ان كل الناس في العراق الان يستهجنون افعال القاعدة الاجرامية بينما كانوا فيما مضى بين مؤيد ومتفاخر ومتحير في رأيه , ولكن الخراب والفساد الذي اتت به القاعدة طال الكثير من ابناء الشعب حتى اصاب المؤيدين انفسهم وطال المراقبين والمتشفيين بمصائب القاعدة في اهل العراق وافعالها الاجراميةأما في مرحلتنا الحاضرة فنحن في مرحلة الصدام والشقاق بين الحزب الاسلامي وبين القاعدة! والناس الذين غسلوا اياديهم الملوثة من حزب البعث المقبور غدوا يعلنون كرههم للقاعدة حتى ان بعضهم دخل في صراع معها لكنهم لازالوا مخدوعين بحكم انتماءهم المذهبي لحزبهم الاسلامي ! ولذا المرحلة القادمة ستكون براءة الناس الطيبين من هذه الفئات جميعا ولكن مع غاية الاسف بعد الخراب والشقاق وفقدان الاهل والاحباب,وكما ذكرنا يا له من جهل مركب يحكم الشعوب التي لا ترعوي الا بعد ان تكتوي بنار الفساد والدمار, فالاهداف واضحة والغايات بينة لمن كان مخلصا في بحثه عن الحقيقة فلا يخسر عمره ويفنيه في تجارب تؤذيه من اجل الحق والعدل وانما كان عليه ان يقرأ ويبحث عن الحقائق ويدرس مصائب الشعوب وتاريخها ليرى كم اهدر من وقت وكم ضيع من فرص وكم من ذنوب حمل وهو يهلل لاحزاب وفئات مجرمة ملثمة ثم ما لبث أن عرف الصواب ولكن بعد الخسران.
لو نعود قليلا في تاريخنا لواجهنا ذات الحالة من الحيرة والتذبذب عند اغلب الناس , فمشاكل الماضي البعيد وانشقاقات الامة وحروبها التي نخرت فيها أتت بويلاتها ليس عند اجدادنا في حروبهم وتحزبهم فقط ولكنها ذات تلك الويلات والمصائب طالتنا ونحن بين مقلد لمن اسس سبل الضلال وبين حيران لايدري أكان (السلف الصالح) على حق ام كانوا على (فتنة) ليقف منهم موقف المتفرج!
المحصلة النهائية هي ان اجيالنا الحاضرة في تخبطها الفكري تنهل ذات التخبط الذي تولد من سنن الاولين في حروبهم ومشاكلهم. ومرة ثانية نقول ان اجيالنا ستظل في صعود وهبوط وحيرة تجرب وتمر بأفات وحروب كان من الممكن تجنبها أن هي حرقت مراحل الصحوة جميعا بمرحلة واحدة عن طريق الاستنارة بوعي ثقافي ودراسات بعيدة عن التعصب والتعنت, ولكن من المؤسف ان الجهل بتاريخنا ولد التعصب الذي عمق الشقاق المذهبي والقومي في شعبنا , ثم اتى الجهل السياسي بواقعنا ليضيف فوق ذاك العمى ضلالا اخر.
فمتى نرعوي ونميز بين الخبيث والطيب من دون الدخول في محن ومصائب وحروب, وليس لنا ذلك سوى بالوعي لمعرفة الخبث ومحاربته دون الوقوف في حيرة , حيرة تمنح الاعداء فرصة للنيل من أي تقدم وازدهار يحققه شعبنا نحو السلام والاخاء.مروان توفيق
https://telegram.me/buratha