من المواريث السيئة التي ورثناها على طوال تأريخنا العربي والأسلامي والتي ما زالت تفعل فعلها الى يومنا هذا هو الأجتهاد في تعبئة الآنسان العادي والمواطن البسيط على الولاء للسلطة الحاكمة والاخلاص لها وبدون وضع خيارات آخرى له, والأيحاء بعواقب السيف والعصا لمن عصا لخدمة مصالح الطبقة الحاكمة او المنتفذة سواء أختلف هذا الانسان مع سلطة الدوله أم أتفق معها, ليسهل قيادهم ودفعهم بالاشتراك في صناعة الحاكم الطاغية الذي يروا فيه القائد الاوحد والفذ والمنقذ للبلد ومن غيره سيغرق الحال ويؤول الى العدم ! . أكثر الطغاة وسلاطين الجور لا يعملون أنفسهم بأنفسهم لولا وجود الأرضية التي تهيئ له تلك المكانه التي يتجبّر من خلالها على شعبه ويبدأها أولا بألاطاحة بالرؤوس التي يحاول أصحابها رفعها في وجهه وغالبا ما يكونوا من المصلحين ورجال الدين الاتقياء والذين لا تأخذهم في سبيل الحق لومة لائم أي النخب المؤثرة أجتماعيا ودينيا ,ليكونوا العبرة والدرس الاول الذي يلقنه الطاغية للعامة من الشعب ليتعودوا على الخنوع والاستكانة ولا يلفظ الا بالايجاب أمام طلب السلطة .والمجتمع بهذا الموقف تهيئ ليكون العامل المساعد في صناعة طاغيته.
ومن العوامل المؤثرة الآخرى هم القيادات العسكرية والأمنية والنخب الثقافية كذلك وهي الأكثر والأسرع تأثيرا لقربهم وأحتكاكهم المباشر بالمجتمع حيث لا يمكن ان يكون طاغية بدون قاعدة ثقافية من مثقفي السلطة وأدعياء الثقافة من شعراء ومفكرين وأدباء وتجار الكلام وممن يجيدون محاكاة السلطة والتغني بأمجادها حيث تسخر الأقلام والقصائد والاشعار لقلب باطل الحاكم حقا وجرائمه مكاسب ودفاعا عن الوطن وحمايته من مخالفي الرأي الذين ربما سيطيحون بسلطانه ! , ولتبرير أفعاله وأعماله الاجرامية ولتمجيده وأستحلال عمله حتى يصاب بالغرور والاستعلاء ويتمادى في طغيانه , وذلك خوفا على رؤوسهم من ان يطاح بها إضافة الى المكاسب المالية التي تغدق عليهم بدون حساب, وهم بذلك أسهموا بشكل أساسي وكبير في تجبّر الحاكم وجعله ظالما من جهة وظمنوا إستكانة الشعوب وتهاونها في المطالبة بحقوقها وإستسلامها للامر الواقع من جهة ثانية . أي أن مفعول أقوالهم وتأثيرها آتى بالنتيجة المبتغاة المرسومة والمدفوعة الثمن , النخب الثقافية التي تعتبر سلطة رابعة في المجتمعات فبدل من ان توجه إبداعاتهم لكشف مظاهر الخلل والقصور وإبراز مشاكل الشعوب والاصطفاف معها بأعتبارهم صوتها المؤثر الواصل نجدهم يقفوا في الجهة المقابلة لصاحب السطوة والمال والجاه وهذا ما جرى على مدى تأريخنا العربي الأسلامي الا القلة القليلة التي وقفت بجانب حق شعوبها ولكنها مع الاسف اضطهدت ونفيت وعاشت أشد حالات الفقر والحرمان ,ولكن في الخفاء تتبادل أشعارهم بين الفقراء والمضطهدين والمحرومين لانها تعبّر عما في دواخل أنفسهم مع ان هؤلاء هم أبقى وأسطع نجما من غيرهم .
ويبقى الأعلام في واجهة هذه الصناعة خصوصا إذا كان مموّل من قبل الحاكم وسلطته وبطانته والمحيطين به , فنجد التمجيد والتهليل والتسبيح بحمد الحاكم ليل نهار من قبل الإنتهازيين والمنتفعين في المديح المبتذل حد الاسفاف والنفاق , فتطلق كافة الألقاب والصفات وأيات التقديس والتبجيل حتى يصدق الواحد منهم أنه مصنوع من طينة غير طينة البشر العاديين أو يجعلونه يطير بدون جناحين الى السماء السابعة فتنعكس وتتداخل عليه الأمور ويختلط الحق والباطل معه وبذا يعم الظلم وينتشر الفساد . وأقرب مثال لنا في العراق المقبور صدام وكلنا يعلم كيف فعلت البطانة والعسكر والاعلام والاقلام المشبوهة سواء العراقية من شعراء بلاطه او من العرب الذين إشترى ذممهم بكوبونات النفط العراقي فكانوا خير مدافع عن مكانته الطاغوتية وأستهتاره بالشعب الى يومنا هذا واطلقوا عليها من اسماء الله الحسنى حتى كاد ان يقول أنا ربكم الأعلى فأعبدون , وقول نائبه المسخ عزة الدوري " ان خطأك افضل من صوابنا سيدي" خير دليل على ذلك.
هذه الثقافة ما زالت موجودة وتفعل فعلها الى الآن في ظل التغيير والنظام الجديد , فما زالت رواسب العهد القديم موجودة ومتأصلة في فكر الكثيرين بأعتبارها ثقافة درجوا عليها وآثار الخوف كامنة في نفوسهم , فكلٌ يجد من يمجده وبطريقته الخاصة , فهذا يجعل من مدير عمله القدوة والأسوة الحسنة وهو عكس ذلك وذاك يغدق بالألفاظ على رئيس مؤسسته ويصفة بالملهم الهمام وهو بعيدا عنها تماما وآخر يجعل من مسؤول موقعه الفارس المغوار وهم في الواقع غير ما يدعون به أصحاب الأقلام او المنتفعين والانتهازيين .
البلد الان يغرق بأنواع الفساد المالي والاداري ونجد من يصفق ويثني ويمجد بعمل المسؤوليين ورؤساء الاحزاب الحاكمة رغم المليارات التي استنزفت بدون وجه حق والبلد يعيش في أزمة ثقة حقيقية حيث ان أكثر من ربع العراقيين يعيشون تحت خط الفقر وأزمة بطالة واضحة "حسب تقرير أممي بمساعدة الحكومة العراقية" ونجد من يزيد في الإسراف والبذخ على أمور ثانوية وصرف الاموال في غير إستحقاقها في خدمة المسؤوليين وعوائلهم وأقاربهم وحماياتهم حتى أصبحت طبقة مترفه وتزداد بذخا وثراءا مقابل أناس تبحث عن قوتها اليومي في ساحات المزابل وتسكن بيوت لا تصلح لمعيشة حتى الحيوانات إضافة الى تردي وسوء الخدمات بشكل عام . فالمجتمعات لا تصلح الا بأصلاح أعلامها ,مثقفيها ونخبها بأن يوجهوا أقلامهم لصالح الناس ويكونوا صوتهم المعبّر المطالب بحقوقهم والتركيز عليها وبذا سيصلح أمر الحاكم وأمر الشعب بعد أن تكون القوة نابعة منه ومن أبنائها وما على الحاكم أو المتنفذ والمسؤول الا الخضوع للمطالب وتنفيذها لخدمة شعبه وليس العكس , مع ان الأمور الان في العراق أفضل بكثير من بقية الدول العربية "كاتمة الأصوات" والتي دجنت مثقفيها ونخبها وما زالت على إرادتها ولخدمة مصالحها فبقيت طواغيتهم سواء الصغار منهم أو الكبار تنموا وتتجبرّ عليهم وفي مختلف المجالات , ويبقى هو الارث التاريخي لصناعة الطاغية الذي لايسمع الا صوته ولا يرى الا نفسه ولكن في النهاية يسقط الطاغية ويجري فيه حكم الله تعالى بعد ان يمهله ثم يؤخذه أخذ عزيز مقتدر بعد ان يتفرق الجمع عنه .
عراقيـــة
https://telegram.me/buratha