صفاء الربيعي
في نهايات ستينيات القرن الماضي حينما كنا تلاميذ في الصفوف المنتهية للدراسة الابتدائية وحتى تخرجنا من الدراسة المتوسطة ، كنا بين الحين والاخر نخرج في تظاهرات عارمة وصاخبة على الرغم من ان تعدادها لايتجاوز المائة ونيف من التلاميذ الذين يجد البعض منهم هروبا من المدرسة هاتفين بأعلى اصواتنا (فلسطين عربية فلتسقط الصهيونية) ، باحثين عن مدارس اخرى نحاول اخراج طلابها باي شكل من الاشكال حتى لو اقتضى الامر ان نرمي الحجارة على زجاج صفوفها لكي يكون عددنا كبيرا ومؤثرا في الشارع العراقي ، كنا في ذلك الوقت نشعر بأن الارض الفلسطينية ليس مغتصبة فقط بل اخذت من قلب المواطن العربي الذي كان يغلي مثل غلياننا ، وكبر ونمى فينا هذا الامر في الحياة الدراسية او العامة وكانت كل مواضيعنا تتلخص بفلسطين عربية ، ومع تقادم الايام ونمو عقولنا وتقدمنا في الدراسة والعلم بتنا لانسمع بان فلسطين عربية لا بل وصل الامر ان نتوسل بان تكون هناك دولتين واحدة عربية والاخرى عبرية بفضل ساستنا العرب والاخيرة اصبحت تضع شروطا اشبه بالمستحيلة غايتها ان لاتعطي اي شبر من ارض الميعاد ، وهكذا شيئا فشيئا نسينا فلسطين عربية بل تعمدت الكثير من وسائل الاعلام ان تكتب او تقرأ اسرائيل لان الامر اصبح واقعا.هذا الامر انطوى علينا نحن العراقيون الذين اذقنا الامرين مرارة الوعود والتصريحات ومرارة الوطنية الكاذبة .فبالامس خرج ابناء جلدتي من مدينة الشناشيل (البصرة) في تظاهرة سلمية مطالبين ابسط حقوقهم الانسانية على هذه (المهجومة) بتقليص ساعات قطع التيار الكهربائي (الوطنية) وهم لم يطالبوا باستمرار الكهرباء اسوة بالوطنيين المناضلين في المنطقة الخضراء .في بداية الامر انتفضوا السادة (المسائيل) وقطعوا خطوط المتجاوزين واعطوا المواطن حصة كهرباء اضافية للترضية واصدروا اوامرهم القمعية بعدم خروج المتظاهرين الا بموافقات وبمواصفات عالمية داعين الى حمل الزهور بدل اللافتات المناهضة لاعمالهم واذا اقتضى الامر بحمل اللافتات فيجب ان تكتب عليها (بالروح وبالدم نفديك يامسؤول) وهكذا تمت بعون الله تمييع الكهرباء الوطنية مثلما مُيعت فلسطين عربية لنرضى بالنزر القليل (افضل من الماكو).واليوم بالتحديد تعاد قضية فلسطين (بس بالعراقي) فبعد خلافات السياسيين وانشغالهم بوطنية الكرسي تاركين شعبهم يلوك الحجارة بدلا من الرغيف انبرى اقزام الخليج مكشرين عن انيابهم مطالبين بتعويضات ما انزل الله بها من سلطان ، فكلما قرأنا خبرا تم تعويضه من قبل الامم المتحدة للكويت تأثر المواطن العراقي وكأنما قد قطعت لحمة من جسده ، فنحن نتألم فوق الآمنا وضيمنا في حين يعم السكون والصمت خضراءنا فلا احد يصرح او يهدد (على اقل تقدير) مما اعطى فرصة كبيرة للاقزام ان تتمرد على اسيادها وبفضل هذا السكوت سيفرض علينا واقع جديد فبعد التعويضات سنعطي الارض لهم وحينها سنرفع شعار الكويت كويتهم والعراق عراقهم .والله من وراء القصد.
https://telegram.me/buratha