حافظ آل بشارة
من اكثر الحقائق مرارة في ملف الأزمة السياسية الراهنة ظاهرة تطبيع التدخل الأجنبي في شؤون العراق ، فلم تعد هناك حساسية أو قوة ممانعة لدى بعض الساسة تقف في وجه التدخل الخارجي أو تعلن رفضه واستهجانه ، وقد انتقل فهم التدخل من مرحلة غياب الرفض الى مرحلة المفاضلة العلنية الوقحة المثيرة بين تدخل دولة وأخرى ، فهل ان التدخل الامريكي افضل ام السعودي ام الايراني ثم ماذا عن التدخل التركي أو السوري ؟ يتم ترجمة تدخل جهة ما الى أموال هائلة تهطل على عرابي الصفقة ، يجري الحديث بصراحة عن اسعار التدخل وبورصته فالسعودية وايران والولايات المتحدة تدخلها يترجم الى ارصدة متصاعدة ، بينما يفتقر التدخل السوري والتركي والاردني الى ذلك البريق ، لأن ساحة اصحاب الجيوب الثقيلة لا مكان فيها للشحاذين الاقليميين الذين ما رافقوا حليفا الا أفرغوا جيوبه ، اكتسب العراقيون من رأس الهرم وسفوحه العليا خبرة والمعية في ربط جدوى الصداقات الاقليمية بالمركز المالي لكل عاصمة ، فيقال لك احذر فالرياض ووواشنطن وطهران يملأون جيوبك فأنت تزورهم لتكرف ، يمسحون دموع مظلوميتك المذهبية او العرقية ليس بنشاف ورقي بل بالدولار ، تجد الاخضر ابو الشايب ينتظرك في تلك العواصم الغناء فتخرج راضيا قانعا مقرا مذعنا ، لكنك في الوقت نفسه مسحت دموعهم ايضا ليضعوك تحت الناظور لأجل غير مسمى ، أما في انقرة ودمشق وعمان وحتى القاهرة فقد تستدعى الى هناك لكي تفرغ جيوبك لتملأها بمشاريع ذات طابع مبدأي بين العثمنة والاستعراب والبعثنة الغابرة ، لم يستجدوك لكنهم نفضوك لتمتلئ خطابات ولكي يتوجوك آلهة للشأن القومي او البعثي أو العثماني بكل مافي هذه الرموز من أوهام التفوق ورائحة السلطة ورائحة النفوذ الذي لا يمكن ان يأتي لتقبض من دبش ، التدخل الخارجي لا يقبله الا ناقص عقل ودين ، ولكن خارج دائرة القيم هناك فحص سريري تجريبي يؤكد ان اسباب مرض قبول التدخل كثيرة اهمها ضعف البنية السياسية وضعف التضامن الوطني والتخندق الطائفي والعقد النفسية الناتجة عن الاضطهاد والقمع القديم والخوف المتبادل بين ابناء الوطن وضحالة التجربة السياسية ووحشية الجوار الاقليمي ، هذه الامراض جعلت بعض ابناء الوطن الواحد يشعرون بأن الخلاف بينهم خلاف حياة وموت اقتلك أو تقتلني ، ان لم اقتلك فأنا لست ابن ابي ، ولكني على استعداد لانجاز رحلة مسح الدموع في أي عاصمة أجنبية بدون خجل ، هذه الأمراض كادت ان تحول العراق الى ساحة خلفية لتصفية الحسابات ، والقاعدة تقول ان النهوض بمصالح البلد والشعب يحتاج الى فريق عمل ، منظمة كبرى ، دولة جامعة ، أمة ناهضة ، نخبة متضامنة ، اما النهوض بمصالح الاجانب فيحتاج الى فرد متسلط ، عصابة متنازعة متنافسة ، واجهة مزيفة ، طغمة خائفة متباغضة ، من يضع هذه القاعدة معيارا سيعرف من الذي يمثل مصالح العراقيين ومن الذي يمثل مصالح الأجانب من بين اصحاب البدلات النظيفة .
https://telegram.me/buratha