“نساء داعش”، ظاهرة أثارت الكثير من التساؤلات حول دوافع شابات أو فتيات صغيرات للالتحاق بصفوف تنظيم داعش الارهابي، وحول خلفياتهن الاجتماعية التي شكلت تحولا في نوعية الملتحقات بصفوف الجماعات المتشددة.
وكوّن التنظيم المتشدد شبكات كاملة تعمل على تجنيد المرشحات من عدة دول، بما فيها الأوروبية والآسيوية فضلا عن الدول العربية ودول شمال إفريقيا وعلى رأسها تونس.
فمن هن هؤلاء النساء؟ وما هي الأدوار التي يضطلعن بها داخل التنظيم؟ وكيف يتم استخدامهن في إرهاب وتعذيب بنات جنسهن؟
مراهقات في ثوب “داعشيات”
يبلغ عدد المقاتلين الأجانب الذين انضموا لداعش 20 ألفا و730 مقاتلا، حسب آخر إحصائيات نشرها المركز الدولي لدراسة التشدد والعنف السياسي في كينغز كوليدج (لندن)، ما يجعل من الصراع في سورية والعراق الأكثر استقطابا للمقاتلين منذ سنة 1945.
وخلال الأشهر الماضية فقط، التحق آلاف المواطنين الغربيين بالتنظيم المتشدد في سورية وبينهم حوالي 600 امرأة، من بينهن 22 فتاة بريطانية و40 ألمانية و14 نمساوية لا تتجاوز أعمارهن 15 سنة، وفقا لما ذكرته الباحثة في مجال مكافحة الإرهاب والتشدد إيناس فان بوهر في مقابلة مع قناة “الحرة”.
وتتصدر الفرنسيات قائمة الملتحقات الغربيات بالتنظيم المتشدد في العراق وسورية مؤخرا بحوالي 63 امرأة شابة، حسب تصريحات لوزير الداخلية الفرنسي بيرنار كزانوف.
المعروف أن الجماعات المتشددة تستقطب شبابا من أوساط فقيرة أو عائلات مفككة. لكن الأمر يختلف اليوم بالنسبة لداعش، الذي يستهدف شبانا وفتيات ذوي خلفيات اجتماعية ومستويات تعليمية مختلفة. وقد سجل عدد من الباحثين انضمام شبان وفتيات جامعيين ينحدرون من عائلات متوسطة بل وميسورة الحال أحيانا.
وتقول الخبيرة فان بوهر إن النساء والفتيات الغربيات اللائي انضممن إلى التنظيم المتشدد ينتمين إلى الجيل الثاني أو الثالث من المهاجرين، مضيفة أنهن لسن بالضرورة مسلمات في الأصل فهناك بينهن من اعتنقن الإسلام.
وعن أسباب انجذاب هؤلاء الشابات إلى بروباغندا داعش، تفيد الخبيرة الأوروبية بأن معظم هؤلاء النساء والفتيات يعتقدن أنهن يتعرضن للتمييز في دولهن وأن المسلمين عرضة للهجوم في العالم بأسره. أما البعض الآخر، تضيف فان بوهر، فينجذبن إلى داعش من أجل المغامرة وفكرة الزواج بمقاتل أجنبي ارتبط لدى هؤلاء النساء والفتيات بصورة البطل الذي يضحي بنفسه خدمة لقضية سامية.
كتيبة الخنساء.. أداة رعب في “عاصمة البغدادي”
من المنتظر من النساء في داعش لعب دور الزوجة والأم، في الغالب. لكن غالبية الملتحقات يتطلعن إلى دور أكبر داخل التنظيم يعزز ثقتهن بأنفسهن ويضعهن في موقع قوة بالنسبة لسائر النساء.
طموحات “الداعشيات” وحرص التنظيم المتشدد على تطبيق الشريعة كما يراها أسباب كانت وراء تأسيس كتيبة الخنساء مطلع 2014 في مدينة الرقة السورية، التي اتخذها داعش عاصمة له.
ويقول أبو محمد، أحد مؤسسي صفحة “الرقة تذبح بصمت” إن الكتيبة، التي تتكون بالأساس من شيشانيات وتونسيات، تولت فور تشكيلها مهمة ملاحقة النساء اللواتي يخالفن تعليمات وقوانين داعش في المنطقة.
واتسعت مهامها بعد ذلك لتشمل تدريب مجموعات نسائية على حمل السلاح ضمن معسكرات خاصة، إضافة إلى تلقينهن أصول الفكر الدعوي الشرعي والتكفير.
يقول أبو محمد “تبحث عناصر الكتيبة في شوارع الرقة عمن تخالف اللباس المعتمد لدى داعش أو من ترفع صوتها أو تقف في الشارع مع غير محرم فيتم اعتقالها وجلدها بمقر الكتيبة”.
واليوم، فقد تحولت كتيبة الخنساء إلى أداة رعب تلاحق النساء والرجال على حد سواء، تهين وتعتقل وتضرب كل من سولت له نفسه الخروج عن قوانين داعش، حسبما قال أبو محمد.
وهكذا أضحت الرقة سجنا مفتوحا يتفنن فيه مقاتلو داعش في تعذيب أهلها وإذلالهم بأساليب قاسية منها ما هو نفسي وما هو جسدي.
قبل داعش وما بعده
عبر دول العالم، تنامى الوعي بضرورة محاربة داعش، ليس فقط بالوسائل العسكرية وإنما بالتصدي للأفكار التي ينشرها التنظيم المتشدد وكل الجماعات المتطرفة في صفوف الشباب لا سيما من خلال مواقع التواصل الاجتماعي.
وأمام قلق الحكومات والمجتمعات من ظاهرة التشدد العنيف، استثمرت ملايين الدولارات في برامج الهدف منها حماية الشباب من التطرف أو تأطير وإعادة تأهيل العائدين من مناطق النزاع. لكن هذه البرامج ليس كلها ناجعا، وخير دليل على ذلك العدد الكبير للمقاتلين الذي توجهوا من دول أوروبية مثلا للقتال في سورية والعراق.
لذلك، مول الاتحاد الأوروبي برنامجا يحمل اسم “طرق ومساطر مستحدثة لتقييم تقنيات مواجهة التشدد العنيف في أوروبا”، حسبما تقول الخبيرة في مواجهة التشدد إيناس فان بوهر.
وتضيف فان بوهر “مهمتنا هي تقييم البرامج الموجودة لإيجاد الممارسات الناجعة لمكافحة الأفكار المتطرفة”، موضحة أن من شأن ذلك أن يساعد الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي والعاملين في المجال على معرفة ما إذا كانت جهودهم تسير في الاتجاه الصحيح أم أن هناك ضرورة لإجراء أي تغيير.
وتشارك في البرنامج، الذي تمتد فترته بين جانفي 2014 وجوان 2017، مراكز بحث معروفة في أوروبا والعالم.
لكن، لا تتعامل كل الدول بنفس الطريقة مع الموضوع. ففي تونس مثلا، والتي يتصدر مواطنوها قائمة المقاتلين الأجانب في صفوف داعش (1500-3000) وفقا لإحصائيات المركز الدولي لدراسة التشدد والعنف السياسي، لا تتوفر على استراتيجية لمكافحة الفكر المتشدد لداعش، حسبما صرح رئيس جمعية إنقاذ التونسيين العالقين بالخارج محمد إقبال بن رجب.
ويأسف بن رجب للطريقة التي تتعامل بها السلطات التونسية مع العائدين من مناطق النزاع، موضحا أن “السجن لن يغير فكر مثل هؤلاء الأشخاص الذين ربما قد يتشددون أكثر”.
وأضاف رئيس جمعية إنقاذ التونسيين العالقين بالخارج أن “إعادة الإدماج هي ضرب لداعش في الأعماق”.
وألقى بن رجب اللوم على بعض المسؤولين الذين، حسب قوله، حرضوا الشباب على الالتحاق بداعش وغضوا النظر عن الشبكات الإجرامية التي كانت تعمل في تونس.
وشدد على ضرورة تأطير الفئة العمرية ما بين 18-27 ومساندتها والقضاء على الفقر والأمية في البلاد لأن “ثروة تونس الأساسية هي شبابها”.
لقد نجح داعش في غسل أدمغة الآلاف من الشباب، ذكورا وإناثا، مستغلا في ذلك ليس فقط مواطن ضعف في شخصية المستقطبين بل كذلك غياب خطاب فكري معتدل يحصن ضد أي دعاية للتشدد العنيف.
25/5/150415
https://telegram.me/buratha