دراسات

يوم القدس نبضه العراق


 

اعداد د.فراس العتابي وحسن الربيعي ||

الباحثين في مركز تاج الحضارة الثقافي

في خضم الظروف العالمية التي تركم القول على القول، والصورة على الصورة، والفعل على الفعل بدأ الإنسان المعاصر يدور مع هذه الدوامة التي تتعمد الضخ المستمر للأفكار التي تخدم مصالحها، وتشوش على المتلقي حقيقة الموقف؛ فتأخذه من جادة كان يسير عليها ردحا طويلا من الزمن إلى جادة مصممة له من غير أن يستشعر ذلك التحول أو يدرك مضمراته بشكل جلي، وهنا تأتي أهمية المنبهات القيمية من خلال نواقيس الذكرى الزمنية، والمكانية، والتي تحاول أن تكون بوصلة تحدد للقيم توجهاتها الحقَّة بعيدا عن ضوضاء التشويش التي تريد التأثيث لمصالحها الخاصة دون مصالح الآخرين القيمية، ومن هذه المنبهات المهمة على الصعيد العالمي والإنساني ما دعى اليه روح الله الخميني عام ١٩٧٩ بإتخاذ الجمعة الأخيرة من شهر رمضان المبارك يوماً عالمياً للقدس والتي شكل وجودها ولحدِ لحظتنا المعاصرة عاملا مهما من عوامل التنبيه الإنساني لخطر داهم يستبيح الإنسان، والمكان، والقيمة، فالإنسان وفق المعتقد الصهيوني هو الإنسان اليهودي فقط؛ بينما كل البشر الآخرين ليسوا تحت العنوان الإنساني بل إنهم يطلقون عليهم مصطلح(الغوييم) أي (الغاوون)، فكل من ليس يهوديا؛ فهو غاو بالمعنى الصهيوني، وهو ليس من رعايا الرب، وبما إن هذه الأرض للربوبيين؛ فيجب تهميش الآخرين، وأن يبقى المتن المتحكم فيها صهيونيا.

وإن ما قدمناه هي إطلالة سريعة على الخطر الصهيوني الداهم على الإنسانية جمعاء من الناحية التحليلية، وكيف يستهدف الإنسان والمكان والقيم؛ ما يجعل للمنبهات التي تذكرنا بهذا الخطر ضرورة كبيرة لتهيئة ظروف المواجهة، وللتعرف على طبيعة الآخر الحقيقية؛ فكان ليوم القدس الذي يحتفي به أحرار العالم في الجمعة الأخيرة من شهر رمضان المبارك من كل سنة بأجوائه العبادية والروحية أهمية قصوى للمسلمين بشكل عام، وللعراقيين بشكل خاص، وتنبعث خصوصية العراق، والعراقيين في طبيعة هذا الاحتفاء بوصفه القلب لهذه المجابهة بين معسكرين متصارعين على الدوام لأسباب قيمية كبرى، وللبحث في هذا الشأن لابد من نظرة إلى هذه المنطقة التي تتصارع فيها هاتان القوتان، فالمنطقة هي الشرق الأوسط الذي هو قلب العالم الجغرافي، والاقتصادي، والديني، أما قلب هذا القلب فهو العراق، ومن خلال إلقاء نظرة على التاريخ قريبه، وبعيده تنكشف الحقائق التي يحاول الضخ الإعلامي، والسياسي الشيطاني أن تعشوا الأبصار عن رؤيته الواضحة، وأولى تلك الحقائق التاريخية إن العراق ما زال إلى هذه اللحظة التاريخية في حالة حرب مع الكيان الإسرائيلي، ومنذ إعلانه لهذه الحرب سنة 1948م؛ كونه لم يعقد مصالحة، أو مهادنة سياسية مع الكيان الإسرائيلي؛ فهو لم يعترف به ولم يقم علاقات دبلوماسية معه، ولقد شاركت القوات العراقية في حربي 1967م و1973م، ولقد قام الكيان الإسرائيلي بقصف المفاعل النووي العراقي عام 1981م، وقد ضرب العراق الكيان الإسرائيلي خلال حرب الخليج مجموعة من الصواريخ الباليستية، ثم قصف الكيان الإسرائيلي عام ٢٠١٩م مجموعة من مقار الحشد الشعبي، وعليه فإن حالة الحرب هي حالة مستمرة بين هذين الطرفين المتصارعين، وقد تميز المقاتلون العراقيون بطبيعة أرعبت المحتل الإسرائيلي في الحروب فهنالك من القصص التي وثقت شجاعة هذا المقاتل العنيد، وثباته على قيمه الخيِّرة، وكيف إنه شكل كابوسا لذلك الصهيوني، وما قصة (أبو خليل) التي وثقت لهذا الجندي شجاعته في كيفية استعادة منطقة الخليل الفلسطينية، والحفاظ عليها، وقصة ذلك الضابط العراقي الذي فك الحصار الإسرائيلي عن جنين وأجبر رئيس الكيان المحتل لأن يجثو راكعا أمامه؛ إلَّا شواهد حق للطبيعة القيمية العراقية المواجهة لهذا الكيان الغاصب، والمعتدي؛ فالعراق هو الدولة الوحيدة في العصر الحديث من الدول التي هي خارج الطوق الإسرائيلي والتي واجهت هذا الكيان بشكل عسكري، وذلك لأن طبيعة المواجهة بين العراق، والصهيونية العالمية هي طبيعة وجود نظرا للتنافر القيمي بين المنظومتين؛ فهي تنعقد تحت عنوان أكون أو لا أكون، وهذه هي المشكلة الدائمة بين هذين الطرفين اللذين إن تحدثنا عن تاريخهما القريب فقط لن نستوعب طبيعة تصارعهما فلابد من البحث في الجذور لمعرفة هذه النتيجة التي تكون حاصل التقائهما؛ فما نراه اليوم من صراع قيمي بين المعسكرين هو ثمرة لشجرة كبيرة من الأحداث المتشابكة التي تضرب بجذورها في عمق التاريخ الإنساني؛ فلقد دأب اليهود على عدم صون العهد فكلما عاهدوا عهدا نقضوه حتى إن الله حين واعد موسى عليه السلام أربعين ليلة نقضوا العهد مع هذا النبي وعبدوا عجل السامري، وحين عاهدوا نبوخذنصر على عدم التحالف مع أعدائه، ونصَّبَ نبوخذنصر نتيجة لذلك العهد عليهم ملكا منهم شرط دفع الجزية وعدم نقض العهد نقضوه، وتعاونوا مع أعدائه ما حدا بالملك البابلي أن يسبيهم مرة ثانية ويضعهم في ما يشبه المعسكر عند أسوار بابل ليضمن مراقبتهم، وعدم عبثهم بأمن بلاد الرافدين، وقد حدث السبيان البابليان (597 ق.م) و (587 ق.م) أي إنهم لم يصبروا على عهدهم، ولو عقدا من الزمن؛ ما جعل كيدهم ينقلب عليهم، وعادوا مأسورين مدحورين، وقد أشار القرآن الكريم في سورة الإسراء المباركة إلى الأمر المتقدم، وعلته فساد بني إسرائيل بعد أن حباهم الله بأنعمه، وكيف إنهم واجهوا آلاء الله بنقض أسبابها، وبالفساد في الأرض، قال تعالى: ((وَقَضَيْنَآ إِلَىَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنّ فِي الأرْضِ مَرّتَيْنِ وَلَتَعْلُنّ عُلُوّاً كَبِيراً(4) فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لّنَآ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ الدّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مّفْعُولاً (5) ثُمّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً (6) إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ الاَخِرَةِ لِيَسُوءُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوّلَ مَرّةٍ وَلِيُتَبّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيراً (7) ))، وهذه النبوءة التي نطق بها نبينا الأعظم (صلى الله عليه وآله) هي نبوءة تؤكد طبيعة الصراع المحتدم بين المعسكرين، وإن الانتصار النهائي سيكون لصالحنا، ومن القوة الربانية المُتَناصَّة من الناحية القيمية مع القوة التي جاست خلال ديارهم أول مرة، وسبتهم، والعجيب إن هذه النبوءة القرآنية التي بُشِرنا بها مؤيدة في كتاب يهودي  اكتشف عام 1861م في مدينة “ميلانو” الإيطالية داخل مكتبة “Ambrosian Library”  وتعود مخطوطته إلى القرن السادس الميلادي، وعليه فإن المُعتَقِدين من مؤمني الفريقين لديهم هذه النبوءة، فهو صراع بين قوتين، وهو الذي يوجب على القوة الصالحة أن تحرص على إثارة المنبهات صوبه وأن تدق نواقيس التحذير لأهليها بعدم التغافل عن أبعاده الخطيرة، والمتصلة بين الماضي، والحاضر، والمستقبل، ويُعد العراقيون القلب النابض، والمؤسس القيمي الأول للإنسانية جمعاء،  فبلادهم هي النور القيمي، والمعرفي الأول على سبيل الحضارات القديمة، والأديان السماوية الأولى، وحين تثوب الإنسانية إلى رشدها الأصوب ستكون عراقية كذلك بمشيئة الله، فهذه البلاد التي خرج منها أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام هي من ستحتضن ختام العهد الإلهي بالأمن البشري، والاستقرار النفسي على يد أبي القاسم المهدي عجل الله فرجه الشريف وبذلك فإن القدس، ويومها لا يمكن أن ينبضان بالحياة بمعنى الحياة التي أراد الله من خلالها أن يكرم خليفته إلّا من خلال العراق، فيوم القدس هو يومنا، ونحن نبضه بمشيئة الله؛ ليعلو الحق، والخير، والسلام، ويرحض كل ماسواه، ((وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا)).

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
فيسبوك