التقارير

صباح الفقراء..وقفة مع التربية القرآنية

1170 2022-11-01

د.أمل الأسدي ||

 

صباحُ الفقراء مختلفٌ عن غيره، فهو صباحٌ عامرٌ بالكرامةِ والتوكل علی الله، صباحٌ يرتدي عِزّةَ النفس، ويتنفّس التسليمَ لله، وقلبه ينبض أملا  بالله ورزقه الواسع، وأبوابه المُفتّحة، صباحُ الفقراء الذين يعيشون برأسٍ عالٍ، ويدٍ مبسوطة، وابتسامةٍ ناضجة، صباح الفقراء كظهيرتهم اللذيذة،إذ يعودون وبأيديهم بعض ما تحتاجه الأسرة من قوت، وكأنهم يحملون  جنةً صغيرةً،لا بل كبيرة!!

فهم يحملون الحلال!!

هولاء  الفقراء الذين تحدث عنهم الباري عزّ وجل وقال:((لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا ۗ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ)) فصوّرهم وصوّر وعيهم العالي، فهم لايطلبون حاجاتهم من مخلوقٍ ضعيف، ويتركون الخالق العظيم الذي خلقه وخلقهم!!

هولاء الفقراء الذين يتنفسون كرامةً،يظهرون دوما  بحال الغني الميسور، ويحافظون علی ماء وجوههم، قد حفظ الله كرامتهم ورفع شأنهم حتی في  الخطاب وسياقه الوارد في الآية، إذ حذف  المبتدا( الصدقات) وأبقی متعلق الخبر، كي لا نقول ونردد :" الصدقات للفقراء" وحتی لاتصل كلمة" الصدقة" الی مسامعهم،فتؤذيهم وتكسر هيبتهم، وتسفح ماء وجوههم، وتبدد كرامتهم!!

وحتی  يربينا القرآن علی العطاء من دون  مَنٍّ  ورياء، ويربينا علی ابتلاع  أي كلمةٍ تجرح  الإنسان وتنال من كرامته،وهذه التربية  القرآنية  تبني الذوق الإنساني، وتدعم الخُلق الرفيع، وتسعی الی تنظيم الحياة وإشاعة العدل من دون أن تُمَسَّ كرامة الفرد!!

ونجد  مثل هذه التربية في فكر الإمام السجاد(ع) وخطابه، إذ اهتم بتنمية الذات،وتشجيعها، وتقوية أملها بالله تعالی، وحده لاشريك له، فهو الخالق وهو الفتاح الرزاق الكريم العليم، فنجده(ع) يقول:((اللَّهُمَّ، وَلِي إلَيكَ حَاجَةٌ قَـد قَصَّرَ عَنهَـا جُهدِي، وَتَقَطَّعَت دُونَهَا حِيَلِي، وَسَوَّلَت لِي نَفسِي رَفعَهَا إلَى مَن يَرفَعُ حَوَائِجَهُ إلَيكَ، وَلاَ يَستَغنِي فِي طَلِبَاتِهِ عَنكَ، وَهِيَ زَلَّةٌ مِن زَلَلِ الخَاطِئِينَ، وَعَثرَةٌ مِن عَثَراتِ المُذنِبِينَ، ثُمَّ انتَبَهتُ بِتَذكِيرِكَ لِي مِن غَفلَتِي وَنَهَضتُ بِتَوفِيقِكَ مِن زَلَّتِي، وَنَكَصتُ بِتَسـدِيدِكَ عَن عَثـرَتِي وَقُلتُ: سُبحَانَ رَبّي كَيفَ يَسأَلُ مُحتَاجٌ مُحتَاجـاً، وَأَنَّى يَرغَبُ مُعدِمٌ إلَى مُعدِم؟! فَقَصَدتُكَ يا إلهِي بِالرَّغبَةِ، وَأَوفَدتُ عَلَيكَ رَجَائِي بِالثِّقَةِ بِكَ، وَعَلِمتُ أَنَّ كَثِيرَ مَا أَسأَلُكَ يَسِيرٌ فِي وُجدِكَ، وَأَنَّ خَطِيرَ مَا أَستَوهِبُكَ حَقِيرٌ فِي وُسعِكَ، وَأَنَّ كَرَمَكَ لاَ يَضِيقُ عَن سُؤَالِ أحَدٍ، وَأَنَّ يَدَكَ بِالعَطايا أَعلَى مِن كُلِّ يَد...) 

فيفتح بدعائه  الباب لكل من ظنّ في لحظةٍ ما، أن حاجته بيد فلان من الناس، ليعود إلی ربه، الی الله تعالی، ثم يضاعف الإمامُ  جرعةَ التربية، فيشكر الله الذي ذكّره وأعاده إلی رشده وأنقذه من عثرته وغفلته!! فحتی ذكرنا لله وشكرنا  وتوبتنا تستدعي شكرا آخر عليها !! فلولا توفيق الله ما عدنا ولاذكرنا ولادعونا!!

ثم يوجه الإمامُ(ع) لنا صعقةَ أملٍ جديدة تعيد فينا النبض، وتمنحنا الاستمرار، متمثلةً في معرفةِ أن كلّ ما نحلم به، ونرجو تحققه، ونراه  أمرا مُعجِزا وخطيرا، أن كل ذلك هو  شأن يسير حقير بسيط بإزاء  قدرة الخالق العظيم!! وماعلينا إلا أن نفعّل  ثقتنا بربنا، ونتوكل عليه، ونتوجه إليه، ليفتح لنا أبواب خيره، ويبقينا علی قيد الفطرة السليمة، والذات المتزنة، التي لا تميل الی الإفراط فتتورم ويغتالها الوهم!!

ولا تميل إلی التفريط فتضعف وتهون وتبتلعها الدونية!!

فما أجمل هذه التربية!! وما أعظم قلوب الفقراء!

وما أعمق وعيهم!

 

ـــــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
almajahi : نحن السجناء السياسين في العراق نحتاج الى تدخلكم لاعادة حقوقنا المنصوص عليها في الدستور العراقي..والذي تم التصويت ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
جبارعبدالزهرة العبودي : لقد قتل النواصب في هذه المنطقة الكثير من الشيعة حيث كانوا ينصبون كمائنا على الطريق العام وياخذون ...
الموضوع :
حركة السفياني من بلاد الروم إلى العراق
ابو كرار : السلام عليكم احسنتم التوضيح وبارك الله في جهودكم ياليت تعطي معنى لكلمة سكوبس هل يوجد لها معنى ...
الموضوع :
وضحكوا علينا وقالوا النشر لايكون الا في سكوبس Scopus
ابو حسنين : شيخنا العزيز الله يحفظك ويخليك بهذا زمنا الاغبر اكو خطيب مؤهل ان يحمل فكر اسلامي محمدي وحسيني ...
الموضوع :
الشيخ جلال الدين الصغير يتحدث عن المنبر الحسيني ومسؤولية التصدي للغزو الفكري والحرب الناعمة على هويتنا الإسلامية
حسين عبد الكريم جعفر المقهوي : عني وعن والدي ووالدتي وأولادها واختي وأخي ...
الموضوع :
رسالة الى سيدتي زينب الكبرى
فيسبوك