الصفحة الإسلامية

آيات قرآنية من كتاب فاجعة الطف للسيد محمد سعيد الحكيم قدس سره (ح 7)


الدكتور فاضل حسن شريف

قال آية الله العظمى السيد محمد سعيد الحكيم قدس سره في كتابه فاجعة الطف: لو شكر العرب النعمة: نعم لو أن العرب شكروا نعمة الله عز وجل ولم يخرجوا بالسلطة عن موضعها الذي وضعها الله تعالى فيه، ووفوا بعهد الله سبحانه الذي أخذه عليهم، لأبقى الله جلّ شأنه عزهم فيهم، ولحملوا دعوة الله عز وجل للأمم، وانتشر الإسلام بحقه وحقيقته وعدله واستقامته وخيره وبركته، بعيداً عن الانحراف والاستغلال والمحسوبيات. ولعمّت لغة العرب الدني، لا لأنها لغة العرب، لتتحسس منها الشعوب الأخرى، بل لأنها لغة الدين العظيم والقرآن المجيد والسنة الشريفة، بما في ذلك الأدعية والزيارات الكثيرة. وبذلك تهمل الفوارق تدريج، وتموت العصبيات. ويكون للعرب شرف ذلك كله، ويكسبون احترام العالم ومودّته. لكنهم أخطأوا حظهم، وضيعوا نصيبهم، و "بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللهِ كُفْراً وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ" (ابراهيم 28). وإنا لله وإنا إليه راجعون. ولله أمر هو بالغه.

انهيار دولة آل أبي سفيان: وكيف كان فالذي لاريب فيه أنه لم يعهد لأحد من بعده بالخلافة. وبذلك انهارت دولة آل معاوية أو آل أبي سفيان تلك الدولة العظمى التي جهد معاوية بدهائه ومكره وجرائمه وموبقاته وقوة سلطانه في إرساء قواعدها وإحكام بنيانه. وبنى عليها آمالاً طويلة عريضة "كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ" (النور 39).

تنبؤ الصديقة فاطمة عليها السلام بما آلت إليه الأمور: وكأنه إلى ذلك وأمثاله مما حصل للمسلمين في مفاصل تاريخية كثيرة تنظر الصديقة فاطمة الزهراء صلوات الله عليه في قولها المتقدم في ختام خطبتها الصغيرة تعقيباً على انحراف مسار السلطة بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (أما لعمري لقد لقحت فنظرة ريثما تنتج، ثم احتلبوا ملأ القعب دماً عبيطاً وزعافاً مبيد. هنالك "يَخسَرُ المُبطِلُونَ" (الجاثية 27)، ويعرف البطالون غبّ ما أسس الأولون. ثم طيبوا عن دنياكم أنفس، وأطمئنوا للفتنة جأش، وأبشروا بسيف صارم، وسطوة معتد غاشم، وبهرج شامل، واستبداد من الظالمين، يدع فيئكم زهيد، وجمعكم حصيد).

الدفاع عن الظالمين يصب في صالح التشيع: وهم لا يدركون ـ بسبب هذه العقدة ـ أن هذا الدفاع والتبني لا ينفعان هؤلاء المجرمين، ولا يرفعان من شأنهم، ولا يضران الشيعة، بل يترتب عليهما أمران لهما أهميتهما في صالح الشيعة والتشيع: الأول: أن المدافعين والمتبنين لهؤلاء قد أسقطوا اعتبار أنفسهم، لأن هؤلاء الظلمة قد بلغوا من السقوط والجريمة بحيث يبرأ منهم من يحترم نفسه، ويشعر بكرامتها عليه. كما أن من يدافع عنهم أو يتبناهم يتلوث بجرائمهم، ويهوي للحضيض معهم. فهو كمن يحاول أن ينتشل شخصاً من مستنقع، فيهوي في ذلك المستنقع معه. الثاني: أن ذلك يكشف عن نصب هؤلاء النفر ـ من المتبنين والمدافعين ـ لأهل البيت صلوات الله عليهم، وأنه لا داعي لهم للدفاع والتبني لهذه النماذج المتميزة في الجريمة، والتي صارت في مزابل التاريخ، إلا بغض أهل البيت عليهم السلام. وكفى الشيعة فخراً أن يهوي خصومهم للحضيض، وأن تنكشف حقيقتهم، وأنهم في الواقع خصوم لأهل البيت صلوات الله عليهم ونواصب لهم. كما يكفي ذلك محفزاً للشيعة على التمسك بحقهم والاعتزاز به، وفي قوة بصيرتهم في أمرهم، وإصرارهم على حقهم. فهؤلاء بموقفهم من الشيعة نظير المشركين في موقفهم من النبي صلى الله عليه وآله وسلم، حيث سلاه الله عز وجل بقوله: "قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللهِ يَجْحَدُونَ" (الانعام 23).

فاجعة الطف نقطة تحول مهمة في صالح التشيع: وقد ظهر من جميع ما سبق أن نهضة الإمام الحسين (صلوات الله عليه) التي ختمت بفاجعة الطف صارت نقطة تحول مهمة في مذهب التشيع، حيث صار لها أعظم الأثر في قوته، ورسوخ قدمه وبقائه، ووضوح حجته وسماع دعوته، وتوسعه بمرور الزمن، رغم الضغوط الكثيرة، والصراع العنيف. ويأتي في الفصل الثالث من المقصد الثالث ما ينفع في المقام إن شاء الله تعالى. قال عزّ من قائل: "أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَ" (ابراهيم 24-25). وهو المناسب لحجم التضحية التي أقدم عليها الإمام الحسين صلوات الله عليه صابراً محتسب، راضياً بقضاء الله تعالى وقدره، مستجيباً لأمره، واثقاً بتسديده ونصره. وبذلك يتضح وجه قوله صلوات الله عليه في كتابه المتقدم: (أما بعد فإن من لحق بي استشهد، ومن لم يلحق بي لم يدرك الفتح). فجزاه الله تعالى عن الدين وأهله أفضل جزاء المحسنين. وصلى الله عليه وعلى آبائه وأبنائه الطيبين الطاهرين، وعلى أصحابه الميامين الذين استشهدوا معه، والذين سمعوا الداعي فأجابوه، ووثقوا بالقائد فاتبعوه، ولم تأخذهم في الله لومة لائم، ولا عاقهم عن أداء واجبهم عائق مهما بلغ. و "الْحَمْدُ للهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللهُ" (الاعراف 43). وله الشكر أبداً دائماً سرمد. ونسأله أن يثبتنا بالقول الثابت في الدنيا وفي الآخرة، ويزيدنا إيماناً وتسليماً إنه أرحم الراحمين، وولي المؤمنين. وهو حسبنا ونعم الوكيل. نعم المولى ونعم النصير.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
آخر الاضافات
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
فيسبوك