الصفحة الإسلامية

مرحلةُ التقوى ..

1793 2021-03-22

 

مازن البعيجي ||

 

تمر علينا تلك العبارة كثيرا - التقوى - وقد مرّت في موارد قرآنية عدّة بآياتٍ وتعابير مختلفة، قطعا لايكون ذلك من باب الصدفة ولاجزافا! إنما جاء ذلك التركيز في القرآن الكريم وهو كلام الله "عز وجل" ما يعني من الأهمية القصوى وإلفات نظر العباد لتلك التعاليم والتمعّن بها فلعل ماوراءها الخير الكثير والسعادة الأبدية.

(وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ ) البقرة ٤٨ .

( زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) البقرة ٢١٢ .

وهناك موارد أخرى كثيرة ولكن.. مامعنى تلك المفردة الشفّافة التي تلامس شغاف القلب والتي لو سبرنا غور معانيها وماتحمل من مضامين عالية لأَيقنّا مراد الله "سبحانه وتعالى" الذي يريد لعباده ان يبلغوه! فالتقوى تارة تأتي مرحلة او محطة من محطات النفس يصل معها الانسان ليكون أحد مصاديقها المعنوية لما يكون عليه من المعنويات والكمالات الروحية التي تجعل منه إنسانا يباهي الله به الملائكة كما جاء في وصفِ المتقين على لسان خير الأوصياء عليّ "عليه السلام" وهو يصف اصحاب التقوى لهمام، احد الاصحاب حينما سأله:

يا امير المؤمنين،  صِف لي المتقين،  ولعل هذه الحادثة معروفة والتي ذُكرت في كتاب نهج البلاغة وغيرها من الكتب وكيف حينما شرع امير المؤمنين "عليه السلام" في وصف صفات المتقين فقد مات فيها همام بعد استماعه تحقق شروط التقوى! مع أنه كان من المتقين غير أنه لم يحتمل تلك الحقيقة العميقة بين ما عنده وبين ماورد بوصف أمير المؤمنين ماعظُم عليه الخطب وتعاظم الخطاب فوجد نفسه صريعا  ميّتا في حضرة التقوى وسيد المتقين!!

لماذا؟! لأنه بلغ الفهم الواقعي والموضوعي العميق للتقوى وليس قشور نسترُ بها أفعالنا المنخورة في الباطن المتألقة في الظاهر بعنوان التقوى، ولاهي ألفاظ وشعارات لاتتعدى اقصى اللسان والحلق!

وتارة تأتي بمعنى كونها السفينة المُبحِرة في عالم الدنيا، سفينة نجاة يوم القيامة بعد ان ثبت صاحبها في زمن الزلزلة، وقبض على دينه كما الجمر في يديه، وتجنب سخط الله وكل مايبعده عنه سبحانه وفي أدق الاقوال والافعال وحتى خطرات الذهن، في هذه المحطة تكون التقوى سفينة نجاة، فلو وصل العبد الى معرفة ذلك العمق لمفهوم التقوى فسياخذه الى عالم من حذر وخوف وخشية يستشعرها مع كل اخفاقة نَفَس ونبضة قلب في غير الله ومع كل تنازلٍ لذنب ما أو حال مداهمة الشيطان لجوانح العبد، وأكثر من ذلك، سيصنع مصدّات من نور لمواجهة المغريات ووساوس إبليس وأدواته! 

إذ بعد ذلك تصبح تلك الحالة التي وصفها أمير المؤمنين "عليه السلام" مَلَكة كالحارس الامين على صاحبها لا يهدأ له جفن إلا بعد اخراجه من منطقة تأثير الشيطان الرجيم ومغادرة كل محطات الإغواء التي نصب شِراكها الشيطان والنفس الأمارة بالسوء بغيةَ إيقاع الانسان الضعيف وإسقاطه!

وتبقى الحرب قائمة حتى الخلاص والغلبة، سيما وأن سلاح الأمل بالله عزوجل موجود فكلما تعرّض الأنسان لزعزعة وذبذبة فزع الى ذلك الحصن الحصين، الى تلك الواحة الخضراء التي تبعث النور والسرور والأمل، الى القرآن الكريم حيث كلام الله الرؤوف ليجد كل مايزيح ضباب النفس وهو يدعو عباده الى حضن أمانه ويقول:

(يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)الزمر ٥٣

(الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)الرعد ٢٨

ثم يطمئن الله الحنّان الرحيم عباده متحدّيا العدو اللدود الذي راهن وبارز ربه ووعده ان يُضلّ عباده فيأتي رب العباد ليقول له:

( إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ ) الحجر ٤٢ .

( إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا ) الإسراء ٥٦ .

فما أجملَ أن يعي العبد رأفة رحمة ربه وهو يدافع عنه ويضمن له السلامة شرط ان لايقع فريسة غواية الشيطان الرجيم ، ويبقى متحصّنا بالتقوى وأسوار الطهر والفضيلة لحين اعلان نتائج الفوز والفلاح وذلك الفوز العظيم

(يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ  فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ) الطارق ٩ -- ١٠

فمن أراد العيش في الدنيا التي هي دار بلاء وامتحان ومهما عاش الانسان وكيفما عاش فلابد من الرحيل عنها وشيكا، ولابد من تحديد بوصلة الحياة والعيش فيها  باتجاه الخريطة التي رُسِمت لأجل النجاح والفوز بعد الامتحان وهي مقدَّمة بين ايدينا جميعا وماعلينا الا اليقظة والوعي فلنتأمّل فيما خطّت يد النور والعصمة لضمان الدنيا والآخرة.

وماقاله أمير المؤمنين عليه السلام لهمام فيما عُرفت بخطبة صفات المتقين:

 ( فَالْمُتَّقُونَ فِيهَا هُمْ أَهْلُ الْفَضَائِلِ مَنْطِقُهُمُ الصَّوَابُ وَمَلْبَسُهُمُ الِاقْتِصَادُ وَمَشْيُهُمُ التَّوَاضُعُ غَضُّوا أَبْصَارَهُمْ عَمَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَوَقَفُوا أَسْمَاعَهُمْ عَلَى الْعِلْمِ النَّافِعِ لَهُمْ نُزِّلَتْ أَنْفُسُهُمْ مِنْهُمْ فِي الْبَلَاءِ كَالَّتِي نُزِّلَتْ فِي الرَّخَاءِ وَلَوْ لَا الْأَجَلُ الَّذِي كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ لَمْ تَسْتَقِرَّ أَرْوَاحُهُمْ فِي أَجْسَادِهِمْ طَرْفَةَ عَيْنٍ شَوْقاً إِلَى الثَّوَابِ وَ خَوْفاً مِنَ الْعِقَابِ عَظُمَ الْخَالِقُ فِي أَنْفُسِهِمْ فَصَغُرَ مَا دُونَهُ فِي أَعْيُنِهِمْ فَهُمْ وَالْجَنَّةُ كَمَنْ قَدْ رَآهَا فَهُمْ فِيهَا مُنَعَّمُونَ وَهُمْ وَالنَّارُ كَمَنْ قَدْ رَآهَا فَهُمْ فِيهَا مُعَذَّبُونَ قُلُوبُهُمْ مَحْزُونَةٌ وَشُرُورُهُمْ مَأْمُونَةٌ......) كما انصح بالاطلاع وتأمّل الخطبة كاملة

فكل تلك الوصايا التي تشكل منظومة حراسة شديدة هي المطلوبة من قبل الشارع المقدس حتى يخرج الإنسان من عيش الضنك والبؤس والاحباط والتردد والحيرة والملل التي هي بستان الشيطان جني الثمار التي تسعدهُ وتغضب الرب الرؤوف،

(وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ) ١٢٤ .

فهلمّوا معا ونحن على ابواب شهر الله شهر النور والصفاء لنشدّ الرحيل مغادرين عالم الظلمة والشقاء الى حيث عالم النور والسعادة والنقاء وتلك مرحلة لاينالها إلا من امتحن الله قلبه للتقوى وكان من الفائزين

البصيرة ان لا تصبح سهماً بيد قاتل

الحسين ومنه يسدده على دولة الفقيه ..مقال قادم نلتقي..دمتم)..

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
آخر الاضافات
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
فيسبوك